السؤال
السلام عليكم.
أحياناً إذا أراد الإنسان أن يكلم أحداً فقبل أن يكلمه يتصور وجوده أمامه، ويتكلم جهراً بما يريد أن يقول له؛ من أجل أن يؤدي كلامه بأسلوب حسن، وقد يستعمل صيغة النداء دون قصد الطلب، فهل هذا جائز؟
السلام عليكم.
أحياناً إذا أراد الإنسان أن يكلم أحداً فقبل أن يكلمه يتصور وجوده أمامه، ويتكلم جهراً بما يريد أن يقول له؛ من أجل أن يؤدي كلامه بأسلوب حسن، وقد يستعمل صيغة النداء دون قصد الطلب، فهل هذا جائز؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يهدينا جميعًا للخير، وحُسن الأقوال والأفعال، وأن يُصلح لنا ولكم الأحوال.
الشريعة فيها الأخذ بميثاق قوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83]، و(الكلمة الطيبة صدقة)، والإنسان في كلامه مع الناس ينبغي أن يتحرى الكلمات الجميلة، وينتقي الكلمات، ولا مانع من أن يُزوّر الإنسان كلامه –يعني يختارها– كما قال عمر: (ما ترك الصدّيق من كلمة أعجبتني كنت زورتُها في نفسي إلا قال مثلها أو أفضل)، ومعنى ذلك: أن الإنسان في المواقف المهمة يُحضّر كلامه، وقد يتكلم مع نفسه فيقول: (سأقول كذا، وكذا وكذا)، ثم يقول: (لا، هذه الكلمة غير حلوة، سأبدلها بكلمة أفضل منها، الأفضل أن أقول: كذا وكذا) لا إشكال في هذا.
لكن نحن لا نريد أن يصحب هذا توتر وشدّ للأعصاب؛ لأن الأمر أيسر من هذا، والناس يتعاملون بأريحية، مع التأكيد على أهمية أن ينتقي الإنسان الكلمات، وهذا شأن الفضلاء أن ينتقوا الكلمات.
وأذكرُ أنه حدث أنَّا كُنَّا في سيارة لأحد الأساتذة وكان مريضًا، وضللنا طريق المشفى الذي فيه، فقال بعضهم: (يبدو أننا ضللنا الطريق) فردَّ هذا الشيخ وكان مُهذّبًا ينتقي الكلمات، وقال: (لا تقل ضللنا الطريق، ولكن قل: يبدو أننا نسير على غير هُدىً).
فهناك مَن يرفض كلمات (الضلال – الإجرام) يعني بعض الكلمات، وهذا من الأدب الرفيع، فلا مانع من أن ينتقي الإنسان الكلمات التي يريد أن يتكلّم بها، ويتأكد هذا المعنى عندما يكون الذي أريدُ أن أكلّمه وأحاوره أستاذًا وشخصًا أكبر مِنِّي سِنًّا، أو إنساناً له مقام ومنصب، هؤلاء ينبغي أن ننتقي معهم الكلمات، بل مع كل الناس ينبغي أن نختار أجود الكلمات، فنتكلّم بها، ونبتعد عن الكلمات التي تدلُّ (أحيانًا) على معنىً سالب، أو فيها نوع من الفُحش –عياذًا بالله– أو فيها نوع من القوّة، أو كلمة تجرح المشاعر... كل هذا من الأمور المهمة، وهذا من الذوق الرفيع.
ونتعلّم هذا من النبي -صلى الله عليه وسلم-، حتى قال لمَّا قالت اليهود (السَّام عليكم)، غضبت أُمُّنا عائشة، وقالت: فَقُلْتُ: (السَّامُ عَلَيْكُمْ يَا إِخْوَانَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، وَلَعْنَةُ اللهِ وَغَضَبُهُ)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ)، وفي رواية: (مَهْ يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ – أو – يَكْره الْفُحْشَ وَالتَّفَحُّشَ)، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ أَمَا سَمِعْتَ مَا قَالُوا؟ قَالَ: (أَوَ مَا سَمِعْتِ مَا رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ)، وفي رواية: (أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ؟ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ)، فلما قالوا كلمةً قبيحة فيها دعاء على النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (وعليكم) ويُستجاب للنبي ولا يُستجاب لهم.
فإذًا انتقاء الكلمات، والحرص على اختيار كلام جميل، وإعداد هذا الكلام قبل أن نقابل الصديق، وقبل أن أقابل الوزير، وقبل أن أقابل المعلِّم، وقبل أن أتكلم مع مَن هو أكبر مِنّي سِنًّا، كل ذلك من المطالب الشرعية، لكن لا نريد أن يكون هذا مثل الوساوس لابد أن أكون في كل مرة أزوّر وأردد الكلام، وأغيّر وأبدِّل، الأمر أيسر من هذا، لكن أن نقصد الطيب من الكلام فهذا مطلب شرعي.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.