السؤال
السـلام عليكم ورحمة الله وبركاته
استشارتي هي:
أنا فتاة عمري 16 سنة، -الحمد لله- أنا محجبة ومصلية منذ نعومة أظافري، وقد تربيت في جو عائلي مفعم بالعبادات والحث على القيام بها.
لكني بدأت صلاتي منذ سن 6 سنوات أو بعدها بقليل، ولاحظت من مدة طويلة يعني منذ أن كبرت وصارت الصلاة فرضا علي أن أؤديها على أتم وجه، فأحس بإحساس الذنب دوما بعد كل صلاة!
لا أدري لما هذا الشعور يا ترى؟ رغم أنني لم أقترف خطأ، لكني أحس بالذنب وكأنني لم أؤديها جيدا، فكلما حاولت الإحساس بالخشوع يضيع مني، وأخاف لأني أحس بأن صلاتي كأنها خالية من الخشوع الداخلي.
أحاول التركيز على إحساس روحاني في داخلي عند صلاتي، لكن سرعان ما أتذكر عدة أشياء وأنسى الخشوع وأسرع أحيانا في صلاتي، فهل تفيدوني بطريقة تجعلني أخشع في صلاتي؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ the healthy girl حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.
بداية نرحب بك -ابنتنا الفاضلة- في موقعك، ونشكر لك هذا السؤال الرائع الذي يدل على طموح كبير، فإنك تسألين -بعد المحافظة على الصلاة– في كيفية الخشوع في الصلاة، وهذه منزلة رفيعة، نسأل الله لك التوفيق والسداد، فإن الخشوع هو روح الصلاة، والله قال: {قد أفلح المؤمنون} ما هي أول صفة؟ {الذين هم في صلاتهم خاشعون} وإذا تابعنا الآيات فإنا نجد في ختامها:{والذين هم على صلواتهم يحافظون} فإن الدوام على الصلاة والمحافظة عليها والاجتهاد فيها يعتبر أهم أسباب الحصول على الخشوع.
بالإضافة إلى هذا الهم الذي حركك من أجل هذا السؤال، فإن الإنسان إذا اهتم بأمر وركز عليه ينجح فيه بحول الله وقوته، فهنيئا لك بهذا السؤال، ونجدد ترحيبنا بك، ونسأل الله تبارك وتعالى لك التوفيق والسداد، وبشرى لك طالما حاولت الخشوع واجتهدت وجاءك الشيطان ليخرجك من الصلاة، فإن هذا كما قال ابن القيم: (في جهاد وصلاة) يأخذ أجرين: أجر المجاهدة وأجر ما خشع فيه من صلاته.
إذا حاولنا أن نمضي معك في خطوات سريعة من أجل حصول الخشوع، فإنا ندعوك أولا إلى أن تخشعي في حياتك، بأن تنتقلي من طاعة إلى طاعة، وتحرصي على تعمير حياتك بالطاعات، خاصة اللحظات التي تسبق الصلاة، فإن الإنسان إذا انتقل من طاعة إلى طاعة أعين على الخشوع، هذه نقطة أولى.
النقطة الثانية: ينبغي أن تستعدي للصلاة منذ وقت مبكر، بنوافلها، بتلاوة آيات قبلها، بالاستعداد لها، بالتشوق لها، كما قال عدي: (وما أذن المؤذن للصلاة – بعد أن أسلمت – إلا أعددت لها قبل ذلك وضوئها، وأنا لها بالأشواق) يعني أنتظرها بالأشواق.
عليك كذلك للاستعداد للصلاة بذكر الله تبارك وتعالى، ثم ترديد الأذان مع المؤذن، ثم بعد ذلك السعي لمكان الصلاة - ولو كان في البيت – بسكينة ووقار وهدوء وخشوع.
عليك أن تصلي في ملابس فضفاضة، ملابس نظيفة، في مكان هادئ، ليس فيه ما يشغل، ليس فيه ما يصرف عن الله تبارك وتعالى، من صور أو تماثيل، مكان معتدل البرودة، ليس بحار وليس ببارد، وعليك أن تأتي الصلاة وأنت لست جائعة ولست ظمئا، وأيضا لست حاقبة أو حاقنة، لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان – أي البول أو الغائط - لأن هذه أمور تؤثر على خشوع الإنسان في صلاته.
إذا وصلت إلى مكان الصلاة فعليك أيضا أن تستقبلي القبلة، وتستحضري هذا الموقف فأنت تقفين بين يدي الله، (الواحد منا إذا وقف بين يدي أمير أو كبير أو سلطان أو وزير) يقف بأدب، فكيف إذا كان الوقوف بين يدي الله تبارك وتعالى.
