السؤال
السلام عليكم.
أنا شاب متزوج منذ سنتين ونصف تقريبا، رزقني الله بزوجة مطيعة، بالغة بعقلها، راشدة بتصرفاتها، إرضائي على رأس أولوياتها، ولكن مشكلتي معها أنها لا تنفك عن الاهتمام بصغائر الأمور، والهفوات، والزلات، فتجدها تتعامل معها بجدية مبالغ فيها، فتصبح مع كثرة الجدل فيها مشاكل كبيرة، فهي كذلك مجادلة في الحديث، تفتقد للحلم بالكلام وفنون النقاش، وتجدني أنا من أتجاوز عن الهفوات الكلامية، وأصمت إذا ما رأيت الأمور قد آلت إلى السوء.
ومشكلة أهم من هذه أواجهها مع زوجتي، أنها غالبا ما تسقط همتها عن الصلاة والعبادة، وازدادت أكثر بعد أن رزقنا الله بالمولود، وأنا ما زلت أحدثها عن ذلك، وآمرها بها، وأنصح لها كيفما أرشدني الله لذلك، فلما استيأست من محاولاتي، وضقت ذرعا من الكلام، أخذت أعنفها بالكلام والوعيد، ولكن حتى اللحظة لم أجد منها استجابة البتة، مع العلم أنها تخاف الله وتخشاه، وتعترف بهذا الذنب، وتوبخ نفسها كثيرا.
أفيدوني أفادكم الله، وجزيتم خير الجزاء.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو عمر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه..
بداية نشكر لك الاهتمام والتواصل مع موقعك، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، فهو ولي ذلك والقادر عليه.
ونشكر لك أيضا هذا الثناء على زوجتك، وعلى طاعتها لك، وعلى ما فيها من خصال جميلة، ونتمنى أن تبرز لها هذا الجانب قبل أن تقدم لها أي نصيحة، فإننا دائما نحتاج إلى أن نبرز هذه الجوانب الإيجابية ونضخمها، لنتخذها مدخلا حسنا إلى الكلام في السلبيات، علما بأن المرأة لا تفضل حشد السلبيات والكلام عنها بهذه الطريقة.
وأرجو كذلك أيضا أن تتذكر الأيام الجميلة، والإشراقات والمواقف النبيلة منها، ثم تثني عليها بها، ثم عطفا على ذلك، وإشارة إلى ذلك تقول: (ما أحوج هذه الصفات الجميلة إلى أن تكمل بالمواظبة على الصلاة، أو بالحرص على طاعة الله تبارك وتعالى، أو بالمواظبة على ذكره وشكره سبحانه وتعالى).
وكنا نتمنى أن تعرض لنا نماذج من الأمور التي يحصل فيها الخلاف، ويحصل فيها الجدال، لأن عرض نوع من المشكلة يبين فعلا نفسية المرأة، والطريقة التي تفكر بها، وأعتقد أن الإنسان في تعامله مع المرأة يحتاج إلى أن يقدم الكثير من التنازلات، فالمرأة خلقت من ضلع أعوج، تغلب عليها العاطفة، وتغطي كثيرا على عقلها، ويحتاج الإنسان إلى أن يتجاوز عن بعض الأشياء، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (وإن أعوج الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، فإن استمتعت بها فاستمتع بها على عوج).
وهذا الضلع الأعوج يحتاج من الإنسان تنازلات فيميل معه، كالإنسان الذي إذا مر بشارع فيه منحدر وانحناء ودوار، فإنه يمر ويميل مع هذا الطريق الذي يمشي فيه، كذلك الإنسان في تعامله مع المرأة لا يدقق في مثل هذه الأمور، ولا بد أن يفوت الصغائر، ولا يقف عند كل صغيرة وكبيرة، ويحاول دائما أن يتفهم نفسية المرأة، والطريقة التي تفكر بها.
وأكرر: نتمنى أن يصلنا منك تفصيل، لأن نوعية المشاكل التي تضخمها، ونوعية الأمور الصغيرة التي تراها كبيرة ستبين لنا جانب هام جدا في نفسية هذه الزوجة وطريقة تفكيرها.
وعموما: فالمرأة تكبر الأمور بدافع الغيرة، أو بدافع لفت النظر لزوجها، أو لأنها أيضا ترى أن هذا الزوج يثني على أخريات، أو يتكلم في بعض الأمور فيهن، أو يجادلها في بعض القناعات التي عندها، وقد يكون هذا أيضا جزءا من طبيعة ونفسية المرأة، فالمرأة يصعب أن تقتنع لك في بعض الأمور الصغيرة بمثل هذه السهولة، وأيضا في طريقتها في مناصرة زوجها أو للآخرين، فهي تختلف في طريقة الرجل، فهي قد تتخذ أحيانا موقفا مصادما لموقف زوجها، وهذا يظهر عندما يخالف الزوج أحد أقربائه أو أحد الناس، فإنك أحيانا تفاجئ بأن المرأة تفكر بطريقة مختلفة.
