السؤال
أولا: جزاكم الله خيرا على هذا الصرح الرائع
مشكلتي يا سيدي أني أعيش في قفص، وذلك بسبب عدم قدرتي على التعامل مع الناس، دائما أنا في مشاكل مع الناس، ولا أعيش حياة عادية كباقي الناس، ولا أتعايش مع الناس بسلاسة لا أعرف لماذا؟
أعيش في دائرة مغلقه تحكمني في التعامل مع الناس، هي:
1 - أني في بداية تعرفي على أي أحد فإني أظهر بمظهر الشخص الواثق من نفسه القيادي المحبوب الودود، لا أعرف أهذا تمثيل أم أنها شخصيتي الحقيقية؟ ولكني بعد ذلك لا أستطيع إظهارها أم أنها فعلا تمثيلية؟ ولا أستطيع إكمالها، المهم أنه في المرحلة التالية يحدث شيء من التالي:
2- أما أنه يحدث منه تصرف، ولو بسيط، ولو غير مقصود أحس به أنه قلل من أهميتي، أو كرامتي، أو تهميشي، وإما أن يراني في وضع أظهر فيه بشخصية ضعيفة، أو أن يراني مع أناس يعرفوني قبله، ولكنهم يهمشونني، ولا يعطوني قدري فتحدث الخطوة التالية:
3 - أجد أن جذوتي في عينه قد انطفأت، وتبدأ الأفكار الانهزامية تتسلل إلي، وأنه لم يعد يقدرني، وأن ما كنت أظهره له من قوة الشخصية وبريق ولمعاني قد انتهى، وأحزن جدا لذلك، وأنعزل عن الشخص كي لا يجرحني بتعامله؛ لأني أتوقع أنه لن يعاملني بنفس الطريقة التي كان يعاملني بها عندما كنت أظهر له بشخصية قوية.
4 - ثم أكون متحسسا من الكلام معه، وبالفعل أحس بأني لم أعد أمامه ذا أهمية كما كنت.
5- أبدأ أغضب لذلك، وأعوضه بأني أقلل من اهتمامي له، وأنه لم يصبح يهمني كنوع من التعويض فينتج فتورا في العلاقة، ولكني مازلت غضبان لتغير معاملته.
6 - أبدأ أتحسس لكلامه، وأتعصب وأغضب وتبدأ عملية الهجران والانفعالات والغضب والخصام.
كل الناس مروا معي بتلك الخطوات، والآن كل الناس الذين حولي في المرحلة الأخيرة، مرحلة تدني مستوى التعامل، وأكون حساسا جدا من الكلام معهم، فأظل في عملية غضب، وهجران، وخصام، ثم بعد فترة رجوع، ثم حساسية وغضب ورجوع، وهكذا.
أنا حساس وسريع الغضب قد أكون أحس بشيء من الدونية أو أن قلبي مليء بالحقد والغل والحسد ولذلك الناس ينفرون مني أو لأن شخصيتى ضعيفة.
أرجوكم! لقد مللت من إرسال الاستشارات لمواقع ومللت من الإجابات المكررة؛ لذلك لجأت إليكم كي أعلم ما السبب العلمي، وما الحل العلمي؟
هل أنا حساس أم ضعيف الشخصية؟ أم أني حقود وحسود؟ أم لدي قصور في التعامل مع الناس؟ (مع ملاحظة أني كنت أتعالج من الوسواس القهري، والاكتئاب، وتناولت سيروكسات لمدة 6 سنوات، -والحمد لله- شفيت وأنا طالب علم، وأحفظ من القرآن، والسنة وأحافظ على دروس العلم).
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأشكر لك تواصلك مع إسلام ويب، وأرجو ألا تمل أبدا من التواصل مع المواقع، فعسى الله أن يجعل لك خيرا في ذلك.
أيها الفاضل الكريم: أنت سردت أعراضا تدل على معاناتك، وأنا أقول لك: في معظمها هي أعراض قلقية تحمل سمات الوساوس التي تقوم على سوء التقدير، وسوء التأويل، وهذا هو الذي يجعلك في هذا النوع من الصدام الفكري والوجداني.
إذن هي سمات وصفات، وأنت تصف نفسك بأنك شخصية حقودة أو حسودة، فلا أعتقد أن ذلك منصف في حق نفسك، وحتى إن كنت ترى شيئا من ذلك في نفسك، فتعامل معه من خلال التسامح، ومن خلال كظم الغيظ، وتمني الخير للآخرين، ومن خلاف تذكر قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وارجع إلى عقيدتنا السمحة كيفية مقاومة الحسد والحقد وغيره، وكيف للإنسان أن يتحلى بالميزات الإيجابية والأخلاق الحسنة والفاضلة، وتذكر قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (انظروا إلى من أسفل منكم ولا تنظروا إلى من فوقكم) لماذا؟ (لئلا تزدروا نعمة الله عليكم) لئلا تحتقروا ما أنعم الله عليكم، فكل ميسر لما خلق له.
لا أريدك أبدا أن تضبط نفسك بمسميات سوف تعطلك أكثر مما تفيدك، وهي بالفعل تضعك في قفص حديدي نفسي، وفرض هذا السياج على النفس لا خير فيه أيها الفاضل الكريم.
تفاعلاتك هي تفاعلات كلها إنسانية، لكن كما ذكرت لك يعتريها سوء التأويل وتحمل الطابع الوسواسي، وكل ما هو وسواسي يعالج من خلال التحقير وعدم الاعتبار والتجاهل.
إذن أفكارك هذه يجب ألا تعطيها قيمة، أنت تعرف أنها معيقة، أنها مخلة، وأنها غير مريحة لك. مقاومتها سوف يؤدي إلى شيء من القلق والتوتر، لكن في نهاية الأمر يحدث لك ما يسمى بالتحصين التدريجي، يعني تتحصن من هذه السمات المغضبة لك والغير مريحة كذلك للآخرين، فأرجو أن تنتهج هذا النهج أيها الفاضل الكريم.
الأمر الثاني: كن حريصا دائما على الزمالة والصداقة والأخوة الطيبة، الإنسان حين يكون له قدوة حسنة، ونماذج فاضلة أمامه لابد أن يحدث نوع من التعلم التلقائي وغير التلقائي، هذا يبني مع مرور الوقت، مما يؤدي إلى بناء سلوك جديد، فكن حريصا على هذا أيها الفاضل الكريم.
وعليك دائما أن تجبر نفسك إلى ضد ما تجره إليك نفسك ما دام هذا الانجرار ليس في الاتجاه الصحيح، واجعل نفسك تكون من النوع الذي يرسل لك إشارات محتواها فيه اللوم اللطيف، لأن النفس اللوامة تنقل صاحبها وتجعله مطمئنا - إن شاء الله تعالى -.
الفكر السلبي أيا كان يعامل ويعالج ويبتر من خلال التصور والفكر الإيجابي، اجعل لحياتك معنى، نظم وقتك... هذه ليست أمورا صعبة، أمور سهلة جدا، وهي في نهاية الأمر تصب في مصلحة الإنسان. كل من ينظم وقته يتخلص من علله، وكل من يفكر إيجابيا يسعد نفسه، وكل من تكون له أهداف في حياته ورفقة طيبة صالحة يظهر نفسه اجتماعيا وترتفع مهاراته.
إذن ليس هنالك مفتاح لباب واحد نفتحه ونغلقه حتى نتغير، لا، هي عمليات نفسية تراكمية تقوم على المبادئ التي ذكرناها، فكن حريصا على ذلك.
أخي الكريم: الزيروكسات الذي تتناوله دواء جيد وفاعل، وأنت الحمد لله الآن ترى نفسك أنك لست في حاجة للعلاج الدوائي، فحافظ على النهج السلوكي، وحفظك للقرآن الكريم هذا رصيد عظيم، وكذلك إلمامك بالسنة المطهرة، فحافظ على دروس العلم، وحضور المحاضرات، والقراءة والاطلاع، -وإن شاء الله تعالى- سيتطهر ما في القلب ويتجمل من خلال هذه الممارسات وهذه اللقاءات.
أسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد.