تساؤلات كثيرة تدور في ذهني، ولا أستطيع اتخاذ القرارات، فما الحل؟

0 528

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

بداية كل عام و أنتم بخير، وأسأل الله أن يجزيكم خير الجزاء عن هذا العمل المبارك، وهذه الخدمة الطيبة التي تقدمونها لرواد هذا الموقع.

دكتور: هذه هي المرة الأولى التي أبوح فيها بهمومي، فأتمنى أن تتقبلوا هذا البوح بصدر رحب، وأن ترشدوني إلى الطريق الصحيح الذي يجب أن أسلكه كي أخرج مما أعانيه.

أنا فتاة، عمري 25 سنة، أسكن مع والدي ووالدتي في مدينة صغيرة، وأعمل بها مدرسة، وأواصل في نفس الوقت دراستي الجامعية العليا، ملتزمة دينيا، وأرتدي الحجاب منذ أن كنت طفلة في العاشرة، وأحب ديني وأحاول أن أحفظ كتاب الله.

منذ أن كنت طفلة صغيرة وأنا إنسانة حساسة للغاية، ولا أستطيع كبح دموعي أمام أي موقف ولو كان تافها، كنت خجولة، وعندي نوع من الخوف الاجتماعي، وأحمل هم كل كبيرة وصغيرة، أضخم الأمور وأجعل من مشكلة بسيطة مثار تفكير وقلق طويل، قد يحرمني حتى النوم، وأتردد كثيرا في اتخاذ القرار، ولا أحس بثقة كبيرة في نفسي، كما أنني كتومة ولا أعبر عن ما بداخلي.

في السنتين الأخيرتين اضطرب نومي كثيرا، وأصبحت أجد صعوبة في النوم، وزادت حدة القلق داخلي، فأصبحت أخاف على صحتي من الأمراض، وأخشى على صحة والدي، وما زاد الطين بله، هو إصابة جدتي التي تقطن معنا في البيت بمرض معدي وهو السل، ورغم أنها تعالجت منه، إلا أنني منذ ذلك الوقت أصبحت في غاية التوتر من سكنها معنا في البيت، وأصبحت أحس إن الهواء الذي نتنفسه في بيتنا ملوث، وأتحسس من أي شيء تلمسه، ولا أستطيع الجلوس إلى جانبها، وفي المقابل أحس بتأنيب الضمير؛ لأنني أحبها وأدعو لها دائما بالشفاء.

بقيت على هذا الحال، ولم أعد أجد راحة لا في بيتي ولا في عملي، وليست لدي أي أنشطة بسبب صغر هذه المدينة، وليس عندي صداقات متينة، إلى أن حصل معي في أحد الليالي وقبل 5 أشهر من الآن أمر غريب، فقد قمت من النوم وأنا أختنق وقلبي يدق بقوة انتابني خوف شديد، وبردت أطرافي، وأصبحت أرتعد، عندها فسرت ما يحصل معي بأنه أعراض الموت، نقلني والدي إلى الطوارئ، وطوال الطريق وأنا أردد الشهادتين، وأنتظر رؤية ملك الموت، لكن عندما وصلت للطوارئ أكد الطبيب إن ضغطي جيد ودقات قلبي جيدة، وأن جهازي التنفسي جيد جدا، ورجح أن تكون الحالة ناتجة عن ضغط نفسي، وفي اليوم الموالي تكررت معي الحالة مجددا، وبقي أبي وأمي إلى جانبي حتى صباح اليوم التالي، حيث ذهبت لزيارة طبيب نفسي، ولم أحس براحة كبيرة عند لقاء الطبيب بل كانت دموعي تغلبني، ولم أستطع الحديث معه مطولا، لكنه أكد لي إن هذا قلق نفسي، وقليل من الأعصاب، ووصف لي دوائيين هما لوديوميل 25 ميلغرام و زاناكس نصف ميلغرام لمدة 3 أشهر.

عند تناولي الدواء أحسست فورا بالراحة، ولم تتكرر معي تلك الحالة مجددا، ولمدة أسبوعين أحسست أنني تعافيت تماما، لكن بعد ذلك بدأت أجد نوعا من الخوف، والكتمة بالليل، ولا أنام جيدا، وأصبحت أتوهم أنني مصابة بالأمراض، فمرة أخاف من إصابتي بمرض القلب، وأتحسس نبضات قلبي، وأحيانا أشعر بنغزات وضيق في صدري، وسرعة في دقات قلبي، وفشل في أطرافي.

