أشعر بالضعف في شخصيتي ولا أعرف كيف أتعامل مع الناس؟

0 556

السؤال

السلام عليكم...

دكتور: عندي مشكلة وهي ضعف شخصيتي، و كثرة البكاء على أتفه الأسباب، حتى لو كان الأمر من باب المزاح، أنا طالبة في السنة الثانية من الجامعة، كثيرات ممن هن في مثل عمري يمتلكن صديقات، لكن أنا لا أمتلك أي صديقة أستطيع أن أسميها صديقة فعلا، فقط زميلات دراسة أساعدهن ويساعدنني، وبسبب طبيعتي أخاف وأشعر بتوتر شديد إذا كنت مع أشخاص لا أعرفهم، فأكون صامتة طوال الوقت، أستمع فقط، عندما كنت بالصف الثامن قامت صديقتي المقربة بالتخلي عني، ولا أعلم السبب إلى الآن، لقد رفضت حتى إخباري بالسبب، مع أننا كنا مقربات جدا من بعضنا لمدة خمس سنوات، وفجأة تغيرت معاملتها لي، وتخلت عني، حاولت أن أفهم السبب أو أجد سببا واحدا، ولم أجد، لم أغلط عليها بشيء، كانت إذا طلبت مني شيئا أعطيها بدون تردد، لكن بعد أن تخلت عني أصبت بالصدمة وأصبحت منعزلة أكثر، ولا أحتك بالناس أكثر، أما الآن تغيرت قليلا.

أنا في الجامعة، وحاليا أسكن في سكن للطالبات، تعرفت على كثير من الفتيات، وأحببتهن، وبدأت أتخلى قليلا عن خجلي، ولكن هن تعودن على ذلك الطبع فيني والهدوء، ولكن وبالأمس تخلت عني صديقتي، فتاة عرفتها وهي معي بالسكن نفسه، كنت أعتبرها أختي الكبرى؛ لأني لا أملك أي أخوات أكبر مني، وكنت دائما أتمنى أختا مثلها، هي تكبرني بـ 4 سنوات، ولما تعرفت عليها لم أكن أعرف أنها أكبر مني، لأنها تدرس في نفس مستواي في الجامعة، فظننت أنها في مثل عمري، وعرفت هذا الشيء بعد مرور أسبوعين من تعارفنا، لكن هذا الشيء لم يؤثر، وأصبحنا أقرب، أصبحت أختا لي تماما، كانت تعاملني دائما كشخص مختلف عن البقية، إذا اشتكيت لها تسمعني، وإذا غلطت بحقها تسامحني، لكن قبل شهر بدأت تصرفاتها تتغير علي، والآن وبعد مرور سنة كاملة قالت لي إنها تريد إنهاء كل شيء بيننا، وعندما سألتها عن السبب قالت إنه بسبب ضعف شخصيتي، وكثرة بكائي، وهي لا تستطيع التعامل معي، تخاف أن تمزح معي وأبكي، وتخاف أن توبخني فأبكي، أو تنصحني فأبكي، هذه هي المرة الثانية التي تم فيها التخلي عني من أشخاص أعزهم ولهم معزة كبيرة في قلبي، لا أريد أن يتم التخلي عني بسبب شخصيتي الانطوائية والخجولة وسريعة البكاء، لقد تعبت، صرت أخاف أن أتقرب من أشخاص فيتخلون عني، أفضل أن أكون بعيدة ولا أن يتم التخلي عني، أخشى في المستقبل أن زوجي لا يتقبل شخصيتي هذه، وتكون سبب مشاكل بالنسبة لي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يحفظك بما يحفظ به عباده الصالحين، وأن يرزقك محبته ملء قلبك ومحبة نبيه - صلى الله عليه وسلم – وأن يضع لك القبول في الأرض، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك فإنه مما لا شك فيه أن الوحدة قاتلة، وأن الإنسان حين يتخلى عنه من يثق فيه يصاب بألم شديد ويتألم لذلك ألما قد يستمر معه لسنوات، بل وقد يدخل معه في مرحلة من الاكتئاب والانطواء والعزلة والتوتر، لأن الإنسان مدني بطبعه ويستحيل أن يعيش وحده، وكل واحد يحب أن يألف ويؤلف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، ولكن أرى أن هذه الأشياء التي ذكرتها عن شخصيتك لا أعتقد أنها أمراض بقدر ما هي أشياء بيئية تربوية تربيت عليها منذ نعومة أظفارك، وعاشت معك ولم تستطيعي أن تتخلصي منها، وهي في الواقع ليست سيئة كما تتصورين، وإنما هي صفات طيبة قد تكون مقبولة في بعض البيئات وفي بعض الأماكن وفي بعض الأحوال، ولذلك عليك ألا تشغلي بالك بهذه المسألة كثيرا، فأنت ولله الحمد والمنة على خير وإلى خير، فأنت لم تسيئي لأحد، وتحرصين على أن تتصرفي تصرفا في غاية اللطف مع الآخرين، ولكن كونك خجولة أو كونك سريعة البكاء أو كونك انطوائية، هذه أمور لا دخل لك فيها شخصيا، ولكنها أمور كما ذكرت لك تربوية، نمت ونشأت وترعرعت معك، إلا أنه من الممكن التخلص منها والسيطرة عليها - بإذن الله تعالى – فما خلق الله داء إلا جعل له دواء، علمه من علمه وجهله من جهله، كما أخبر النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -.

أنصحك بقراءة كتاب يباع في مكتبة جرير بعنوان (اعتني بحياتك) فهذا كتاب رائع ومفيد وسوف يحدث لك نقلة نوعية في حياتك بصورة واضحة وجيدة، وهو كتاب مترجم. وكذلك كتاب (كيف تكسب الأصدقاء) هذا كتاب أيضا من الكتب الشائعة والكتب المنتشرة عالميا، ولقد قرأه كثير من الناس في مثل حالتك فأصبحوا اجتماعيين إلى درجة كبيرة، فمن حقك أن تكتسبي بعض المهارات السلوكية التربوية التي تجعلك تتغلبين على المشكلة، ولكن كون الناس ينصرفون عنك فأنا لا أرى في ذلك عيبا فيك كبيرا، وإنما لأن الناس ألفوا الكلام الكثير وألفوا المشاركات، حتى وإن كانت تافهة وليست ذات معنى، وأنت قد تكون ظروفك التربوية لا تسمح لك أن تسترسلي في كلام غير مفيد، فالذي أنت فيه في جانب من الجوانب هو مما لا شك فيه مفيد، لأنه على الأقل يجعلك بعيدة عن القيل والقال، ولا يعطيك الفرصة لتقعي مثلا في أعراض الناس، أو لتتكلمي كلاما تافها، أو تضييعا للوقت، وفي النفس الوقت أيضا حرمك الانسجام مع الآخرين الطبيعيين التقليديين الذين تعودوا أن يتكلموا بكثرة ويعلقوا على كل شيء.

أرى أنه ما ينبغي أن تنظري لهذه الصفات على أنها صفات سلبية مائة بالمائة، وإنما هي سلبية في جانب وإيجابية في جانب آخر، وكونك تخافين أن زوجك في المستقبل لن يتقبل شخصيتك؟ أقول: بالعكس قد يكون الزوج من الذين يحبون المرأة الهادئة اللطيفة الوديعة، وكثير من الأزواج يكرهون المرأة الثرثارة، التي تتكلم في كل مناسبة وتعلق على كل أمر، وتدخل نفسها في كل قضية كما لو كانت أعلم أهل الأرض بقضايا الناس، ولذلك أقول: لا أتمنى أن تقفي طويلا أمام فكرة المستقبل، ولكن الذي أتمناه منك الآن: أولا تتوجهي إلى الله بالدعاء أن يرزقك الله تبارك وتعالى القوة والعزيمة والثبات، وأن يربط على قلبك وأن يعينك على التخلص من تلك السلبية، لأنك تعلمين أنه لا يستطيع أن يغير هذه الأمور أحد من الناس، وإنما هي بيد الله تبارك وتعالى وحده.

الأمر الثاني: أن تهتمي بمستقبلك ومصلحتك، وأن تركزي على دراستك، وأن تجتهدي أن تكوني متميزة بين قريناتك وزميلاتك، فإن هذا هو الميدان الحقيقي للتنافس، أما هذه الصفات التي وردت في رسالتك فهي صفات تربوية تحتاج إلى وقت حتى يتم التخلص منها، أما التميز العلمي فهذا في يدك. فأنا أتمنى أن تركزي على هذا الجانب، لأن هذا الجانب كلما كنت متفوقة علميا كلما اكتسبت قدرا من الثقة في النفس مع الأيام، وبالتميز العلمي قد تتخلصين من هذه الأمور كلها - بإذن الله تعالى - .

ثالثا: كما ذكرت وأخيرا هو قراءة الكتب التي أشرت عليك بها، وبإذن الله تعالى ستحدث لك نقلة نوعية في شخصيتك، وسوف تتمتعين بقدر كبير من المرونة، والقدرة على التأقلم مع الآخرين، بل وستكونين اجتماعية من الدرجة الأولى، ويحرص كل من يتعامل معك على أن يتواصل معك، لأنه سيجد لديك ما لا يوجد لديه أو لدى غيرك، فأتمنى كما ذكرت ألا تقفي طويلا أمام هذه المسألة، وألا تعتبريها من السلبيات التي لا يمكن علاجها، وإنما هي مسألة ولله الحمد والمنة سهلة وتحت السيطرة، وبمقدورك أن تتخلصي منها في القريب العاجل - بإذن الله تعالى – وحتى إن كانت موجودة فهي ليست سيئة إلى درجة الشعور بالضعف أو بالعجز.

هذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات