السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا شاب مصاب بالوسوسة منذ عمري 25 عاما، حيث كنت أوسوس في الطهارة والصلاة، وقبل شهر عقدت قراني بفتاة، ومن بعد العقد بأسبوع قرأت كتابا في الطلاق، وعلمت منه أن الطلاق منه الكناية والصريح، ومن بعدها بدأ يخيل إلي أن كل كلمة تخرج مني كأنني أردت بها الطلاق، وأبدا في الوسوسة، وأتعب من ذلك تعبا شديدا، وكلما حاولت التخلص من الوسوسة بفتوى يأتيني الشيطان بوسوسة أعظم منها.
وفي يوم من الأيام، وأنا نائم بعد صلاة الفجر رأيت في المنام، وأنا أقول لأمي تعبت من الوسوسة سأطلق وسأعقد من جديد بنفس الفتاة قالت لي: طلقها فقلت لها طلقتها، وبعدها استيقظت وأنا متذكر للحلم بكامل تفاصيله، وكأنني كنت مدركا لما أقول، وكنت مرتاحا فما أدري؟ هل كنت مدركا لما أقول أم كنت في حلم؟
مع العلم أن أمي لم تظهر إلا في الحلم، والآن أنا في شك وحيرة من أمري، حيث إني أشك هل كنت نائما؟ ومدركا أم لا؟ وهل وقع الطلاق أم لا؟ أنا في عذاب، وما حكم من يكثر شكه؟ هل يعتبر بشكه؟ وهل نية الموسوس معتبرة
أفتوني مأجورين.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
سيقوم أحد الإخوة المشايخ بإفادتك حول الأمور الشرعية وحول ما ذكرته من وسواس أصابك، وأنا أقول لك من الناحية النفسية: من الضروري أن تعالج الوساوس؛ لأن علاجها أصبح متاحا، وساوسك قد بدأت في عمر مبكر، وأصبحت محتوياتها تتغير وتتبدل، يختفي محتوى معين، ثم يظهر الوسواس في صورة أخرى، وهذه طبيعة الوساوس، وبفضل من الله تعالى الوساوس الفكرية يمكن علاجها دوائيا ونفسيا وسلوكيا.
بالنسبة للأدوية فهي تعمل من خلال تنظيم مواد داخل الدماغ، وهنالك مؤشرات علمية قوية جدا تشير أن الوساوس من أسبابها أو العامل الذي يؤدي في استمراريتها هو وجود اضطراب وعدم توازن في بعض المواد الكيميائية في الدماغ، ومن هذه المواد مادة تسمى (سيروتونين) لذا تعتبر الأدوية ضرورية، ونحن نعتبر أن القاعدة العلمية التي يستند عليها قوية وراسخة جدا؛ لذا إن استطعت أن تذهب لطبيب نفسي، فهذا هو الأفضل والأمثل، وإن لم تستطع فأقول لك أن تناول أحد الأدوية سيكون مفيدا لك، والأدوية متوفرة -الحمد لله- وكلها سليمة وفاعلة، من الأدوية التي ننصح بها كثيرا عقار يعرف باسم (فلوكستين) هذا هو اسمه العلمي، ويسمى تجاريا (بروزاك)، وقد يكون متوفرا أيضا في اليمن تحت مسميات تجارية أخرى.
الجرعة التي تبدأ بها هي عشرين مليجراما، يتم تناولها بعد الأكل، وبعد أسبوعين اجعلها أربعين مليجراما – أي كبسولتين في اليوم – وهذه الجرعة تستمر عليها لمدة أربعة أشهر، بعد ذلك تخفضها إلى كبسولة واحدة يوميا لمدة ثلاثة أشهر، ثم كبسولة يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم تتوقف عن تناول الدواء.
هذا الدواء لا يسبب الإدمان، وليس له مضار - إن شاء الله تعالى - .
أنا أقدر جدا أن الإخوة الذين يعانون من الوساوس يكثر لديهم التردد في تناول الأدوية، وبعضهم لا يرى أي علاقة للدواء في هذه الوساوس، ويرى الأمر كله حديث نفس، أو أنه من الشيطان، ونحن لا ننكر هذا، فالوساوس قطعا الشيطان يلعب فيها دورا، لكن الذي نقتنع به، ونؤمن به استنادا لما ورد في شريعتنا الإسلامية السمحة هو أن الإنسان حين يستعيذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم سوف يخنس الشيطان، وسوف يختفي تماما، لكن لماذا تستمر هذه الوساوس؟ تستمر لأن الشيطان قد يكون هو الذي قذف المتغير الكيميائي في الدماغ، ثم يستمر أثره، هذه نظرية شخصيا قناعاتي بها كبيرة جدا، خاصة أن يوجد حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وأنه يأتي لابن آدم في كل شيء من شؤونه.