ومرة أخرى أتخيل أنني يمكن أن أصاب بأمراض خطيرة، كما أنني أشعر بحزن شديد، كلما سمعت قصة مرض، أو وفاة أحد ما، وأصبحت أتجنب زيارة أي مريض أو سماع قصة عن أي مرض، لأنني أبدأ في توهم إصابتي بذلك المرض، إضافة إلى كل هذا صرت عصبية جدا، ولا أتحمل من يحدث صوتا أثناء الطعام، ولا أتحمل سماع دقات الساعة، ولا أتحمل جدالا من أحد وأحيانا أرد بحدة شديدة، وجارحة مع الآخرين.

مع ذلك لازلت إلى الآن مستمرة على دواء لوديوميل منذ 5 أشهر تقريبا، وغير لي الدكتور دواء زناكس الى ألبراز نصف ميلجرام على أن انقطع عنه بعد شهر.

عموما فأنا أشعر أن حياتي قد انقلبت في هذه الأشهر الخمسة، وأحس أحيانا أنني على حافة الانهيار، وأحس أنني متعبة ومرهقة نفسيا وجسديا.

أتمنى دكتور أن تشرح لي حالتي بالتفصيل، وكم من الوقت أحتاج لأشفى تماما ، وهل سأشفى منها؟ هل أحتاج لعمل تخطيط للقلب أو تحاليل للدم؟ هل الدواء الذي أتناوله مناسب لحالتي؟
ما هو العلاج السلوكي لمثل حالتي؟ وهل يحتاج إلى متابعة مع طبيب نفسي؟ وهل يمكن الاكتفاء به دون الدواء؟

هل من الممكن أن أغير شخصيتي إلى شخصية هادئة وواثقة وجريئة في اتخاذ القرارات وقادرة على التعبير عن مشاعري؟ وكيف؟

هل أستطيع الإقدام على الزواج، وأنا في مثل هذه الحالة، علما أنني رفضت عددا ممن تقدموا لخطبتي في هذه الفترة بحجة تعبي وعدم رغبتي وخوفي من دخول حياة جديدة.

تساؤلات كثيرة تدور في ذهني، وأحس أن عقلي قد أنهك من التفكير، وقلبي تعب من حمل الهموم، فأعتذر دكتور عن إطالتي وعن تشتت أفكاري، وأسأل الله أن يجزيكم عنا خير الجزاء.
أنتظر ردكم بشوق كبير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هدى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد.

فسوف أدخل في الموضوع مباشرة، لأنه بالفعل ما ذكرته يساعدنا على التلخيص.

أنت تعانين مما يسمى بقلق المخاوف، وليس أكثر من ذلك، نحن الآن لا نختزل الأمور ولا نبسطها، لكن كما ذكرت لك هذا التسلسل الجميل في الأعراض حسب ما ورد في رسالتك يساعد أي طبيب على إعطائك التشخيص مباشرة، وقلق المخاوف قد تكون له عدة جزئيات، منها الإصابة بنوبات الهرع والهلع مثلا، وهذه هي التي جعلتك تذهبي إلى قسم الطوارئ، هذه نوبة هلع واضحة جدا، وهو نوع من القلق النفسي الحاد.

لديك وساوس ومخاوف مرضية كثيرة متعلقة بالحالة التي أصابت جدتك – أسأل الله تعالى لها الشفاء – فالأمر كله يتعلق بقلق المخاوف، والجزئيات التي لديك هي نوبات الهرع وكذلك الوساوس، وهذا كله ينتج عنه ما نسميه بعسر المزاج الثانوي، وهو نوع من الاكتئاب البسيط جدا.

أسئلتك أسئلة جيدة، وحقيقة يجب فعلا أن تصلي إلى حلول وتفهمي طبيعة حالتك.

بجانب التشخيص – وهو قلق المخاوف – أعتقد أن شخصيتك لها بعض الاستعداد للقلق، لأنها شخصية طيبة، متوازنة، حساسة، ضميرية، ومتدققة بعض الشيء، وهذا حقيقة يمثل تربة خصبة جدا للإصابة بقلق المخاوف.

