السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.
أنا شاب في 23 من العمر، أعاني من الشرود الذهني وضعف التركيز، ومن الخجل مع احمرار وعرق الوجه أحيانا، وخصوصا عندما أتحدت مع أحدهم، وعدم إلمامي بالموضوع فأتوتر، ويحمر وجهي، مما يؤدي إلى انتباه الآخرين.
كما أعاني أيضا من صعوبة الاختلاط بالناس، وإذا كنت بينهم أظل ساكتا لا أعرف ماذا أقول؟! لا أعرف لماذا؟ مع العلم أنني قليل الكلام حتى مع أهلي، وهذا يجعلني إنسانا غير مرغوب فيه إلا لأسباب خاصة، كما أنني لا أستطيع أن أدافع عن نفسي ويصعب علي التعبير.
مع العلم أنني قبل 12 سنة تقريبا كنت إنسانا طبيعيا قادرا على كسب الصداقات، هل هذا مرض نفسي؟ هل له دواء خاص؟
وجزاكـم الله خير الجـزاء.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
إن أعراض الشرود الذهني وضعف التركيز والخجل واحمرار الوجه خاصة عند المواجهات هو ما يصاحب ذلك من توتر واحمرار في الوجه، وشعورك بأن الآخرين ينتبهون إليك أكثر مما يجب، هذا هو الرهاب الاجتماعي أو الخوف الاجتماعي، وهو متدرج وله عدة جزئيات وأنواع.
النوع الذي تعاني منه هو الخوف المباشر، وهو يعتبر من أبسطها، وأقلها صعوبات ومشاكل، ويمكن علاجه من خلال اتباع الآتي:
أولا: أريدك أن تصحح مفاهيمك، وهو أنك غير مراقب من قبل الآخرين، وأن احمرار الوجه ناتج من تدفق بسيط في الدم، وأنه غير ملحوظ للآخرين كما تعتقد.
ثانيا: الشعور بالخوف وربما تسارع ضربات القلب وخلافه هو شعور داخلي خاص بك، وأيضا هذا لا يتم الاطلاع عليه من قبل الناس، هذا مهم جدا.
إن الخوف الاجتماعي ليس جبنا، ليس ضعفا في الشخصية، ليس قلة في الإيمان، هذا ما نود أن نحتم عليه دائما، والخوف الاجتماعي هو نوع من القلق الذي هو ناتج من تجربة سلبية سابقة، ربما تكون في مرحلة الطفولة مثلا، ومن الأمثلة المعروفة أن الشخص قد يكون تعرض لموقف فيه شيء من الخوف، ومن ثم لم يجد أحدا يصحح مفاهيمه أو يسانده في تلك اللحظة، وقام بوضع بعض المعالجات الخطأ للهروب من ذاك الموقف، ومن ثم ترسخت هذه الفكرة وظلت مشفرة على مستوى العقل الباطني، ثم ظهرت في وقت لاحق.
هذه النظرية – أي نظرية اكتساب المخاوف – أعتقد أنها نظرية رشيدة وممتازة جدا، وهي تدل على أن هذه المخاوف مكتسبة ومتعلمة، والمنطق يقول إن الشيء المكتسب أو المتعلم يمكن أن يفقد من خلال التعلم المضاد، لذا نعتقد أن تجاهل فكرة الخوف مهمة جدا، لن يحدث لك أي شيء في المواقف الاجتماعية التي تتطلب المواجهات، هذا نؤكده لك، أنت غير مراقب، غير مرصود من قبل من تحادثهم، هذا لابد أن نحتم عليه.
التعرض المتدرج – أي أن تعرض نفسك – باستمرار للآخرين، مثلا تصلي صلاة الجماعة في الصفوف الخلفية، بعد ذلك تنتقل إلى الصفوف الأمامية، بعد ذلك تكون خلف الإمام، وهكذا بالتدرج، هذا نوع من التعرض الممتاز جدا.
حين تقابل الناس ابدأ أنت بالسلام، تحية محترمة، تحية الإسلام، بعد ذلك حاول أن توسع في مخاطبتك للناس، أن تسألهم عن أحوالهم وتدخل معهم في مواضيع حياتية. إذن تدريجيا يستطيع الإنسان أن يبني هذا التعرض أو هذا التعريض، وهو وسيلة علاجية ممتازة جدا.
أما بالنسبة للعلاج الدوائي فهو الحمد لله موجود وفاعل جدا، وحقيقة حصلت تغيرات ممتازة فيما يخص نهايات ومآلات الخوف الاجتماعي، وأقصد بذلك أن النتائج العلاجية أصبحت رائعة جدا، هذا المرض كان في السابق ربما يكون معيقا جدا للإنسان، لكن الآن باستعمال الأدوية الحديثة وكذلك وعي الناس حول أهمية التطبيقات السلوكية - التي تحدثنا عنها بإيجاز – هذا أدى إلى إنجاز كبير في مئال الخوف الاجتماعي.
من أفضل الأدوية التي تفيد الناس في هذا السياق – وأسأل الله أن ينفعك به – دواء يعرف تجاريا باسم (زيروكسات) ويسمى في المغرب تجاريا باسم (ديروكسات)، واسمه العلمي هو (باروكستين)، أرجو أن تتحصل عليه وتبدأ في تناوله مباشرة.
ابدأ بنصف حبة – أي عشرة مليجرام – تناولها ليلا بعد الأكل لمدة عشرة أيام، بعد ذلك اجعلها حبة كاملة واستمر عليها لمدة شهر، ثم ارفع الجرعة إلى حبتين في اليوم، يمكنك أن تتناولها كجرعة واحدة أو بمعدل حبة صباحا وحبة مساء، استمر على هذه الجرعة لمدة ثلاثة أشهر، وهذه هي الجرعة العلاجية، بعد ذلك خفض الجرعة واجعلها حبة واحدة في اليوم، وهذه هي الجرعة الوقائية والتي يجب أن تستمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك خفض الجرعة إلى نصف حبة يوميا لمدة شهر، ثم نصف حبة يوما بعد يوم لمدة شهر آخر، ثم توقف عن تناول الباروكستين.
هو دواء رائع، دواء ممتاز كما ذكرت لك، وغير إدماني وغير تعودي، أسأل الله أن ينفعك به.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.