وجِّهوني نحو عمل يتناسب مع التزامي ويمكنني أن أبدع وأتميز فيه

0 325

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أكتب هذه الاستشارة وكلي أمل أن أجد الجواب الشافي المقنع في موقعكم الاستشاري.

أنا شاب أنعم الله علي بالالتزام بالدين، أحافظ على صلاة الفجر مع الجماعة، ولا أقرب المحرمات، وأؤدي ما استطعت من نوافل الصيام والصدقة، مستواي التعليمي عال، فأنا حاصل على درجة الماجستير في الهندسة، وحباني الله قدرات ومواهب في مجالات عدة – علمية، وتقنية، وإدارية - يمكنني استثمارها نحو الأفضل، ولدي أهداف أريد تحقيقها في المستقبل، إلا أن وازعي الديني يجعلني أعيد تقديري للأمور على نحو صائب، واختيار مجال العمل الذي يتناسب مع شخصيتي وتديني.

فبعد مجموعة من التدريبات التي اجتزتها في عدة شركات، استطعت أن أكون صورة عن الميدان المهني الذي يتميز بكثرة الضغوط اليومية، ويتطلب قدرات علمية وإدارية، إلا أنني وقفت على مجموعة من المخالفات الشرعية التي لا ينكرها عاقل، كالاختلاط المحرم، وانتشار الغيبة والنميمة بشكل فظيع، ثم العمل مع أشخاص يحملون أفكارا خاطئة عن الدين والمتدينين، تصل في بعض الأحيان إلى الاستهزاء بالدين، ولا أخفي عليكم - كمسلم ملتزم بدينه - أني أشعر بنوع من الإحباط، وضيق النفس في مجال العمل؛ لما وصلنا إليه من انحطاط أخلاقي، ينعكس سلبا على أدائي المهني.

أريد توجيهاتكم بخصوص اختيار مجال العمل الذي يتناسب مع التزامي بالدين، ويمكنني أن أبدع وأتميز فيه.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.

نرحب بك - أيها الابن الكريم - في الموقع، ونفخر بأمثالك من الشباب الذين عندهم التزام ويملكون هذه القدرات العالية، وندعو أمثالك من الطيبين إلى أن يتقدموا ليقودوا هذه الأمور، وهذه المؤسسات، فلا ننصح بالانسحاب من مثل هذه الساحات، إلا إذا تيقن الإنسان الضياع، أما مجرد الخوف من وجود مخالفات، فإلى متى سنهرب من هذه المخالفات دون أن نسعى في تغييرها؟ والمؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم - كما قال صلى الله عليه وسلم -.

نحن نريد للشباب المتدين أن يثبت كفاءة وقدرة وإخلاصا في العمل، وإتقانا للمهمة التي توكل إليه، ثم نريد للشباب المتدين أن يكون مصدر رحمة لأولئك السفهاء المقصرين المستهزئين، فإن الإنسان لا ينبغي له أن يغضب منهم، ولكن ينبغي أن يشفق عليهم، ويرحمهم؛ لأن المؤمن دائما داعية للرحمة، فهو يتأسى بمن بعث رحمة وهداية للعالمين - عليه صلاة الله وسلامه - والأنبياء صبروا على الاستهزاء، وصبروا على أذى قومهم؛ لأن هذا هو طريق الجنة.

فلذلك نحن نتمنى أن تخوض هذه الميادين، وعندها ستجد صالحين أيضا سبقوك في هذا الميدان وهم زملاء لك، فتعاون معهم على الخير، واجتهد في النصح للآخرين، واحرص دائما على أن تكون في حماية الأعراض وصيانتها، فخير لبنات الناس أن يكون هناك العاقل الملتزم المؤدب من أن يكون ذلك السفيه الذي يعبث بالأعراض، وخير لذلك السفيه أيضا أن يكون إلى جواره من يذكره بالله ويعينه على الطاعة، وأنت تستطيع أن تفعل الكثير، وهذا ما نريده لأبنائنا الكرام من أمثالك، فنحن لا نؤيد فكرة ترك هذه الساحات للسفهاء الذين لا يبالون بأعراض الناس، والذين لا هم لهم إلا القيل والقال، ولكن ينبغي أن نطرح البديل الشرعي، ويدخل الشباب المتدين ليعكس جمال وكمال هذا الدين العظيم الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به.

ونحن ندعوك من هنا إلى خوض هذه التجربة، وسنكون سعداء بالتواصل معك من أجل طرح برنامج دعوي، ومن أجل استخدام وسيلة في دعوة الآخرين، ومن أجل تصنيف الناس حتى تبدأ بالأقرب الذي فيه خير وصلاح، وتستعين بهم - إن شاء الله - على هداية الآخرين، وهداية التوفيق هي من العظيم تبارك وتعالى، وهي بيد الله تعالى، لكن علينا هداية البلاغ وهداية الدلالة، والإنسان يدعو للعصاة بالليل، ثم يدعوهم إلى الله تبارك وتعالى بالنهار.

وإذا صبر الإنسان على أذى هؤلاء فإنه في النهاية ستكون له الجولة، والختام سيكون له، وسيأتي اليوم الذي يعرفون فيه قدره ومكانته، والمتدين الملتزم هو أقدر الناس على العمل والإنجاز، فهو الذي يبدأ يومه بالسجود للفتاح سبحانه وتعالى، والمحافظة على أذكار المساء مع الصباح، يأتي العمل وعنده رسالة ومهمة يريد أن يؤديها، ليست دراهم يقتنيها.

واعلم أن هذه الدنيا هي مكان الضيق والإحباط، لكن المؤمن يتجاوز هذه الصعاب بتوكله على الله، والمسلم كالمصباح، والمصباح لا يقول: (ما بال الدنيا مظلمة) ولكن حسب المصباح أن يقول: (هأنذا مضيء) فامض في هذا الطريق، ونتمنى أن تخوض هذه التجربة، ونحن من ورائك.

نسأل الله لك التوفيق، ونسأل الله أن يعينك على الخير، وأن يهديك، ويجعلك سببا لمن اهتدى؛ لأن صعود أمثالك إلى مثل هذه المواقع يتيح للناس أيضا فرصة في دخول الطيبين، فاليوم ستصبر، وغدا ستصبح صاحب المسؤولية، وعندها ستثبت جدارتك وقدرتك وإخلاصك في العمل، وعندها ستأتي بالطيبين الأطهار الذين يصونون الأعراض، ويؤدون المهام على أكمل الوجوه، وبذلك سيكثر الخير - نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، ونسأل الله أن ينفع بك وبأمثالك، هو ولي ذلك والقادر عليه -.

مواد ذات صلة

الاستشارات