عليك في هذه اللحظة أن تستشعري عظمة الأمانة، فقد كان علي إذا جاء وقت الصلاة يتغير، فقيل له في ذلك – كلموه – قال: (أتتني الأمانة التي عرضت على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها فأشفقن منها فحملتها، ولا أدري أمسيء فيها أم محسن) وكذلك كان يفعل سليمان الداراني، الذي قيل له: أتحدث نفسك في الصلاة؟ قال: (وهل شيء أحب إلي من الصلاة حتى أحدث نفسي فيها) هذا كلام جميل جدا أن يجعل الإنسان أحب شيء عنده الصلاة. قالوا: إنا نحدث أنفسنا في الصلاة؟ قال: (أبجنة وبالنار والوقوف بين يدي الله؟) قالوا: لا، ولكن نحدث أنفسنا بأمور الدنيا، قال: (لأن تختلف علي الرماح والأسنة أحب إلي من أتحدث في الصلاة بغيرها) رحمة الله عليهم.
إذن أن يجعلها الإنسان قرة عينه، أن يحب الصلاة، يتهيب هذا الموقف، يستحضر عظمة من يقف بين يديه، يستحضر أنها ربما تكون الأخيرة، بعد ذلك يكبر بتحقيق تكبير يستحضر فيه عظمة الله، فأنا أقول: (الله أكبر) يعني الدنيا حقيرة، يعني الأموال حقيرة، يعني الذهب، يعني الموضات، كل ما في الدنيا حقير.
ثم بعد ذلك عليك أن تبدئي بدعاء الاستفتاح، ويفضل في دعاء الاستفتاح أن تنوعي كل مرة دعاء وذكر، لأن الإنسان إذا حفظ حفظا آليا أصبح الحفظ يمر دون أن يتدبر الإنسان.
ثم عليك بعد ذلك أن تتعوذي بالله من الشيطان، أن تبسملي، تقرئين سورة الفاتحة بتؤدة واطمئنان، فإنها صلاة: قسمت بين العبد وبين ربه، حتى قال ابن القيم: (يقول الحمد لله) يتذكر أن العظيم يقول: (حمدني عبدي)، (الحمد لله رب العالمين) : (مجدني عبدي) ، (أثنى علي عبدي) إذن نستحضر هذا المعنى، ولذلك كانت قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم – مدا، يقف عند رأس كل آية.
بعد ذلك عليك أن تجتهدي في استحضار معاني الصلاة، إذا كنت تسمعين القراءة، إذا كنت تصلين وحدك دائما تشغلين نفسك بالقراءة، وكل سكتات الصلاة تعمرينها بالقراءة وبالذكر في مواطنه، ثم بعد ذلك إذا خرجت إلى الصلاة تعودين إليها بسرعة، إذا سبحت استحضري معنى (سبحان ربي العظيم) معنى (سبحان ربي الأعلى).
أن تحرصي أيضا على أن تفكري في مواقف الصلاة كلها، فإذا جلست للتشهد الأخير فهذه مثل يوم عرفة، يوقف فيها الإنسان بكل ما عنده، يدعو الله بما شاء، يتوجه إلى الله تبارك وتعالى، ثم تسلمين من الصلاة وقد وفقت في هذا الخشوع والخضوع فيها.
المهم في هذه المسألة أيضا هو أن ندرك أن الشيطان يريد أن يمنعنا من الصلاة، فإذا عجز جعلنا ندخل الصلاة، فإذا دخلنا الصلاة جاءنا وقال: اذكر كذا واذكر كذا، حتى لا يدري الواحد منا كم صلى، فإذا وجدنا ذلك نعاقبه، وأكثر ما يغيظ الشيطان السجود لله، ولذلك نقول: (أنت جئت لتخرب علينا الصلاة وتشوش علينا فيها! سنعاقبك بسجدتين نزيدهما في الصلاة – سجود السهو -) والشيطان عند ذلك يعتذر ويبكي ويقول: (أمرت بالسجود فلم أسجد فلي النار، وأمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة) فيستحضر الإنسان هذه المعاني، ويكرر المحاولات، ويكثر من النوافل، وخشع في حياته، يستقبل الصلاة بروح طيبة، يستعد قبلها، يجلس بعدها، يواظب على الأذكار، يتوجه إلى الواحد القهار سبحانه وتعالى، فإن هذه الأمور تعين - إن شاء الله تعالى – على الخشوع في الصلاة، فلا تلتفتي إلى هذا الشعور، وقابليه بمزيد من الجدية ومزيد من المحاولات والحرص، فأنت مأجورة على اجتهادك، ومأجورة على ما خشعت فيه من صلاتك، كما قال ابن القيم - رحمة الله تعالى عليه -: لأن مثل الذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق له أجران.
لمزيد من الفائدة يمكنك مطالعة الاستشارات التالية حول الوسائل السلوكية للخشوع في الصلاة: 240702 - 245088 - 2069.
نسأل الله لك التوفيق والسداد.