السؤال
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أسألكم اليوم عن سنة من سنن الحبيب -صلى الله عليه و سلم- سنة عانيت كثيرا بسبب عدم فهم الناس لها، هدت كاهلي وأتعبتني، وجعلت كثيرا من أصدقائي يغيرون نظرتهم تجاهي، ألا وهي سنة عدم مصافحة النساء، بدأت بتطبيقها في بداية السنة الدراسية الماضية، وكل أصدقائي استغربوا فعلي، وبعضهم يسخر مني لأني لا أصافح البنات.
أولا: طبعي خجول، فيمكن لإحداهن أن تمد يدها إلي فجأة فلا أدري ما أفعل فأصافحها؛ مما يجعلني أشعر بتناقض في تصرفاتي.
ثانيا: لا أتشجع على قول أنا لا أصافح النساء كبيرات السن، كصديقات أمي، إن قلتها ستكون مصيبة، ولن يتوقف والداي عن استفساري.
ثالثا: نحن كبرنا في مجتمع مختلط، سواء في الشارع، في المدارس، في كل مكان؛ ولهذا أكون وحدي من يخرق تلك القاعدة، فهل يمكن لهذه الوضعية أن تدخل في قول حبيب قلبي صلى الله عليه وسلم : { ويل لمن أشارت إليه الأصابع ولو بالخير}.
أريدكم أن تدلوني جزاكم الله خيرا فأنا مقبل على سنة دراسية جديدة في مدرسة جديدة في غير مدينتي؛ لذا سيكون صعبا علي أن أواجه الناس في خضم محيط جديد ونظام جديد، فلا أريد أن أزيد المصائب على نفسي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ نبيل الحسيني حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يكثر من أمثالك، وأن يثبتك على الحق، وأن يجعلك من عباده الصالحين وأوليائه المقربين، وأن يعز بك دينه، وأن يرفع بك راية الإسلام، وأن يجعلك من صالح المؤمنين، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك - ابني الكريم الفاضل – فإن هذه النعمة التي أكرمك الله بها وهي إحياء سنة من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم – المهجورة في بلادكم، أحب أن أبشرك أولا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء. قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: الذين يحيون ما أمات الناس من سنتي) أو كما قال - صلى الله عليه وسلم – فهنيئا لك حرصك على إحياء سنة عدم المصافحة والابتعاد عن هذا الحرام الذي حرمه الله تبارك وتعالى، وهذا هو الذي عليه أهل العلم، من أن مصاحبة المرأة التي لا تحل لك محرمة شرعا، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم – أخبرنا بقوله: (لأن يطعن أحدكم بمخيط من حديد في رأسه أهون عند الله من أن يمس جسد امرأة لا تحل له).
فهذا أمر ليس بالأمر الهين رغم – كما ذكرت – أن المجتمع الذي تعيش فيه – ونحن أيضا معك – مجتمعات مختلطة، سواء في الشوارع أو في المدارس وفي كل مكان، ولذلك فعلا تجد أن الذين يلتزمون السنة قلة وسط هذا البحر الهائج والموج المتلاطم من مخالفة سنة النبي - صلى الله عليه وسلم – وليت الأمر يقف فقط عند مسألة المصافحة، وإنما أمور كثيرة تركها المسلمون من هدي النبي الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم – إنا لله وإنا إليه راجعون.
اعلم أن الله تبارك وتعالى جل جلاله شاء أن يختار من عباده في كل زمان ومكان بعض أوليائه الذين يخصهم بالحرص على دينه وإظهار شريعته ورفع راية دينه، وأنا أعتبر بأنك من هؤلاء في عدم المصافحة حتى وإن خالف ذلك الناس جميعا، لأنك على الحق، قال الله تبارك وتعالى: {إن إبراهيم كان أمة} رغم أن إبراهيم – عليه السلام – كان شخصا واحدا، ولكن كان أمة لماذا؟ لأن الله أحيا به الدين، ولأنه أحيا الدين في العالمين، وقف أمام الناس جميعا ليعلنها صريحة مدوية (لا إله إلا الله)، أيها الناس: قولوا لا إله الله تفلحوا.
فكان وحده هو الذي يدعو إلى التوحيد، ولذلك كما ورد في القرآن الكريم عن قول قومه: {قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم} فنصر الله إبراهيم – ولدي الكريم – وأذل الله الكفر وأهله، ودحض الشرك وأعوانه، ونصر نبيه، وجعل له آية من آياته إلى يوم القيامة عندما قال: {قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم}.
فاعلم - أخي الكريم – أن الحق لا يعرف بكثرة أتباعه، وإنما يعرف بصدق أتباعه، فأنت الآن قد من الله عز وجل بهذه السنة، فاحمد الله تبارك وتعالى أن شرح صدرك لها، واحمد الله تعالى أن يسر أمرك لكي تكون واحدا من هؤلاء المتميزين الذين يحرصون على سنة النبي الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - .
أما كونك تقول أنك تستحي عندما تمد امرأة طاعنة في السن يدها إليك أن تقول لها: (أنا لا أصافح النساء): صدقني – ولدي نبيل – الأمر يحتاج إلى موقف واحد، لأني مررت بنفس تجربتك أيضا عندما كنت في المرحلة الثانوية مثلك، وعندما عرفت الحكم الشرعي، وذهبت إلى مدينتنا، وهي أيضا من المدن التي فيها الخلط الكثير وفيها من الأقارب والأرحام ما فيها، فلما جاءت ابنة عم لي لتصافحني قلت: (أنا لا أصافح النساء) وكانت هذه أول مرة يسمعون، هل هذا حرام؟ هل هذا كذا؟ فبدأت أشرح لهم، ومنذ هذه الفترة لم أصافح امرأة لا تحل لي -ولله الحمد والمنة- وأنا قريب من الستين من عمري الآن.
فأنت بارك الله فيك تحتاج إلى موقف واحد، تجهر فيه بالحق، وتصدع فيه بالصدق، وبإذن الله تعالى سوف يكفيك الله تبارك وتعالى هذا الأمر كله، ولن يكون هناك في الناس من ينكر عليك، بل صدقني إنهم سيحترمونك، ويعظمونك، ويقدرونك، ويرون أنك رجل تعتز بدينك، فسوف يكون لك في قلوبهم مكانة لا توجد لغيرك.
وكون أن الوالدين سوف يسألانك، هذا حق، ومن حقهم ذلك، فأنت تبين لهم أن هذا هو هدي النبي محمد - عليه الصلاة والسلام – وتلك سنته، وأنك تحيي هذه السنة، وأن لهم في ذلك أجرا، وأن هذا هو الثابت، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم – لم يصافح امرأة لا تحل له، وحاول أن تجعلها دعوة لوالديك، وأن تجعلها دعوة لأهلك، وأنا واثق من أنك سوف تحقق مكسبا كبيرا، فاستعن بالله، ولا تعجز، ولا تنظر لكثرة الهالكين أو المتجاوزين، وإنما عليك بالحق، لأن الله تبارك وتعالى قال عن المؤمنين: {وقليل ما هم} وقال: {وما آمن معه إلا قليل} وقال: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} وقال: {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} وقال أيضا: {وقليل من عبادي الشكور} فالقلة دائما هي الحريصة على أن تكون على الحق، فاجتهد في أن تكون منهم، وأسأل الله أن يثبتك على الحق، وألا تتراجع أبدا، وألا تخذل، وألا تضعف أمام إنكار الناس عليك، لأنك على الحق وهم على خلاف السنة.
أسأل الله أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يوفقك إلى كل خير، إنه جواد كريم، هذا وبالله التوفيق.