السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة عمري 24 سنة، سكنتني الأحزان والهموم منذ كنت صغيرة، وذلك بسب شيء كبرت معه وجعلت منه عقدة، فكان سببا في فقداني الثقة بنفسي، ألا وهو استعمالي للنظارات الخشنة نوعا ما - الحمد لله- على كل حال ولكني معقدة منها.
تمر علي لحظات أكره فيها كل شيء، ولا أرغب في فعل أي شيء سوى الصمت والبكاء، رغم أني - الحمد لله- درست وتخرجت، وأنا الآن أعمل إلا أن هناك شيئا بداخلي يمنعني أن أكون سعيدة، أحس بوحدة قاتلة رغم المحيطين بي، وذلك لأني لم أرزق بزوج إلى الآن، ولدي خوف من المستقبل أن الله لن يرزقني بذلك الزوج، ورغم أني فتاة متدينة ومن عائلة محافظة إلا أني ضعفت مرة وتكلمت مع شاب تقرب مني تعلقت به كثيرا، ولربما أحببته، افترقنا مرات، حزنت واكتأبت، وبعد مدة عاد وهو يدعي أنه يريد هذه المرة الزواج وليس شيئا آخر، عدت إليه ومرة أخرى تخلى عني وتركني محطمة يائسة، ولكن رغم كل هذا ما زلت أفكر فيه وأتمنى أن يتصل بي، ولا أعلم لم؟
فقدت الأمل في الزواج، وذلك لأن نظارتي تسبب العائق لي، تقربت إلى الله أكثر .. أستغفر وأسبح، وبعد مدة خطبني صديق أخي فوافقت، ليرسل لنا أخته، وبعد أيام جاءت لتقول لنا إنه ليس هناك نصيب، انصدمت صدمة كبيرة لحد الآن لم أفق منها، أقول في نفسي عندما أعطاني الله وأفرحني ثم حرمني، هل هو عقاب من عنده؟ ومنذ تلك الأيام وأنا لا أستطيع الصلاة بخشوع ولا الاستغفار، ولا حتى البكاء، كل شيء جامد بداخلي، بكل صراحة أريد الزواج، لأني صرت أخاف على نفسي من الوقوع في الحرام، وأخاف أن أضعف مرة أخرى وأتحدث مع شاب آخر، كما أريد أن أنتقم من ذلك الشاب الأول، أريد الزواج قبله لأحطمه، ليعلم أنه خسرني وللأبد!
أرجوك أرشدني وانصحني عاملني كابنتك، لأني فعلا في حزن عميق، أحتقر نفسي وأخجل من الله أن يكون همي رجلا، والأصح أن يكون همي الآخرة، وأستحي من الله أن أعطاني كل هذه النعم، وأحزن من أجل أشياء الأصح أن لا أحزن من أجلها، أعتذر على الإطالة، ولكن أتمنى أن تعينني بكلامك .. فأرحني.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ سوسن حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نرحب بك ابنتنا الفاضلة، ونسأل الله لك التوفيق والسداد، ونشكر لك التواصل مع الموقع، ونشكر لك هذه الرغبة في إرضاء الله تبارك وتعالى، وأنت- ولله الحمد على خير-، وندعوك إلى التوبة النصوح، ونسيان ما مضى، وطي تلك الصفحات بالحسنات الماحية، فإن الحسنات يذهبن السيئات كما قال رب العزة والجلال.
وأرجو أن تتذكري نعم الله عليك، فإن رسولنا – عليه صلوات الله وسلامه – أرشدنا إلى أن ينظر الإنسان إلى من هم أقل منه، إلى من هم أسفل منه، إلى من هم دوننا في كل أمر من أمور الدنيا، ولا ننظر إلى من هم فوقنا حتى لا نزدري ولا نحتقر نعمة الله علينا، فقال صلى الله عليه وسلم: (انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم لكيلا تزدروا نعمة الله عليكم) لأن الإنسان عندما يستمع لهذا التوجيه فإن الأمور ستأخذ وضعها الصحيح ومكانها الصحيح، وكذلك يستطيع أن يشعر أنه في نعم من الله عظيمة، فإن نعم الله مقسمة، فهذه يعطيها العافية ولكن يحرمها من الزوج، وتلك يعطيها عافية وزوجا ولكنه يحرمها من الولد والتوفيق والمال، وأخرى يعطيها وظيفة ويعطيها عقلا ولكن قد تحرم من نعم أخرى، فنعم الله مقسمة، والسعيد هو من يعرف مقدار النعم التي يتقلب فيها، فيؤدي شكرها، وبذلك الشكر ينال المزيد، فإن الله قال: {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد}.
ومن هنا فنحن ندعوك إلى كثرة اللجوء إلى الله، إلى الرغبة في الزواج ولكن بنية خالصة، إذا كان ذلك الرجل قصر في حقك وأساء إليك فإن الله سيأخذ لك الحق، فالجئي إلى الله تبارك وتعالى، ولا تجعلي هدفك إغاظة هذا، أو الكيد بهذا، فإن سلامة الصدر مع اللجوء إلى الله، مع المواظبة على طاعته - وخاصة الصلاة - مما يفتح أبواب الرزق على الإنسان. نسأل الله أن يوسع عليك في الرزق، وأن يلهمك السداد والرشاد، وأن يعينك على الخير.
وأرجو فعلا أن يكون الهم هو إرضاء الله تبارك وتعالى، ولا داعي للانزعاج فإن الله هو الرزاق، ولكل أجل كتاب، وسوف يأتيك الزوج الذي قدره الله في الوقت الذي أراده الله تبارك وتعالى، فأظهري ما وهبك الله من محاسن، وما وهبك الله من إيجابيات، ما أعطاك الله من قدرات، واعلمي أن النظارة وغيرها ليست حائلا، ففي الرجال أيضا من يملك نظارة بنفس المواصفات، وفي الرجال أيضا من يعجب بأمثالك ولولا اختلاف وجهات النظر لبارات السلع.
ولذلك أرجو ألا تشغلي نفسك بهذه الأمور، واعلمي أن الشيطان همه أن يحزن الذين آمنوا، وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله، ونسأل الله أن يسهل أمرك، وأن يعجل لك بالفرج، وأن يأتيك بالرجل الذي يسعدك فينسيك مثل تلك المواقف، وأرجو ألا تحزني إذا جاء خاطب ثم انصرف، فليس هذا عن عيب، فليس عن عيب في الفتاة أن يرفضها رجل، وليس عيبا في الرجل أن ترفضه فتاة، والزواج ليس أمرا سهلا، ولكنه تلاق بالأرواح، فالأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف.
وختاما فإنا ندعوك إلى عدم استعجال هذا الأمر، فلا يحملك تأخر الأزواج على سلوك السبل التي لا ترضي رب الأرض والسموات، واعلمي أن ما عند الله من خير والتوفيق لا ينال إلا بطاعته، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.
..........................................................................
انتهت إجابة الدكتور أحمد الفرجابي مستشارالشؤون الأسرية والتربوية
وتليها إجابة الدكتور مأمون المبيض استشاري الطب النفسي
...........................................................................
شكرا لك على الكتابة إلينا، يا ابنتي العزيزة.
عدة أمور متعلقة ببعضها، وربما يفيد الفصل بينها، ولنعالج كل موضوع على حدة.
إنك تعلمين لاشك بأنه مهما حصل معك في حياتك من صعوبات وتحديات، إنما هي ابتلاءات لنجتازها بخير وسلام بعون الله، ومما سيعينك لاشك هو إيمانك الواضح من خلال سؤالك، وقربك من الله تعالى، فاحرصي على إيمانك هذا في ظل الظروف والأحوال، فبه يمكن أن يأتي كل شيء، ومن دونه نفقد كل شيء.
انزعي من نفسك فكرة الانتقام من ذلك الشاب، فالمهم هو أنت وليس هو أو أي شخص آخر، فركزي على هذا ولا تبعثري جهودك وعواطفك في غير هذا.
وبشأن النظارات، ويبدو أنها نظارات طبية، فأولا لم تكن النظارات يوما مانعا للفتاة من الزواج، بل على العكس قد يكون أحيانا أداة للزينة، وخاصة إذا أحسنت الفتاة اختيار الموديل المناسب لها، ولكن حتى إذا رغبت بالتخلص منها فيمكنك الآن مع تقدم العلاج بأشعة الليزر أن تستغني عن النظارات بهذه العملية البسيطة، فراجعي طبيبا للعيون.
يبقى الموضوع الأهم والذي بدأت به رسالتك، وهو الشعور الدائم بالهم والحزن والوحدة، فالمطلوب منك القيام بتغيير بعض الأفكار السلبية التي تحملينها عن نفسك وعن إمكاناتك، فنحن نحمل أحيانا أفكارا سلبية قد تكون نشأت من طفولتنا، وتبقى هذه الأفكار تؤثر في حياتنا.
ويمكنك أن تحاولي تغيير هذه الأفكار من نفسك، وإلا فيمكن الاستعانة بأخصائية نفسية تقوم معك ببعض الجلسات التي تغير فيها من نظرتك لنفسك لتصبح أكثر إيجابية وصحة.
واطمئني بأن هذا التغيير ممكن جدا في هذه الأيام، وخاصة مع تقدم بعض المدارس النفسية وخاصة المدرسة المعرفية السلوكية.
وفقك الله وكتب لك الخير والفلاح.