السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا بنت عمري 30 سنة غير متزوجة، وعاطلة، لا أعلم من أين أبدأ ذكر مشكلتي، فهي متشعبة!
بداية أنا نشأت في عائلة محافظة جدا -ولله الحمد- أبي وأمي غرسوا فينا حب الصلاة ومراقبة الله في كل تصرفاتنا، لكن قصروا معنا في الحنان والعاطفة جدا، لم أفتكر يوما أن أبي أو أمي احتضنوني.
خدي يلامس خد أبي وأمي مرتين في السنة، أي في العيدين فقط، أو عند قدومي من السفر، وهذا نادر لأننا نسافر مع بعض.
ماليا كنا نشعر أننا أقل من زميلاتنا بكل شيء، الملابس, الذهب, الألعاب، وحتى في أدواتنا الدراسية، كنا نشعر بنقص مادي ومعنوي، وكان المصروف بالأعياد فقط 300 لكل واحد، وهو مبلغ زهيد في دولتي، وكنت أجمعه حتى أوفر احتياجاتي الدراسية، أو في شراء وجبة أكل محببة لي.
كبرت وأنا أحاول البر بوالدي، ولكن كل ما أفتكر معاملتهم معي أشعر بالبكاء والضيق والألم يعتصرني بلا رحمة، ويلازمني لفترات طويلة.
أبي كان يدعو علينا حتى في أنصاف الليالي بأن ربي يهلك هذا البيت وينزل عليه مصيبة! أبي ما زال حتى في عمره هذا يتحسب علينا، بجملة (حسبي الله ونعم الوكيل) وهذه القضية تقتلني وتجعلني أحقد على كل الرجال، وأنهم سبب في هلاكنا نحن النساء.
بعض الأحيان يكون أسلوبي معه جافا، وأخاف أن ربي يعاقبني، لا أريد أن أكون عاقة، فأنا أخاف ربي كثيرا، وأنا وأخواتي وإخواني لم نتزوج حتى الآن، الكبار فقط متزوجون، ربما دعوة أبي لم تصبهم في ذاك الوقت، لأنهم كانوا متزوجين.
أختي الكبيرة دائما تقول إن أبي هو السبب في عدم زواجنا، والمشاكل التي تنهال على رؤوسنا بسبب دعائه، دائما أفكر ما هو مصيري ومصير أخواتي الأكبر مني؟! هل سنعيش العمر كله بدون زواج؟ وهل نبقى معتمدين على سائق في كل احتياجاتنا؟!
أشعر بطاقة غضب بداخلي على حياتنا، فكرت بزيارة طبيب نفساني، فهل أنا بحاجة لذلك؟
يا رب أرحم قلوبا تعتصر من الألم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ غربة وطن حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فملخص رسالتك أنك تحسين بعدم الارتياح، وشيء من الكدر، وذلك نسبة لعدم قدرتك على التواؤم مع الظروف المنزلية، ورؤيتك هي أن معاملة والدك فيها شيء من الخشونة أو عدم الرأفة، وأن ما تعانين منه أنت وأخواتك سببه هو منهج الوالد الذي ينتهجه معكم.
الإنسان حين يفكر بصورة سلبية تحاصره الصغائر والكبائر من الأفكار التشاؤمية، وينسى كل ما هو جميل، بل يبدأ في تحليل وتشعيب الصعوبات الحياتية حتى وإن كانت صغيرة، وهذا يكون مردوده النفسي والعاطفي سلبيا جدا على الإنسان.
هذا الكلام الذي أقوله مهم جدا؛ لأن التغيير المعرفي هو الأساس النفسي والسلوكي الرئيسي الذي يخرج الإنسان من شراك الكدر ويشعره بإيجابياته.
أيتها الفاضلة الكريمة: أنت ذكرت عن الصعوبات الحياتية المتعلقة بالأسرة ومنهج الوالد التربوي، أريدك الآن أن تفكري في الإيجابيات، كم من الإيجابيات أنت لديك شخصيا، نعم أنك غير متزوجة، (وهكذا) هذا ربما يكون أمرا سلبيا، لكنه ليس نهاية المطاف.
حاولي أن تتأملي فيما هو إيجابي بالنسبة لك، وحتى بالنسبة لوالدك، ابحثي عن إيجابياته، وأقلها أنه استطاع أن يكون أسرة، وثانيها هو الاقتناع التام بأن حب الآباء والأمهات لأبنائهم – بنات كانوا أو بنين – هو حب جبلي وغريزي، والهفوات التربوية تحدث أن منهج الآباء في بعض الأحيان يكون في نوع من الصعوبات التي ينتهجها الأب، لأنه يرى أن هذه أحسن طريقة تربوية لتنشئة أبنائه.
إذن حتى الأخطاء التربوية في التنشئة ليست مقصودة أبدا من جانب الآباء والأمهات، إنما هي مفاهيم راكزة عندهم بأن المنهج الذي ينتهجه هو المنهج الأفضل، هذا يجب أن يكون فيه إقناع لك بأن تحاولي أن تجدي العذر لوالدك، وفي ذات الوقت لابد أن تتقربي منه، لابد أن تتجاوزي عن كل ما يغضبك ويحزنك في تعامله معك، وأن تعرفي تماما أن بر الوالدين أمر عظيم.
بالنسبة للظروف الاجتماعية والمادية: أعتقد أنكم بخير والحمد لله، المال ليس بكثرته، والإنسان في أمور الدنيا يجب أن ينظر دائما إلى من هم أقل منه، فهذا الأمر يجب ألا يكون شاغلا لك.
نصيحة أخرى مهمة جدا، وهي: مهما صعبت الظروف في داخل الأسرة لابد أن تكوني أنت صاحبة مبادرات إيجابية عن طريق الكلام الإيجابي، الكلام الطيب، مناقشة الوالدين، إبداء البر لهم، تقديم مقترحات تفيد الأسرة (وهكذا) هذا في حد ذاته يشعرك بقيمتك الحقيقية.
عليك أيضا أن تتخلصي من الفراغ، وذلك من خلال الاطلاع، الزيارات المفيدة، الانخراط في أنشطة حفظ وتدارس القرآن في مراكز تحفيظ القرآن الكريم، والحمد لله تعالى، هي منتشرة وكثيرة في المملكة العربية السعودية، (وهكذا) إذن أمامك الكثير الذي يمكن أن تقومي به، وإن شاء الله تعالى، هذا يؤدي إلى تغيير مسار الفكر السلبي لديك ليصبح فكرا إيجابيا.
أيتها الفاضلة الكريمة: بالطبع زيارة الطبيب النفسي سوف تكون مفيدة جدا لك، وهذا لا يعني أبدا أنك مريضة نفسيا، أنت لست مريضة نفسيا، أنت لديك فقط صعوبات فيما نسميه بالتواؤم أو القدرة على التكيف.
أسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.