السؤال
السلام عليكم.
غالبا أمل من جو الدراسة الروتيني، وأقضي بعض الوقت على شاشة التلفزيون أو على الإنترنت، وعلى حسب ظني فهذا ضروري لكي يخرج الإنسان من جو الدراسة الذي يصبح في بعض الأحيان مملا، ولكن أبي يرفض الموضوع، ويؤكد على أن الدراسة هي الأهم ولا وقت للتفاهات وفساد الأخلاق.
كما أنه مرارا وتكرارا يعيد عبارة (ادرسي يا ابنتي ادرسي)، صرت أتشاءم من هذه العبارة، وكلما سمعتها بدأت بالبكاء.
دكتور، إنني أحاول بكد وجد أن أدرس جيدا، ولكنني لا أستطيع، وكلما حاولت أن أصبح الأولى في القسم وأتفوق على الأخريات أتقاعس وأرجع القهقري، كلما تذكرت مثل هذه الأشياء أحس بالحزن، وأشرع في البكاء، وأذكر أنه من طبعي أنني لا أحب أن يتدخل أحد في، وأحترم من يحترمني لا غير.
وبحكم أنني كبرت في بيت جدتي - رحمها الله-، وغياب والدي عني، أصبحت لا أستطيع معاملتهما كوالدين حقيقيين، فأمي بالنسبة لي كصديقة ليست كأم، أما أبي وبحكم عنفه وغضبه وحب للخير والأفضل دائما له دوننا، أكرهه في بعض المرات وأكره تصرفاته، كما أنه لا يحب زيارة الأقارب لنا أو حتى الجيران، وكأنه يريد أن يجعل منا لعبة في يده يلبسنا على ذوقه، ويحدد مستقبلنا، ويختار أصدقاءنا، صراحة يا دكتور، هو أناني جدا ورأيه هو المطاع في نظره، ولكنني لا أحب مثل هذا الوضع وأشبهه بالجحيم.
حلمي أن أصبح طبيبة، هذا حلمي وأمنيتي، ولكن دائما أحس أنني لا أستطيع أن أصبح طبيبة، أو أحصل على مجموع جيد، وهذه هي الحقيقة فأنا لا أستطيع، التركيز وذهني مشتت ولا أستطيع الحفظ أو التركيز.
أرجوك يا دكتور ساعدني فأنا حائرة جدا وضائعة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ كوثر حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بداية نرحب بك في موقعك، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمك السداد والرشاد، ونشكر لك هذا التواصل مع الموقع، وندعوك إلى التفكير جديا في كلام الوالد الذي أحسب أنه يريد لك الخير.
قطعا نحن نوقن أن هذا الأسلوب وأن تكرار التوجيهات لمن في مثل هذا العمر قد يجلب الملل، لكن نريد أن ننظر لا في أسلوب الوالد ولكن في مقصد الوالد، وفي الكلام الذي يقوله الوالد، لذلك ينبغي أن تصطحبي المعاني الأصلية، وأرجو أن تعلمي أنه ما من والد – أو والدة – إلا ويتمنى أن يكون الأبناء أفضل منه، وأن يكونوا أحسن منه، وأنا أكلمك الآن بمشاعر الوالد، عندي أولاد، وعندي بنات، نذكرهم بالدراسة، نتمنى لهم الخير، نتمنى أن يكونوا أفضل منا، وإن كنا أحيانا نقسوا أو نكرر أو نلح في بعض الأشياء فكل ذلك ينبغي أن يفهم في وضعه الصحيح، وأن هذا مزيد حرص على مصلحتنا وعلى مستقبل أبنائنا.
رغم أننا قد لا نوافق على هذا الأسلوب، لأن الإنسان – خاصة هذه الفترة العمرية التي أنت فيها – لا يقبل الشباب عادة مثل هذه الأساليب، وكذلك الفتيات، وينبغي على الآباء والأمهات أن يستبدلوا التوجيهات المباشرة بالحوار، وبالنقاش، وبالاتفاق على أسس، وبالأخذ وبالعطاء والرد، وهذا الجانب أرجو أن تكوني فيه واقعية مع والديك، وأيضا ينبغي بعد أن ينصرف الوالد أن تفكري في كلامه، واعلمي أن النظر في التلفاز وفي هذه الأشياء أو الترفيه وترك الكتاب أحيانا هذا أمر قد يكون مفيدا – بلا شك مفيد – والإنسان قد يمل، لكن ينبغي أن نتأكد أن المحتوى آمن، وأننا ندخل مواقع سليمة، وننظر إلى أشياء جيدة، وإلا فإننا نشتت أذهاننا.
والعلاقة وثيقة بين المعاصي والمخالفات والنظر في مثل هذه الأمور وبين تشتت أذهان الطلاب والطالبات، فإن المعصية سبب لنسيان المعلومة، سبب للتأخر في الدراسة، وهذا كلام عن الأئمة الأعلام، الشافعي - رحمة الله تعالى عليه – لما قال: (شكوت إلى وكيع سوء حفظي، فأرشدني إلى ترك المعاصي، وقال: اعلم بأن العلم نور، ونور الله لا يهدى لعاصي) وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: (كنا نحدث أن الخطيئة تنسي العلم).
ولعل الوالد ينظر من هذا الجانب، ونحن عموما لا ندري ماذا تنظرين، ما هي المواقع التي تدخلي إليها، وإذا كنت تدخلين مواقع إسلامية - كهذا الموقع الذي نشكرك على التواصل معه – فإن في هذا سيكون فيه مصلحة، شريطة أن يكون هذا أيضا استخدام بقدر، لأن الإنسان إذا كان عنده هدف ينبغي ألا ينسى هدفه الأصلي، ولا مانع أحيانا من أن ينظر في النت أو في بعض المواقع المفيدة، وينظر إلى الأشياء النافعة، يرفه عن نفسه، فالنفس بحاجة إلى أن تأخذ حظها من الراحة وحقها كذلك من الترفيه، وحتى تعود للدراسة بنشاط جديد.
وننصحك بتنظيم الجداول وبالحرص على التفوق، لأن التفوق هو المطلوب الآن في هذا الزمان، لا نريد مجرد نجاح، ولكن نريد تفوق، ونريد مبدعين ومبدعات، فالأمة تنتظر من أبنائها وبناتها الخير الكثير.
وأرجو أن تكسري هذا الحاجز، قطعا تربية الجدات له أثر كبير على الإنسان، فالجدة تكون عندهاعاطفة زائدة، ولكن أرجو أن تتأقلمي مع والديك، وتحسني التعامل معهم، وتدركي أنك مطالبة ببرهما والإحسان إليهما، وهذا - إن شاء الله تعالى – سيكون مفتاحا لخير كثير وتوفيق من الله تبارك وتعالى.
كذلك أيضا ينبغي أن تحاولي أن تنظمي جدول مذاكرة، أن تستعيني بالله تبارك وتعالى، أن تحاولي أن ترجعي إلى معلمات وخبيرات حتى تعرفي الأسلوب المناسب لمذاكرة كل مادة، أن تحاولي أن تقتربي من الصالحات، ولا مانع من أن تعملي معهم جدول تنافسي للمذاكرة، لأن الإنسان يجد التشجيع عندما يكون مع مجموعة من زملائه، يتنافسون في الخير، يتنافسون في الصلوات والطاعات، وكذلك الدراسة.
عليك كذلك أن تدركي أن النجاح وأن المطامع التي تريدينها ليست مستحيلة التحقق، ولكن تحتاج إلى تنظيم وقت، إلى قراءة أول بأول، إلى عدم تأجيل عمل اليوم إلى الغد، إلى استعانة بالله تبارك وتعالى، إلى انتظام في الدراسة، وعمل جدول مناسب ومفيد، وعليك أيضا أن تحاولي أن تحسني الاستماع إلى الآخرين، فكيف إذا كان هؤلاء آباء وأمهات، وأرجو أن يكون للوالدة دور في إقناع الوالد بتغيير الأسلوب حتى يتخذ الأسلوب الحواري للنقاش.
وتجنبي عبارات مثل (أكره والدي) (لا أحبه) هذه عبارات نتمنى أن تتعوذي بالله من الشيطان، لأن المسلمة مطالبة أن تبر الوالد والوالدة حتى وإن كانوا مقصرين، لأن هذا حق واجب علينا، والله تبارك وتعالى العظيم بعدله وفضله يأجرنا، يعطينا حسنات، عندما نجتهد في بر آبائنا وبر أمهاتنا، والاستماع لكلامهما، والاحتمال مما يصدر منهما، وإذا لم يحتمل الإنسان والديه فمن يحتمل، خاصة إذا ذكرنا بالمعنى الذي بدأنا به، وهو أن الوالد والوالدة غالبا لا يريدان إلا الخير لأبنائهما، بل لا يوجد على وجه الأرض إنسان يتمنى أن يكون الآخرين أفضل منه سوى الوالد والوالدة والصالحين من المعلمين والمعلمات، فقدري هذه المشاعر النبيلة، وانظري للوضع من هذه الزاوية، واحرصي على أن تجتهدي في دراستك، واعلمي أن من طلب العلى سهر الليالي، ومن طلب العلى لابد أن يبذل مجهود في دراسته.
نسأل الله تبارك وتعالى لك التوفيق والسداد، ونوصيك بتقوى الله، ثم بالمواظبة على أذكار الصباح والمساء، ثم بالحرص على هجر الذنوب والمواقع المشبوهة، ولعل هذا هو مصدر الخوف بالنسبة للوالد والوالدة، والشيطان له مداخل على الإنسان.
نوصيك كذلك بتنظيم الوقت وتنظيم أوقات الدراسة، ونتمنى أن نسمع عنك الخير، وأن تحققي الأمنية فتكوني طبيبة، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يقدر لك الخير، وأن يكتب لك التوفيق والسداد.