فعليه - أخي الكريم الفاضل – كل طرق العلاج يجب أن يلجأ إليها الإنسان، أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم دائما، أن تسأل الله تعالى أن يذهب عنك هذه الوساوس، أن تتناول الدواء، وسلوكيا يجب أن تحقر الوسواس، ولا تناقش الوسواس ولا تحاور الوسواس، هذا أمر مهم جدا؛ لأنك إذا حاورت الوسواس فستحاول أن تخضعه للمنطق لتصل إلى قناعات منطقية حوله أو ضده، وهذا لا يمكن، في نهاية الأمر الوسواس ينتصر حين نخضعه للنقاش، لذا يجب أن يقحم أمامه، ويغلق أمامه إغلاقا تاما، وتحقره وتتجاهله، وهذا من أفضل أنواع صرف الانتباه.
ولا شك أن العلاج الدوائي يساعد كثيرا في تسهيل الآليات العلاجية السلوكية التي تقوم على تحقير الوسواس وصرفه وتجاهله، فكن حريصا على ذلك.
وأنا أؤكد لك أن نوعية هذه الوساوس سوف تختفي، وساوس الطلاق والتشكك فيه كثيرة وهي موجودة، -وإن شاء الله تعالى- تزول عنك وذلك من خلال اتباعك ما ذكرته لك من إرشاد، أرجو أن تأخذ به.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا.
++++++++++++++++++++++
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان، وتليها إجابة الشيخ أحمد الفودعي مستشار الشؤون الأسرية والتربوية:
++++++++++++++++++++++
مرحبا بك – أيها الولد الحبيب – في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يمن عليك بالشفاء العاجل من هذه الوسوسة، فإن الوسوسة داء عظيم وشر مستطير، ولذلك فنصيحتنا لك - وهي نصيحة من يريد لك السعادة والراحة - أن تجاهد نفسك للتخلص من هذه الوساوس، فتعرض عنها بالكلية، ولا تلتفت إلى ما تمليه عليك، ولا تعمل بمقتضاها، ولا تسترسل معها، واعلم بأن هذا هو ما يحبه الله تعالى ويريده منك، وأن الجري وراء هذه الوساوس متابعة لخطوات الشيطان، يسخطها الله تعالى، وليس دينا ولا ورعا.
فإذا أدركت هذه الحقيقة تمام الإدراك، فستجد من نفسك - بإذن الله تعالى – الدافع نحو الإعراض عن هذه الوساوس، وكن على ثقة بأنه ليس ثم علاج أنفع ولا أنجع لهذه الوسوسة من الإعراض عنها، وقد جرب الموفقون هذا الدواء فانتفعوا غاية النفع - بإذن الله تعالى – فكلما وسوس لك الشيطان أنك طلقت فلا تلتفت إليه، فإن اليقين الثابت بقاء عصمة الزوجية، ولا تخرج الزوجة من هذه العصمة إلا بيقين، وذلك بأن تتلفظ بلفظ الطلاق الصريح باختيار منك وإرادة للطلاق، أما إذا تلفظت بالطلاق ولو كان لفظا صريحا وليس مجرد كناية فقط، ولو كان لفظا صريحا إذا تلفظت به تحت تأثير الوسوسة فإنه لا يقع، لأنك في حكم المكره، فالموسوس مبتلى كما يقول العلماء بقوة الدافع وعدم المانع، فالوسوسة تدفعه دفعا لأن يتلفظ وليس ثم ما يمنعه من هذا التلفظ، فهو في حكم المكره، وأنت قد بلغت من الوسوسة مبلغا عظيما، نسأل الله تعالى لك الشفاء.
والوسوسة قد تخرج إلى الإنسان إلى حيز المجانين، فيتصرف تصرف المجانين ويتكلم تكلم المجانين، فاحذر من الاسترسال معها، وجاهد نفسك لقطعها عنك.
وكونك رأيت في المنام ما رأيت مما قصصت علينا، ثم تسأل بعد ذلك هل كنت نائما أم لم تكن نائما؟ ما هو إلا علامة ودليل على مبلغ الوسوسة، ومدى ما وصلته منك، فاتق الله وارحم نفسك، واعلم بأن الله تعالى رحيم بعباده يسر لهم شرعه، ولم يكلفهم ما يحرجهم ويضيق عليهم، ومما شرعه سبحانه وتعالى: عدم الالتفات إلى وساوس الموسوس.
نسأل الله تعالى أن يعجل لك بالشفاء، وأن يذهب عنك شر الشيطان ومكره.