أمانة خادمتي مفقودة عند عدم وجودي.. ماذا أفعل معها؟

1 633

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أولا أود أن أشكركم على هذا الجهد الرائع في خدمة أمة المسلمين جعله الله في ميزان حسناتكم.

أود استشارتكم في الموضوع التالي:

عندي خادمة فلبينية مسلمة استخرت قبل استجلابها وأحسست براحة لذلك توكلت، وأصبحت عندي منذ ستة أشهر؛ ولأن عندي طفلا عمره الآن سنتان كان لابد من وضع كاميرات المراقبة للتأكد من أمانتها في التعامل معه.

وخلال الستة الأشهر الماضية لاحظت التالي:

1. إذا طلبت منها إطعام ابني، فهي تأكل طعامه، برغم أني أطلب منها هذا بعد ما تكون هي أكلت، علما بأنها تفطر وتتغدى مرتين في اليوم بالإضافة الى العشاء، وأي شيء أعطيه لأبنائي وتراه أعطيها منه.

2. الإسراف في أدوات النظافة الشخصية بحيث تطلب مني شراء معجون أسنان مثلا كل أسبوعين لذلك حللت هذا الموضوع بأن أشتري لها كمية لمدة 6 أشهر على أن لا تطالبني بشيء قبل انتهاء المدة.

3. إذا طلبت منها الطبخ فهي تعزل جزءا لها من غير علمي، وتأخذ كمية إضافية معنا، علما بأني والله أعطيها كمية كبيرة من الطعام لدرجة أنها تقول لي يكفي هذا كثير.

4. إذا طلعنا للمطاعم فهي معنا معظم الأوقات، ولكن في بعض الأحيان أحب أن أكون وحدي مع أولادي وزوجي من غير رقيب فتحزن، وتهمل عملها.

5. هي تقرأ القرآن بشكل يومي، وأحاول تعليمها ما أعرف من أمور الدين، وأمس عرفتها على امرأة أسلمت منذ زمن، ومن نفس بلدها والآن تحاول أن تعلم الدين لأهل بلدها، اعتبرت هذا صدقة لوجه الله لتتعلم وتفهم القرآن، وتتفقه في الدين -وإن شاء الله- تكون حصة أسبوعية.

6. إذا وجدت أي شيء بكميات كبيرة كالسكر والطحين، فإنها تجهز عليه إلى أن ينتهي.

ونحن والله لسنا بخلاء، ولكن لسنا مسرفين وبيتنا كان فيه نظام قبل مجيئها، إذا أعجبها نوع من الطعام فإنها تقضي عليه من غير أن تفكر بأهل البيت.

7. عندها فكرة أننا لا نعرف أين نرمي أموالنا وكلما أشترى ابني أو أنا أو حتى زوجي غرض تسأل من غير استحياء، كم سعر الغرض؟ أصبحت لا أستطيع أخذ راحتي في لبس الجديد حتى لو كان ملابس النوم؛ لأنها تراقب كل شيء.

8. عندما أكون موجودة بالبيت تنظيفها ممتاز، وإذا خرجت للأسف الأمانة مفقودة، وأجدها لا تنظف.

أنا لا أرى نفسي مقصرة معها الأكل الذي نأكل تأكل منه حتى لو أكلنا وهي نائمة وأحضرنا عشاء من الخارج نحسبها، وإذا لم نحسبها لسبب ما نخفيه بحيث لا تدري عنه وتحس بالظلم، ولكن هناك بعض الأشياء التي أشتريها لأولادي للمدرسة، وهي عينها عليها.

تعبت نفسيا من وجودها فهي بعد رجوعها من حصة الدرس الديني أمس أكلت طعام ابني برغم أني تأكدت بنفسي أنها أكلت وشبعت قبل أن تطعمه، وهذا تأكدت منه بالكاميرا.

لا أدري كيف أتعامل معها، قررت أن لا أطلب منها إطعام ابني إلا بوجودي إذا تطلب الأمر.

