السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعاني من الخجل الشديد منذ الصغر إلى الآن، خجولة جدا حتى على أبسط شيء، مثلا لما أبي كان يمسك يدي وأنا صغيرة كنت أخجل وأسحبها من يده، أو عندما تسألني مدرسة في الصف كنت لا أجيب من شدة الخجل! وخلالها يحمر وجهي، والفصل يضحك والمدرسة أيضا، ومواقف كثيرة كانت تحدث لي.
بعدها حاولت أن أتجرأ وأترك الخجل عني، ومع المحاولات استطعت تجاوزها (ل5 سنوات) لكن مع إحباط وبعدها رجعت على ما أنا عليه، وبسبب من حولي، وسبهم لي أني فاشلة وأني (قردة) وأني أخرع الجن أعوذ بالله منهم، وغيرها رجعت مثل أول، ما أقدر حتى إن أتشجع وأقوم بعملي أخجل!
انعدمت ثقتي بنفسي، وأصبح الاحمرار في الوجه يظهر، مع أي موقف أتعرض له، ما أدري ما سبب هذا الاحمرار؟ مع أني جريئة واجتماعية ومرحة، لكن الخجل وعدم ثقتي بنفسي مضيع كل هذا، وأصبح عندي وساوس، حين أرى واحدة تسر لأختها أقول أكيد هاتين تتكلمان عني! وبعض الأحيان أتخاصم مع الناس.
أيضا لدي خوف من الناس، مع أني ما كنت كذلك لكن أصبحت أخافهم، وحين أراهم أختبئ عنهم، أو ما أحضر الجامعة ولا أحضر المحاضرات، حتى بعض البنات لما يتحرشون في ما أسكت، وآخذ بحقي، لكن الآن لا أخاف، وأتعتع بالكلام، ومع الأيام كل ما أراهم أبتعد قبل ما يروني، وأتفاجأ انهم رأوني ويضحكون بصوت عالي بطريقة تخوفني، ما أدري كيف؟!
الخجل والاحمرار منذ صغري والخوف، لكن تشجعت وبعدها رجع لي بشدة عن أول! حتى الكل مستغرب يقول لماذا هذه الاجتماعية تعمل هكذا؟
مع الخجل يصير عندي برود بالأطراف، كأنها مكعبات ثلج، وبلعومي يجف، ويصير بداخل هدوء غير طبيعي، صامتة، أي أحد يكلمني فقط أنظر إليه وما أرد على كلامه، وأتوتر وأهز رجلي، حتى المديرة تسخر مني وقالت لي يوما (خير أنت جئت قاعدة ترقصين هنا)؟! أحرجتني أمام البنات بالطابور!
ساعدوني.
جزاكم الله عنا كل خير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ الدمعة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فمن الواضح جدا أنك تعانين من قلق المخاوف، وهذا مكونه الرئيسي، هو ما يعرف بالخجل الاجتماعي، والرهاب الاجتماعي له أعراض نفسية وكذلك أعراض جسدية، وكذلك أعراض الاجتماعية.
الأعراض الاجتماعية تتمثل في أن الإنسان يحجم عن التواصل الاجتماعي، والأعراض النفسية تتمثل في القلق والخوف والتجنب عند المواجهة، والأعراض الجسدية تكون متعددة ومختلفة، منها تسارع في ضربات القلب، احمرار الوجه والذي هو ناتج من تدفق الدم، وبعض الناس أيضا قد يأتيهم الشعور بالتلعثم والتأتأة في الكلام، والرجفة والتعرق لا شك أنها من الأعراض المعهودة جدا.
لماذا يخاف الناس عند المواجهات، والأسباب غير معروفة، لكن معظم الذين يخافون عند المواجهات الاجتماعية في الغالب مروا بتجارب سلبية في أثناء الطفولة، بمعنى أنهم قد كانوا تحت حماية مطلقة من الوالدين، وقد يحدث لهم موقف فيه خوف قليل أو شديد، وتظل الذكرى مدفونة على مستوى العقل الباطني، وقد لا يدركها الإنسان وقد لا يتذكرها، ولكنها تظهر في شكل أعراض مستقبلية، والأعراض تكون في صورة ما يعرف بالخوف الاجتماعي من الناحية التشخيصية.
أيتها الفاضلة الكريمة: خطوات العلاج تتمثل في الآتي:
أولا: هذا الخوف الذي يأتيك وهذا الخجل ليس ضعفا في شخصيتك، وليس قلة في إيمانك.
ثانيا: أنت لست بأقل من الآخرين في أي شيء، فالبشر هم البشر.
ثالثا: تجنب المواجهات يزيد من الانعزال والخوف الاجتماعي، وأفضل وسيلة للعلاج هي المواجهة.
رابعا: هنالك مواجهة نسميها بالمواجهة في الخيال، هذه مهمة جدا لبداية تطبيق المواجهة في الواقع؛ لذا أريدك أن تتخيلي وأنت جالسة وحدك في الغرفة (مثلا) أنك أمام تجمع كبير جدا في المدرسة، وطلب منك أن تقدمي عرضا في موضوع معين، وقمت بتحضير هذا العرض، تحضيرا جيدا، ومن ثم بدأت في تقديمه، وبالطبع سوف يأتيك الخوف في بداية الأمر، لكن بعد ذلك - إن شاء الله تعالى – تصبح الأمور ميسرة جدا، وقبل أن تبدئي العرض يفضل جدا أن تأخذي نفسا عميقا، وأن تبدئي بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) وأن تركزي على ما سوف تقولينه، وأن تتذكري أن الذين هم أمامك هم بشر وليس أكثر من ذلك مهما علا شأنهم.
خامسا: لابد أن تكون لك مشاركات اجتماعية كبيرة، وهذه يجب أن تبدأ من داخل المنزل، أن تكوني فعالة، أن تشاركي أسرتك في كل أنشطتها، خذي مبادرات إيجابية، قدمي اقتراحات تفيد الأسرة، ويجب أن يكون هنالك تواصل اجتماعي على مستوى الصديقات، والذهاب إلى المحاضرات، إلى أماكن الأنشطة الإسلامية إن كنت تعيشين في أمريكا، أو إن كنت في بلدك مراكز التحفيظ القرآن، فهي مراكز مفيدة جدا.
النقطة الأخيرة: أنت في حاجة لأحد الأدوية التي تعالج الخوف الاجتماعي والخجل الاجتماعي، وكذلك ما يصحبه من قلق واكتئاب ووسوسة، إن استطعت أن تذهبي إلى الطبيب النفسي فهذا جيد، وإن لم تستطيعي فهنالك دواء يعرف تجاريا باسم (زولفت) واسمه التجاري الآخر (لسترال) ويسمى علميا باسم (سيرترالين) جرعة البداية هي أن تبدئي بحبة ليلا، وقوة الحبة هي خمسون مليجراما، تناوليها بعد الأكل لمدة شهر، بعد ذلك تجعلينها حبتين، يمكنك أن تتناولي حبة صباحا وحبة مساء، استمري عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضيها لحبة واحدة ليلا لمدة ستة أشهر، ثم اجعليها حبة واحدة يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم توقفي عن تناول الدواء.
السيرترالين من الأدوية الفعالة والممتازة جدا، وغير إدمانية، كما أنه لا يؤثر على الهرمونات النسائية.
فعالية العلاج سوف تبدأ بعد أسبوعين إلى ثلاثة من بدايته، ثم يستمر - إن شاء الله تعالى – هذا التحسن ليصل إلى قمته بعد ثلاثة أشهر من بداية العلاج، وحين يأتي التحسن هنا لابد من الاستمرار على العلاج واتباع الخطوات والمراحل العلاجية التي ذكرناها، وهي مرحلة العلاج، ثم مرحلة الوقاية، ثم التوقف التدريجي.
بعد أن تحسي بالتحسن من خلال استعمال الدواء يجب أن تكثفي برامج الثقة في النفس والبرامج السلوكية والمواجهة، وأن تتغاضي عن الصغائر، مثل الحادثة التي كنت تعانين فيها بارتعاش أو شيء من هذا القبيل، وقالت المديرة وهي تصغر منك (أنت قاعدة ترقصين) هذا الكلام لا قيمة له، وربما تكون أيضا ذكرته المديرة من قبيل أن تجعلك أكثر قوة وصمودا، وألا تكوني أقل من زميلاتك بأي حال من الأحوال، أو أنها تمزح معك.
أسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.