السؤال
كل من ساعدته في حياتي من أصدقاء وأقارب ابتعدوا عني، لا يوجد أحد أشكي له، ومن أشكي له يبتعد ولا يقلق، وقد كنت أقلق جدا عليهم من قبل، لماذا أتعبت نفسي من أجل من لا يستحق؟ ولو لم أتعب نفسي لرأيتهم لا يتحدثون معي، أختي الكبرى تهينني وتظن أنها أفهم مني، حتى قريباتي تحترمهم، وأنا لا أتجنب الكلام معها، حبي للثقافة والمعرفة مكبل بالجبن والخوف، لم أعد أقرأ، يقولون أني غيورة، ولست كذلك، إنما أحب العلم، لدي قريبات يدرسن في المجال الطبي، وبعد أن حولت إلى قسم التحاليل فرحن جدا؛ لأنني الآن أقل منهن، فقد بدأت تقريبا من جديد بعد أن حسب لي فصل واحد في الجامعة.
أحيانا أحس بأني لست مسلمة، أصلا كالأموات، لست صاحية، متقرفة من كل شيء، خائفة جدا، ولا أحد يفهم خوفي، أحيانا أبكي بشدة فيحرقني جلدي الذي حول عيني من شدة البكاء، الميليا تحت عيني ازدادت بشكل واضح من كثرة البكاء، لم أعد كما أنا، حتى طموحاتي أحس بأنها ذهبت سدى، مخنوقة لأبعد الحدود، الحياة حولي كأنها دمار، أصلا لا أشعر فيها بفرح، ليس لها ألوان، ميتة، أتمنى لو كنت في سوريا أو غيرها ممن لديهم كوارث، على الأقل أجاهد في سبيل الله، ثم شهادة، حالي كما قال عليه السلام: (يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا) منذ ما يقارب الـ 4 سنوات وأنا أعيش في هذه الحالة، لا أعرف ماذا أفعل؟ أحس بأنني إن دعوت لا يستجاب لي، ما هو الدعاء الذي أدعوه، أحاول تصحيح نفسي داخليا، ولا شيء ينفع، أقول كل شيء خرب ولا ينفع، أنتظر الموت فقط.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سما حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يعوضك خيرا عما فقدته، وأن يجزيك خيرا عما قدمته لكل من أحسنت إليه. كما نسأله تبارك وتعالى أن يوفقك في دراستك، وأن يأخذ بناصيتك إلى الحق، وأن يكرمك بالأمن والأمان والاستقرار، وأن يخرجك من هذه الحالة النفسية المضطربة، وأن يربط على قلبك كما ربط على قلوب الصالحين من عباده، وأن يجعلك من سعداء الدنيا والآخرة.
وبخصوص ما ورد برسالتك -أختي الكريمة الفاضلة- فإنه مما لا شك فيه أن نكران الجميل وهضم الحقوق من الأمور القاسية جدا على النفس الطبيعية، لأن الإنسان بطبيعته يحب أن يكافئ على ما قدم، والله تبارك وتعالى جل جلاله هو أول من استعمل المكافئة على العمل الصالح، والقرآن الكريم مليء بهذا الإكرام الرباني لكل من قدم خيرا أو معروفا، حتى وإن كان بسيطا أو متواضعا، بل إن الله جل جلاله سبحانه وتعالى وتقدست أسماؤه يثيب على العمل القليل بالجزاء العظيم الكبير الجليل، لأنه -سبحانه وتعالى جل جلاله- أراد أن يضرب المثل لعباده وأن يبين لأوليائه أنه ليس أحدا أكرم من الله، ولا أعز من الله، ولا أحلم من الله، ولا أجود منه سبحانه وتعالى جل جلاله. كذلك أراد منهم أن يتأسوا به سبحانه وتعالى في الإكرام والإنفاق. كذلك أيضا من صفاته العفو -سبحانه وتعالى-، فهو يعفو عن كثير. كذلك أيضا من صفاته العدل، فهو لا يظلم مثقال ذرة، وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما.
لذلك أقول بارك الله فيك: لا تلقي بالا لهذه التصرفات الصبيانية التي حدثت وما زالت من بعض أقاربك أو أرحامك، وإنما عليك بالصفح والعفو وعدم الانتباه لهؤلاء، وعدم التركيز على سلبياتهم، وعدم الانشغال بها، حتى لا تكوني سببا في توتر أعصابك ودخولك في مرحلة نفسية غير مستقرة، أنت لن تستطيعي أن تخرجي من هذه الحال التي أنت فيها إلا بالعفو والصفح الجميل.
فأتمنى بارك الله فيك أن تضربي صفحا عن هؤلاء جميعا، وأن تعرضي عنها إعراضا شديدا، وألا تلقي بالا بما يصدر عنهم أو منهم. أنت فعلت ما فعلت ابتغاء مرضاة الله، فاجعلي أجرك على الله -سبحانه وتعالى-، واجعلي شعارك كما قال الله تعالى: {لا نريد منكم جزاء ولا شكورا}.
هذه الحالة النفسية التي وصلت إليها ثقي وتأكدي من أنك سوف تتحسن حالتك جدا إذا أكرمك الله تبارك وتعالى بالعفو والصفح والتماس العذر والإعراض عن الجاهلين، وبعفوك عنهم لن يزيدك الله به إلا عزا، وأنا واثق سوف تتحسن نفسيتك إلى حد كبير للغاية.
ثانيا: هناك عامل آخر من عوامل الاستقرار وإخراجك من هذه المتاهة التي أنت فيها الآن، وهي مسألة قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) فلا بد أن تهتمي بمستقبلك اهتماما شديدا وقويا وعظيما، وألا تتراخي، أو تضعفي أمام ما يقال أو ما تسمعينه أو ما يوجه إليك من سهام أو رصاصات تحمل الحقد والحسد في طياتها، وإنما عليك بارك الله فيك بأن تركزي على مصلحتك، فإذا كانت مصلحتك في دراسة التحاليل وغير ذلك فاستعيني بالله، فقد يكون هذا التخصص الأقل من تخصص الطب أنفع للناس من هذا، وقد تثبتين فيه وجودك فتتميزين فيه فتصبحين أستاذة جامعية كبيرة تتمنى كل طبيبة كما لو كانت مثلك.
فإذن بارك الله فيك تستطيعين أن تحولي الهزيمة إلى نصر، وتستطيعين أن تحولي الضعف إلى قوة، وتستطيعين أن تحولي التراخي هذا إلى همة ونشاط. هذا كله متوقف عليك، لأن الأمر كله بيدك، وثقي وتأكدي أنه لن يصلح سما إلا سما بذاتها وبعينها، فضعي أمامك ونصب عينيك سما التي تريدينها، ماذا تريدين سما أن تكون، تريدين أن تكون أستاذة جامعية؟ إذن خذي بالأسباب، وحاولي أن توفري ما يمكن من الوسائل المتاحة لتحقيق هذا الإنجاز أو هذا الهدف، وهلم جرة.
هناك أمر أنصح به أيضا وهو مسألة الرقية الشرعية، لأني أرى أن هذا السلوك الغير سوي والتصرفات المضطربة والقلق والأرق الذي تعانين منه، لعل سببه حسد من الجن، أو حسد من الإنس، فأنصح بعمل الرقية الشرعية، وهي مما لا شك فيه إذا لم تنفع فيقينا لن تضر، وتستطيعين أن تقومي أنت بذلك بنفسك، أو أن يقوم به أحد أرحامك أو محارمك، أو تستطيعين أن تعرضي نفسك على أحد الدعاة المتخصصين في الرقية، شريطة أن يكون محمود السرية حسن الظاهر، وألا يكون من المتجاوزين في سنة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-.
هناك أيضا سلاح ماض ينبغي ألا يغيب عن بالك أبدا، ألا وهو سلاح الدعاء؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم – أخبرنا بقوله: (لا يرد القضاء إلا الدعاء) وبقوله -صلى الله عليه وسلم- : (إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل) فعليك بارك الله فيك بالدعاء والإلحاح على الله أن يصلح الله حالك، وأن ييسر الله أمرك، وأن يصرف عنك كيد الكائدين وحقد الحاقدين وحسد الحاسدين، وأن يوفقك في دراستك، وأن يجعلك عالمة مسلمة متميزة.
كما أوصيك بالإكثار من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- والإكثار من الاستغفار، لأن هذه من العوامل التي يترتب عليها إلحاق تغيير مذهل في حياة الإنسان، فالله تبارك وتعالى بين لنا الآثار المترتبة على الاستغفار، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أيضا بين لنا أيضا الآثار المترتبة على الصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم- وعليك كذلك بالإكثار من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، واعلمي أن الله تبارك وتعالى هو القادر وحده على أن يرد عنك كيد شياطين الإنس والجن، فألحي عليه، والجئي إليه، وبكي بين يديه، وأكثري من الدعاء له، لأنه يحب الملحين في الدعاء، بل إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (اسألوا الله من فضله، فإن من لم يسأل الله يغضب عليه) فعليك بالدعاء، وعليك بالإكثار من الاستغفار، وبعض الصدقات، وأبشري بفرج من الله قريب.
هذا وبالله التوفيق، ونسأل الله أن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به.