أصبحت أطبخ الطعام وحدي، وأبقى لها تنظيف البيت، هي جدا مرتاحة معنا، ولكن أنا أعاني لأني أعتبر الصدق والأمانة شرط التعامل مع أي إنسان.

أرشدوني، جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جلنار حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يبارك في زوجك وأولادك، وأن يجعلكم من سعداء الدنيا والآخرة، وأن يوسع أرزاقكما، وأن ييسر أموركم، وأن يوفقكم لطاعته ورضاه، وأن يعيننا وإياكم وسائر المسلمين على ذكره وشكره وحسن عبادته، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة – فإنه مما لا شك فيه أنه لا يغيب عن أمثالك أن كل واحد منا يتأثر ولابد بالبيئة التي نشأ فيها وتربى فيها وترعرع في أحضانها، فهذه الأخت الفلبينية التي تتحدثين عنها نشأت في بيئة متواضعة العطاء إلى حد كبير، بل لعلها في بيئة كانت تعاني فيها من قدر كبير من الحرمان، وما أن تجد هذه النعمة وهذا الخير الذي تجده تحت يدها ومن حولها ومن أمامها ومن خلفها، إلا وتتفجر فيها هذه الرغبات القديمة المدفونة التي اضطرتها الظروف إلى أن تشبعها، وهاهي الآن تجد كل شيء أمامها، فتنسى ما ينبغي أن تقوم به أو تكون عليه كخادمة، وتقبل على الأشياء بتلقائية وعفوية، ولعلها لا تقصد ذلك كله، ولكنها تكون مدفوعة بدافع قديم نشأ معها منذ صغرها، وهو دافع الحرمان والرغبة في إشباع هذا الحرمان بصورة قد تكون مزعجة كما يحدث منها الآن.

فهذه الفتاة رغم أنها مسلمة، إلا أنك أيضا تعلمين أننا مع الأسف الشديد نجد أن السواد الأعظم من المسلمين قد يركزون على بعض جوانب الدين ولا يركزون على الجوانب الأخرى، وقد تكون الأسرة حريصة على تعليم أبنائها أركان الإسلام، في حين أنها لا تعلمهم أخلاق الإسلام، خاصة في بيئات بعيدة عن مهد الإسلام الأصلي، فهذه امرأة نشأت في بيئة وصل الإسلام إليها عبر الوساطات والترجمات، ولعلها لم تجد أسوة حسنة أو قدوة صالحة في أسرتها، بل – كما ذكرت لك – عانت الشقاء والحرمان والجوع، فلما أتيحت لها الفرصة فقدت قدرتها على السيطرة على تصرفاتها، وأصبحت تتصرف تصرف الإنسان المحروم المنهوم الذي يريد أن يستحوذ على كل شيء، وأن يأكل كل شيء، وأن يمتلك كل شيء.

فهي فقيرة حقيقة في الجانب القيمي والأخلاقي - كما يبدو من رسالتك – وهي صورة - كما ذكرت - لمعظم الخدم الذين يأتون من شبه القارة الهندية أو غيرها، لأن هذه البلاد - كما لا يخفى عليك أيضا – عانت وما زالت تعاني من ضعف في مقومات الحياة الطبيعية، وهذا الأمر انعكس بدوره على تصرفات هؤلاء الخدم، وأخذت خادمتك نصيبا وافرا منه، لعل أسرتها كانت تعاني من قدر أكبر من الحرمان والجوع، وصار لديها دافع التملك أقوى من غيره، بل ودافع الانتقام أيضا، وكذلك أيضا دافع التطفل.

فهذه الصور التي وردت في رسالتك – كما ذكرت – تنم عن شخصية ضحية لتربية غير موجهة وغير راقية، ولذلك هي تتصرف – كما ذكرت – بتلقائية وعفوية، وترى أن هذه التصرفات من الأشياء الطبيعية، لأنها ترى أمامها هذه النعم – التي أسأل الله أن يديمها عليكم – وترى أنكم تعيشون نوعا من الاستقرار المادي، لعلها لم تعهد ولم تره في حياتها، مما دفعها إلى سوء التصرف والقيام بهذه الأشياء التي وردت في رسالتك.

ولذلك أرى أولا أن نعلم أن حل مشكلاتها ليس بالأمر الهين، وإنما نحتاج معه أولا إلى الصبر الجميل، لأنها من الصعب أن تتغير ما بين عشية أو ضحاها، ولا ينبغي أن ننسى بأنها عاشت فترة طويلة في هذه البيئات المتخلفة التي تفتقد إلى أدنى مقومات الأخلاق الإسلامية، ولذلك تحتاج إلى فترة من الزمن حتى تكتسب ما تريدين من قيم أو مبادئ أو سلوكيات أو أخلاق.

فإذن علينا أولا بالصبر الجميل، وأن تعلمي أن في ذلك أجار، وأنك مأجورة على إكرامها، حتى التي تأخذه من وراءك لك فيه أجر، فهي بالنسبة لك فرصة لكي تكسبين من ورائها أجرا.

أنا أقول هذا الكلام حتى تستريح نفسيتك ويزول عنك التوتر، لأن كل شيء تأخذه فهو - بإذن الله تعالى – حتى وإن كان على سبيل السرقة أو غير ذلك فأنت مأجورة عليه، وهذا في كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - .

الأمر الثاني: كما ذكرت التحلي بالصبر، وهذا ضرورة، لأن العلاج يحتاج إلى فترة طويلة، خاصة وأنت طبيبة وتعلمين أن بعض الحالات المرضية قد تحتاج إلى بعض العمليات الجراحية، أو تحتاج إلى متابعة سريرية، وقد تحتاج إلى أدوية لفترات طويلة من الزمن.

والفساد الأخلاقي أو المرض السلوكي أعتقد لا يقل أهمية أو لا يقل خطورة عن الأمراض البدنية إن لم يزد عنها في بعض الأحايين.

ثالثا: أتمنى بارك الله فيك ألا تحرميها من هذه الحصة الدينية، لعلها برفع مستواها الإيماني يرتفع مستواها الأخلاقي.

رابعا: أتمنى ألا تحرميها من توجيهاتك، فواصلي عملية التوجيه وعملية المتابعة، وذكري باستمرار، لأنها سوف تستفيد يقينا من ذلك سواء ظلت معك أو خرجت من بيتكم، فأنا أرى أنك بذلك تؤسسين لحياة جديدة لديها.

خامسا: أتمنى أن تواصلي المتابعة، وأن تجتهدي في ألا تحتك مع أبنائك احتكاكا مباشرا، وإنما اجعلي لها الأشياء التي تقوم على التنظيف والخدمة وغير ذلك، وأما قضية الطعام وغيره فأرى أن تجتهدي بأن تقومي أنت بنفسك، على أن تكون هي بجوارك ومع توجيهاتك، واعتبريها بنتا من بناتك أنت تقومين على توجيهها حتى تكون زوجة ناجحة في المستقبل.

سادسا: واعلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بهذه النوعية خيرا، إذ قال صلى الله عليه وسلم: (إخوانكم خولكم) ومعنى خولكم أنهم معينون لكم يحتاجون إلى رحمتكم وبركم وشفقتكم، فالإحسان إليها من أبواب البر التي تثابين عليها ثوابا عظيما من الله تعالى، والإحسان إلى مثل هذه الخادمة يأسرها ويجعلها مخلصة وفية لكم جراء هذا الإحسان والمعاملة الطيبة من قبلكم، والراحمون يرحمهم الرحمن، فاجتهدي في الإحسان إليها وأبشري بخير عوض من الله في الدنيا والآخرة، واصبري عليها ولا تتوقفي عن توجيهها، لأنها في نهاية المطاف من أمة النبي صلى الله عليه وسلم، ولن تعدمي فيها أجرا أو ثوابا.

وهذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات