السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أبلغ من العمر 16 عاما، بدأت مشكلتي بعد انفصال والدي، حيث أصبت بحزن شديد وفقدان للشهية، ولا أتناول أي شيء لمدة أسبوع، أبي لا يطيقني إطلاقا، وصرح لي بكرهه الشديد لي، ولا أشعر باهتمام أمي، وصرحت لها بمشاعري تجاهها وغضبت مني كثيرا، وصرحت لي هي أيضا مما حطمني كثيرا، وواجهتني وساوس بأنها هي أيضا لا ترغب بي، صرت أبكي كثيرا، فلا أحد يهتم بي، وأبي يعاملني معاملة سيئة، مما توضح كرهه الشديد لي.
أكره حياتي، وأفكر كثيرا في الانتحار، أبكي كثيرا، لم أعد أهتم لأي شخص، كنت أهتم لأمي كثيرا وأحبها أكثر من أي شخص، لكني تحطمت كثيرا بعد مصارحتها لي، والتي جرحتني كثيرا! كنت أريد الحنان والحب فقط، ولا أشعر أنها وفرته لي، وأحلم كثيرا بحضنها وتقبيلها لي، ما الحل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Amani حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا.
لا شك أن انفصال الوالدين مؤسف ومؤلم، ولكنه في بعض الأحيان يكون ضرورة، لذا جعل الله تعالى الطلاق أبغض الحلال.
هنالك سؤال لا بد أن يطرح، وهو جوهر مشكلتك، وأريدك أن تتأملي وتتفكري في هذا الأمر، والسؤال: لماذا هذه الأفكار السلبية السيئة والمشاعر غير المجدية والجارفة، والتي تعتريك حيال والديك؟
الإجابة هي: اعتقادك أن هنالك كراهية ما تأتيك من جانب والدك ووالدتك، وهذا أمر لا بد أن تتوقفي عنه، الشيء المعروف والمثبت تماما أن حب الوالدين لأولادهما وأطفالهما هو حب فطري وغريزي وطبيعي وجبلي، فالأم لا بد أن تحن على جنينها، هذا حاصل وواقع بالنسبة للإنسان، وبالنسبة للحيوان، وجميع المخلوقات.
أنا أعرف أشخاصا أبناؤهم وبناتهم ربما يكونون في غاية السوء، ونجد لديهم مشاكل كثيرة جدا مع أمهاتهم وآبائهم، وبالفعل يعبر هؤلاء الآباء والأمهات بعنف وإظهار كراهية شديدة لأبنائهم وبناتهم، وذلك انطلاقا من سلوكهم السلبي، لكن حين يأتون إلينا في العيادة نجد الواحد منهم محتارا، نجده يبكي، لأنه بالفعل يحب ابنه أو ابنته، ولكنه فقد الطريق الذي يقنع الابن أو البنت بهذا الحب.
الآباء والأمهات لا يقبلون أبدا أن يتحدث أي إنسان على أبنائهم بالسوء، حتى ولو كان هؤلاء الأبناء في غاية السوء، والمشكلة أنه في بعض الأحيان قد تعبر الأم أو الأب بكلمات أو تصرفات أو إبداء مشاعر قد لا تكون إيجابية أثناء معاملتهم لأبنائهم، لكن هذا لا يعني أبدا وجود كراهية حقيقية، فأنا أريدك حقيقة أن تصححي مفاهيمك، فأنا لا أدافع عن والديك باطلا، لكن أتحدث عن أمر هو من طبيعة وسنن الحياة.
ونصيحتي المهمة هي: أن تتقربي من والديك؛ مهما كانت الفرقة فيما بينكم، ومهما حاول أحدهم أن يسمعك كلاما طيبا، أو سيئا، أو يحاول أن يجعلك أكثر ميولا له على حساب الطرف الآخر، يجب أن تكوني منصفة، ويجب أن تنظري لوالدك على أنه والدك ووالدتك على أنها والدتك، والبر للوالدين هو شرط من أجل الحياة الطيبة السعيدة، وإن افترق الوالدان أو لم يفترقا، فالبر من جانب الأب مطلوب.
إذا أريدك أن تقومي بخطوات إيجابية بمساهمات إيجابية، وتشعري والديك بحبك، واحترامك لهما- هذا مهم وضروري جدا- وأنا متأكد بعد ذلك سوف تتغير الأمور وسوف تجدين أن الحب الغريزي والفطري والجبلي الموجود لدى والديك أصبح يظهر علانية أمام ناظريك، وهذا يسبب لك دافعا إيجابيا عظيما.
الأمر الآخر: لا بد أن ترتبي حياتك وأنت – والحمد الله – في عمر الإدراك وتستطيعين أن تميزي بين الأمور تمييزا سليما، وأستطيع أن أقول لك: يمكن أن تعيشي حياة غير اعتمادية، كوني مواظبة على صلواتك متمسكة بدينك، اجتهدي في دراستك، اجعلي لك صداقات طيبة من البنات الصالحات الطيبات والمتميزات..؛ هكذا هي الحياة.
فإذا: بناء هذه العلاقة الرصينة أعتقد أنه سوف ينفعك دفعا إيجابيا، والنظر إلى المستقبل بأمل ورجاء، والاجتهاد في أمور الدين وأمور الدراسة، وبر الوالدين، وعدم التشاؤم، وعدم الشعور بالفشل -لا يوجد فشل حقيقة، فالذين فشلوا كانوا قريبين جدا من النجاح لكنهم لم يستمروا في محاولتهم-.
الحلول التي طرحتها عليك إن أخذت بها -بإذن الله- سوف تكون طيبة ومناسبة، أما التفكير في الانتحار؛ فهذه أصبحت مصيبة من مصائب زماننا، نسمعها كثيرا من الفتيان والفتيات، تؤلمنا كثيرا لكن -بحمد الله- لا أحد يقدم على هذا العمل الفارغ والكريه، بداية أيتها الفاضلة الكريمة: انزعي الفكرة، وكوني قوية، وأكثري من الاستغفار، والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم.-.
عاودي الكتابة إلينا مرة أخرى لأي استفسارات، ونعتذر عن هذا التأخير الذي تم لظروف فنية.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، اسأل الله لك التوفيق والسداد.