السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
لدي مشكلة مع أمي، لا أريد القول بأنها لا تحبني، لكنها تتصرف معي وكأنها تقول لي اكرهيني.
منذ أن كنت صغيرة تقول لي بأني حقودة على الجميع، ولا يمكن لأحد أن يعاشرني أو يتعامل معي، وكذلك تصفني بالكاذبة، حتى الآن!
أخي الأكبر يضربني دائما، فتقول لي أنت حقودة ألا تسامحين أخاك؟! لكنه إلى الآن يضربني كيف أسامحه؟!
لا تريدني أن أقول لا أبدا، حتى في أشياء تخصني، وإن قلت، سطرت لي الأقاويل بأني حقودة, كاذبة وغيرها، ولا تريد أن تسمع رأيي أبدا أو أن أفعل ما أريد كالجلوس في غرفتي! تقول لي أنت فتنة، تريدين تخريب أبنائي .
مع ذلك، فهي تفضفض لي دائما، لكن من نقدها الدائم لي مللت, لا أستطيع البقاء معها، كذلك تمنعني من الخروج من البيت إلا بيد ابنها الذي يضربني! وإن قلت لا؛ تقول لي: تجيبني ( بالطقاق ) يعني أنا لا يحق لي أن أقول لا، وإن قلت لا أريد، فلا اهتمام لما أقول!
أنا أكره الجلوس معهم، لأن جلوسهم جحيم! صراخ ونزاع وسب وكلام قذر، فأبقى في غرفتي طول يومي بالإجازات، وأوقات الدوامات !
حتى التسوق فأنا لست كباقي الفتيات! أنا لم أقل لها اشتري لي كريمات وعطورا واكسسوارات وملابس و و و و كباقي البنات ! ليس لدي سوى ملابس رديئة، وزجاجة عطر واحدة، وكذلك كريهة !
إن قلت لها أريد أن أذهب لمكان كذا, تقول: أخاك يوصلك سأسأله، وهل خروجي وجلوسي بيده؟! أو ليس من حقي أن أخرج؟ أليس من حقي أن أصر على عدم إيصاله لي فلا أريد تنغيص فرحي؟ أليس من حقي أن أمنعها من وصفي بالحقودة؟
لقد أصبحت أعاملها بجفاف, وهي تزيد ذلك بكلامها! أفلا تفهم؟! لقد عجزت عن إيجاد الحل! أتمنى المساعدة حقا.
وشكرا جزيلا لكم .
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أكوان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نسأل الله لك التوفيق والسداد، ونشكر لك هذا التواصل مع الموقع، ونسأل الله أن يرزقك بر الوالدة، وأن يعينك على الخير، هو ولي ذلك والقادر عليه.
ونشكر لك هذه الاستشارة التي تدل على رغبة في الخير، ورغبة في البر، فلولا شعورك بأن بر الوالدة واجب لما كتبت هذه الاستشارة، التي نحن سعداء بها، ونحن لا نملك إلا أن ندعوك إلى زيادة البر، وزيادة الصبر، وزيادة الإحسان لهذه الوالدة، لأن رضاها من رضا الله تبارك وتعالى، وإذا أدى الإنسان ما عليه من الإحسان ومن البر والاحتمال والصبر ثم لم ترض الوالدة – أو لم يرض الوالد – بعد ذلك فإنه لا يعتبر عاقا، وثوابه عند الله تبارك وتعالى عظيم.
قال الكريم المتعال في كتابه: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} ثم قال: {إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} أرأيت كيف يعامل الطائر صغاره في شدة الحر أو في شدة البرد أو عند نزول المطر؟ تضعها تحت جناحيها في رفق وشفقة، كذلك أمر الله أن نفعل بآبائنا وأمهاتنا.
لكن مع ذلك قد لا يرضى الوالد وقد لا ترضى الوالدة وقد يكونون انطباعا عن الشخص، عند ذلك يأتي قول الله تبارك وتعالى: {ربكم أعلم بما في نفوسكم} من البر، وإرادة الخير، والرغبة في الإحسان {إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا} فعزاؤنا في مثل هذه الأحوال هو هذه الآية الكريمة، فالعبرة في أن يؤدي الإنسان ما عليه، وأن يبالغ في الإكرام، ويبالغ في الصبر، ويبالغ في الإحسان، ويبالغ في إرضاء الوالد أو الوالدة، فإن رضي الوالد فبها ونعمت، وإن لم يرض فالله تبارك وتعالى راض عن المحسن {ما على المحسنين من سبيل}.
لذلك استبشري بهذا وازدادي برا، وتجنبي كره الوالدة أو النفور منها، واجتهدي في سماع كلامها، وقولي لها ما يرضيها، وفوتي بعض الأمور التي تصدر عنها، ولا تعانديها، ولا تحجزي نفسك في الحجرة، حاولي أن تكوني معهم جهدك، واصبري على الأذى الذي يمكن أن يأتي، فإن المؤمنة التي تخالط الناس وتصبر على أذاهم خير من المؤمنة التي لا تخالط الناس ولا تصبر على أذاهم، هذا بالناس، فكيف إذا كانت الخلطة مع الوالدة ومع الإخوة والأخوات في البيت، كوني معهم، ولكن كوني ناصحة، كوني هادئة، كوني صبورة واحتملي.
الوالدة قد تحتاج – كما أشرت – إلى أن تفضفض وتذكر لك ما عندها، فتحسنين الاستماع، وتطيبين خاطرها، وتأتين بالكلام الذي يرضيها، وإذا كان دخولك للحجرة وإغلاق الباب لا يرضيها فلا تفعلي هذا، واجتهدي في أن تكوني تحت عينها، واشغلي نفسك بكتاب تقرئينه أو بخير تفعلينه، ودائما كوني عونا لإخوانك، واقتربي من هذا الأخ، واحرصي على حسن التواصل معه.
كنا نتمنى أن تذكري أسباب ضرب أخيك لك، ما هي الأسباب التي تجعله يضربك؟ ولماذا لا يضرب الآخرين أو الأخريات؟ وهل هو في فترة عمرية معينة، فإن فترة المراهقة قد يكون فيها بعض الحزازات بين الشاب وأخته، لكن هذه مرحلة تمر وتستطيع الفتاة أن تخرج منها بالصبر على أخيها وبالإحسان إليه وبإكرامها.
أرجو أن تفهمي إصرار الأسرة على أن تخرجي معه، لأن هذا من مصلحتك، ومن أجل صيانتك، فأنت عندهم درة غالية، ولا تغتري بمن يترك لها أن تخرج وقت ما أرادت وتذهب حيث ما شاءت، فإن هذا لا يدل على الخير، لأن الشرع يدعونا إلى أن نهتم بهذه الأمور، فتخرج الفتاة إلى الأماكن المناسبة بالطريقة المناسبة في وجود آخرين معها، لا تخرج وحدها، إذا كنت أنت طيبة ففي الناس أشرار، كما أن في الناس من الطيبين أيضا، ولكن هذا من صيانتنا لأعراضنا، فلا تعتبري هذا جانبا سلبيا، بل هو إيجابي، دليل على حرصهم عليك، ورغبتهم في الإحسان إليك، ورغبتهم في إيصال الخير لك.
نسأل الله أن يديم عليكم هذا الخير، وأن يديم عليكم نعمه، وأن يلهمكم السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.
إذن هذه دعوة إلى مزيد من الصبر، وإلى تفهم كلام الوالدة، وكنا نريد تفاصيل أكثر لماذا أنت ترفضين بعض الطلبات؟ ولماذا أنت لا تريدين أن تسامحي هذا الأخ؟ لأن عدم السماح له وعدم التواصل معه لا يزيد الأمور إلا تعقيدا، إذا كانت الوالدة هي التي تطلب أن تسامحي الأخ فسامحيه فورا، لأن عدم المسامحة لن ينفع، لن يجد فائدة، بل يترتب عليه أضرار أكثر، فهو ما زال يضرب، والوالدة لا تزال غاضبة، وكأنك ما ربحت، لأنك لا تمشين في الاتجاه الصحيح.
المسامحة طالما كانت رغبة الوالد أو الوالدة فإن الإنسان عليه أن يقدم التنازلات، وعليك أن تقتربي من الأخ وتتفاهمي معه.
أما عندما يشعر الأخ أن الوالدة غير راضية عنك وأنك تتكبرين عن المصالحة عليه، وأنك ترفضينه فلا نتوقع منه إلا الإساءة إليك، وهذا لا ينفع، ليس من مصلحتك في الدنيا، نحن نتفهم المشاعر ونشاركك في الغضب والضيق مما يحصل منه، ولكن إذا لم يصبر الإنسان على أمه وإخوانه فعلى من سيصبر؟ وإذا لم يحسن الواحد منا لإخوانه وأخواته فعلى من سيكون الإحسان؟ والإنسان لا يستطيع أن يعيش مع أهله وأسرته إلا إذا صبر على المرارات ونسي الجراحات، ودائما قابل السيئة بالحسنة، {ادفع بالتي هي أحسن} هذا مع كل الناس، فكيف إذا كان مع الوالد أو الوالدة أو الإخوان.
نسأل الله لك التوفيق والسداد، ونسأل الله أن يلهمك الخير، وأن يثبتنا وإياك على الحق، هو ولي ذلك والقادر عليه. ونكرر شكرنا بالتواصل مع الموقع، وإذا كان عندك مزيد من التفاصيل حتى تحصلين على مزيد من الإيضاحات، ونسأل الله الهداية للجميع، ونكرر شكرنا لك، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعينك على الخير، وأن يرزقك رضا الوالد والوالدة، وأن يدخل السرور إلى داركم وبيتكم، هو ولي ذلك والقادر عليه.