كما أن المرأة في أثناء حوارها، الحوار يتشعب معها، فأنت تبدأ في مشكلة، وهي تدخل مشكلات أخرى، وتتفرع القضية، وفي هذه الحالة نحتاج أن يكون للحوار أجندة محددة، النقاش نصطحب فيه المعاني الإيجابية، نبتعد عن القناعات السلبية المعلبة، نحرص على أن نثني على طريقة الكلام، إذا حصل كلام مخالف ولا يقبل، بكل هدوء أقول: (أنا أحترم وجهة نظرك، وهذه قد تكون وجهة نظر لك، لكن ألا ترين يا فاطمة – يا عائشة – أن الموضوع كذا، وأن الله يأمرنا بكذا، وأن الله تبارك وتعالى هو الذي ينبغي أن يطاع).
كذلك أيضا ينبغي أن نختار الوقت المناسب للنقاش والجدال في مثل هذه الأمور، وخاصة موضوع الصلاة، فإنها قد تحتاج إلى أوقات مناسبة لتناقش فيها موضوع الصلاة، ولا تجعل ذلك على سبيل الأوامر والتعليمات، وقد يجدي في ذلك أن تجلب إلى البيت أشرطة بها مواعظ أو محاضرات أو كتيبات أو تنقل لها أقول علماء وتستمع إليهم، لأن هذا أيضا له أثر كبير جدا على تكوين القناعات الإيجابية، لأن المرأة إذا كانت غاضبة من زوجها في أمر معين فإن الأمور تختلط عليها، فقد تتأخر في الصلاة وتعاند في بعض الأمور، لأن الزوج لم يعطها ثوب، أو لم يعطها مصروف، أو نحو ذلك.
وحتى نكون عونا للزوجات على طاعة الله تبارك وتعالى ينبغي أن نصطحب هذه المعاني، وسوف يكون من المفيد جدا ربط هذه الزوجة بمراكز تحفيظ، أو بأماكن محاضرات، أو أماكن تجد فيه التوجيهات الغير مباشرة، وسيكون في ذلك الخير الكثير.
عموما: نحن نشكرك على الثناء على الزوجة، ونتمنى بعد قراءة هذه الاستشارة أن تحشد فيها من الإيجابيات، وتثني عليها، وتبين لها أنك سعيد بها، وأنك معجب بها، وأنك فرح بطاعتها وبحرصها على بيتها، المهم: ما عندها من إيجابيات، ثم بعد ذلك في نفس اليوم أو في اليوم الذي يليه تقول: (ما أحوج هذه الكمالات والصفات الجميلة عندك إلى أن تكمل بتاج المحافظة على الصلاة، وبتاج الحرص على كذا)، يعني إبدأ في هذه الأمور بمنتهى الهدوء، وأرجو أن تختار الأوقات المناسبة، والألفاظ المناسبة، والأسلوب المناسب، ولا تجردها من محاسنها عندما تتكلم، وإذا تطور الوضع ينبغي أن يكون عندك مهارة في إنهاء الحوار، أو في الخروج إلى مجلس آخر، أو تأجيل الأمر عندما تتأزم الأمور، وتسير في غير الاتجاه الذي تريده، أو في غير الاتجاه الذي يرضي الله تبارك وتعالى.
ومن المفيد جدا أن تتجنب المقارنة بينها وبين أخريات، حتى ولو كانت الأخريات أخوات لك أو لها، فإن المرأة عندها حساسية شديدة جدا عندما يدخل الزوج في هذه الطريقة ويقارنها بأخريات، لأن هذا يدفعها إلى الغيرة ويدفعها إلى الرفض، ويدفعها إلى العناد.
عموما أرجو ألا تنزعج كثيرا، والمسألة تحتاج إلى أن تتفهم طريقة هذه الزوجة، وطريقتها في الحوار والكلام، وتستعين بالله تبارك وتعالى، ونوصيك بتقوى الله، ثم باللجوء إلى الله، ثم بكثرة الاستغفار، فإن الإنسان قد يعصي الله فيرى أثر ذلك في أخلاق زوجته وفي دابته، كما قال قائل السلف.
عليك كذلك أن تقبل منها ما يأتيك من الإيجابيات، وأن تتذكر أنه سيظل هناك شيء من الخلل، ولا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلق رضي منها آخر، كما هو توجيه النبي - عليه صلوات الله وسلامه -.
نسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يصلح ما بينكما، وأن يؤلف على الخير قلبيكما، هو ولي ذلك والقادر عليه.