شخصيتك ليست معيوبة، على العكس تماما هي شخصية ممتازة، لكن تبعات السمات والسجايا التي أنت بها قد تؤدي إلى الخوف والقلق، وهذا لا يعني أن هذه الحالة سوف تكون مستمرة معك، أبدا، لأن النفس الإنسانية – وخاصة الشخصية – تصعد من خلال سلم التطور الارتقائي لنضوج النفس، فأرجو أن تطمئني تماما.

والحقيقة أنت حياتك لديها معنى، معنى حقيقي، فأنت الآن تواصلين دراستك الجامعية، وفي نفس الوقت تعملين، فحقيقة حياتك حياة واضحة، حياة طيبة، حياة إيجابية، ويجب أن تستشعري ذلك.

لا تترددي أبدا في موضوع قبول الزوج، أسأل الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح، وإن شاء الله تعالى سوف تكوني زوجة صالحة وأما رؤوما، فلا تترددي في هذا الموضوع.

بالنسبة للإجابة على أسئلتك على وجه الخصوص:
• هل تحتاجين لتخطيط القلب أو الدم؟ أنا لا أعتقد أنك في حاجة على وجه الخصوص إجراء هذين الفحصين، لأن الحالة واضحة، لكن أنا دائما أرى أن المخاوف المرضية وقلق المخاوف بصفة عامة يطمئن صاحبه تماما إذا بدأ بقاعدة طبية جيدة، وأقصد بذلك أن تذهبي إلى طبيبة الأسرة وتقوم بإجراء فحوصات عامة، ويمكن لهذه الزيارة – لطبيب الأسرة – تكون مرة لكل أربعة أو ستة أشهر، حتى وإن لم يشعر الإنسان بشيء، فهذا أمر جيد.

• الدواء الذي تتناولينه هل هو مناسب؟ الدواء جيد، لكنه قد لا يكون الأفعل وذلك لأن قلق المخاوف يستجيب لمجموعة الأدوية التي تسمى بـ (مانعات استرجاع السيروتونين الانتقائية) هذا بالطبع ليس فيه أي تقليل لشأن الأخ الطبيب الذي وصف لك (لوديوميل) هو دواء جيد ونستعمله بكثرة، لكن الأدوية الأخرى مثل عقار سبرالكس (مثلا)، والذي يعرف علميا باسم (إستالوابرام) ربما يكون هو الدواء الأنسب بالنسبة لحالتك.

أنا لا أريدك أبدا أن تغيري اللوديوميل ما دمت قد انتفعت به، لكن إن لم تنتفعي به، فأعتقد أن الانتقال إلى السبرالكس يجب أن يكون هو الأفضل بالنسبة لك، وهذا يمكن أن يتم بعد مشاورة الطبيب.

• العلاج السلوكي يتمثل في: تذكر الإيجابيات التي لديك، وهي كثيرة وعظيمة جدا، تحقير الفكر السلبي، إدارة الوقت بصورة صحيحة، ممارسة بعض التمارين الرياضية التي تناسب الفتاة المسلمة، وممارسة تمارين الاسترخاء، ولدينا بالموقع استشارة – وغيرها كثير – تحت رقم (2136015) أرجو أن تسترشدي بها للتدرب على هذه التمارين.

• هل أنت محتاجة للمتابعة مع طبيب نفسي؟ أعتقد أن زيارة إلى زيارتين أو ثلاثة بالأكثر للطبيب النفسي لا بأس في ذلك أبدا.

• هل من الممكن أن تتغير شخصيتك إلى شخصية هادئة؟ هذا ممكن جدا، لكن يجب ألا تسعي للتغيرات الجذرية في الشخصية، لأن هذه ليست ممكنة، وفي ذات الوقت الإنسان لا بد أن يكون لديه تعدد في سجاياه وفي خصاله وفي تركيبة شخصيته، وكما ذكرت لك الشخصية تتطور، -وإن شاء الله - تعالى حين يزيل منك القلق والتوتر والمخاوف، هذا يعطيك القدرة التامة على الشعور بالطمأنينة وارتفاع الكفاءة النفسية.

• موضوع الزواج: أقول لك نعم، يمكنك أن تقدمي عليه دون أي تردد.

أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأتمنى أن أكون قد أجبت على أسئلتك بصورة معقولة، بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات