السؤال
السلام عليكم ورحمة الله
أنا شاب أبلغ من العمر 33 سنة، توفي والدي، وأنا بعمر 11 شهرا، ولي أخت وحيدة، وهي الآن تسكن بعيدا عن منزلنا بحكم عملها قبل الزواج، اصطحبت زوجتي إلى المنزل بصحبة والدتها لتتعرف عليه فقالت إنها توافق أن تسكن مع أمي إلا أني رفضت وبنيت منزلا فوق منزل أمي تتوفر فيه جميع المرافق باستثناء المطبخ.
بعد الزواج تعددت المشاكل بين زوجتي وبين أمي، ووصلت حد الشجار والكلام الجارح من طرف الجانبين إلى أن طلبت زوجتي الذهاب إلى منزلهم لتغيير الأجواء، ولكني فوجئت برفضها العودة إلا بشرط أن أكتري لها منزلا بعيدا عن أمي بمقر عملي الذي يبعد حوالي 60 كلم عن منزل أمي، فرفضت رفضا قطعيا، وحاولت معها ووالدها وأخوها وأمها وأختها إلا أنها لم تصغي لأحد وأصرت على موقفها وقد استفزتني كثيرا بكلام جارح، وطلبت الطلاق في صورة عدم تنفيذ رغبتها.
واحترت ماذا أفعل؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ aimen حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نرحب بك -ابننا الفاضل- في موقعك، ونسأل الله يلهمك السداد والرشاد، وأن يرد هذه الزوجة إلى الصواب، هو ولي ذلك والقادر عليه، إنه الكريم الوهاب -سبحانه وتعالى-.
نحن بداية لا ننصحك بالاستعجال في طلاق هذه الزوجة، ونقول لك: أولى الناس بالرجل أمه، فلا تضحي بالأم، واحرص على إرضائها، واعلم أن الرجل يمكن أن يجد زوجة وزوجات، لكنه لا يمكن أن يجد أما، ومع ذلك فنحن ندعوك إلى حسن إدارة هذه الأزمة، والصبر على هذه الزوجة، والذي فهمناه أن أسرة الزوجة مقتنعة بأنك على الصواب، وهذا يشجعك على المزيد من الصبر والاحتمال حتى تعود الزوجة إلى صوابها وإلى سدادها.
وأرجو أن يعلم الشباب جميعا أن الاحتكاكات بين أم الزوج وبين زوجة الولد موجودة، لأن الغيرة تحصل هنا، فزوجة الولد جاءت لتزاحم الأم في جيب ولدها وفي حبه، ولذلك مسألة الغيرة متوقعة، والرجل ينبغي أن يحسن إدارة هذه الأزمات، بأن يعطي الأم حقها من الإكرام والبر والإحسان، وأن يعطي الزوجة أيضا حقها من الرعاية والاهتمام والإنصاف.
وإذا وجدت الزوجة التشجيع المعنوي من الزوج والتقدير منه والتفهم لمعاناتها مع الأم -لأنها كبيرة في السن- فإن الزوجة تصبر صبرا لا حدود له، لأن المرأة دائما تحتاج إلى دعم معنوي، وتحتاج إلى رجل يشجعها ويقدرها ويعترف لها بفضائلها، تحتاج إلى رجل يقول: (سأحملك على رأسي إذا احترمت أمي وصبرت عليها).
كذلك المرأة العاقلة دائما إذا وجدت الرجل البار -أو الرجل الذي يحب أمه- فإنها تجتهد في كسب أمه، إذا كسبت أمه وسيطرت على قلبها وصلت إلى قلب ابنها بأقصر الطرق، ولكن يؤسف أن البنات تربين على ثقافة المسلسلات التي تسيء للحموات والتي لا تنقل إلا الصور المشوهة حتى يكملوا بها بذلك الكذب الصريح فيما يسمى بالمسلسلات، لذلك ينبغي أن ننتبه وتنتبه البنات الفضليات إلى خطورة ما يحصل، وأرجو أن تعلم كل فتاة أن أم الزوج في النهاية إنسانة مسلمة فيها خير كثير، وأن حسن المعاملة لها والاحترام لها وحسن الرعاية لها واعتبارها بمنزلة الأم سيزيد من منزلتها عند زوجها وعند أهله، وعند ذلك تصير بذلك ملكة البيت.
كذلك نتمنى من هذه الزوجة -ومن غيرها- أن تعتبر أم الزوج وأبو الزوج كأب لها، كأن والدة الزوج هي أمها، والإنسان يصبر على أمه خاصة عندما تكبر، تأتي بأشياء تعجز الإنسان، لكن الإنسان يؤجر على الصبر والاحتمال، رغبة في الثواب والأجر عند الله -تبارك وتعالى-.
فإذن نحن نكرر: ندعوك إلى عدم الاستعجال، ندعوك إلى عدم الخروج من جوار هذه الأم إلا برضاها، وإلا في مراحل أخرى، إن رأيت ذلك ورأيت الأم بذلك، ولكن ينبغي ألا تضع الزوجة هذه المعادلة بهذه الطريقة، لأنها إذا رفضت الجلوس مع الأم فالرجل لا يملك إلا أن يختار الأم -كما قلنا- لأن أولى الناس بالرجل أمه، وأولى الناس بالمرأة زوجها، ولذلك ينبغي لأهلها أن يشجعوها على اللحاق بزوجها، والصبر على ظروف الحياة التي تعيش فيها، ولا أظن أن المشكلة تطول، والحياة دائما تفرق بين الناس، والإنسان الذي يصبر لا بد أن يعوضه الله -تبارك وتعالى- جزاء صبره وجزاء إحسانه.
وأرجو أن تجتهد في إخفاء هذه المشاعر، يعني ليس من الحكمة أن تقول للأم: (زوجتي لا تريدكم) أو يقول لأخواته (زوجتي لا تقبل جلوسنا) بل ينبغي أن تنقل المشاعر النبيلة، وأنا أعتقد أنك إذا صبرت وثبت على هذا الموقف فإن الزوجة ستعود إلى صوابها، وستأتي في النهاية إلى بيتها، وعند ذلك سيتحقق لك ما تريد، فليس من المصلحة إشعال نيران الفتن، فإن الزوجة عندما تقول (لا أريد أن أسكن إلا في بيت منفصل) الرسالة تصل إلى أهل الزوج أنها لا تحبهم وأنها تتكبر عليهم، وأنها لا تثق فيهم، و، و، إلى غير ذلك من وساوس الشياطين، شياطين الإنس والجن.
ولذلك نحن نتمنى من كل عاقلة أن تعود إلى بيت زوجها، وأن تجعل الزوج هو الذي يطالب، ففرق كبير بين أن تقول الزوجة: (نريد أن نخرج إلى بيت آخر) وبين أن يأتي الإخراج على لسان الرجل، فيقول: (يا أمي، نحن ما نريد أن نضايقكم، ونريد أن ترتاحوا، ولذلك أنا أريد أكون إلى جواركم حتى نوسع عليكم، وحتى أشرف عليكم) يعني يأتي بهذا الكلام من هذه الناحية، كأننا نحن الذين نزعج، وكأننا نحن الذين نضايق، وعند ذلك ستقول الأم: (لا يا ولدي، نحن بالعكس سعداء، وكذا) لكن من داخلها تكون قد تهيأت لأي قرار يمكن أن يتخذ بعد ذلك.
فنحن نتمنى ألا يستمر الوضع على ما هو عليه، وأن تعود الزوجة إلى بيت الأم، طالما تسكن في سكن مفصول عن سكن الأم، وإذا استطعت أن تجعل لها مطبخا أيضا منفصلا لتكمل هذا الإنجاز الكبير، فبها ونعمت، وإلا -إن كانت الأخرى فعليها حتى في المطبخ- أن تتجنب أوقات الاحتكاك وأسباب الاحتكاك مع الوالدة أو مع الأخوات إن وجدن، وبذلك نستطيع أن نوفق بين هذه الأمور، ولا يوجد بيت يخلو من المشاكل، لكن المهم هو حسن الإدارة في المشاكل، وحسن التفاهم عند هذه الأزمات، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.