السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بداية أشكركم جزيل الشكر على ما تقدمونه من استشارات، وجزاكم الله عنا خير الجزاء، أما بعد:
زوجي -الحمد لله- متدين وصالح، أحسبه كذلك والله حسيبه هو طيب القلب، وحنون معي في وقت الصفاء، ولكني أعاني من شخصيته العنيدة، وخصامه المتكرر، وأنا شخصيتي من النوع الهادئ، وطويل البال -والحمد لله- ولكنه عكسي يغضب لأتفه الأسباب، ومن الممكن أن يظل أياما دون أن يتحدث معي.
كنت في البداية أتماشى مع هذا الوضع، وأحاول أن أتفهم طباعه وشخصيته، وكنت دائما أبدأ معه الحديث عندما يغضب، وأتودد إليه بكل الطرق، وكان يستجيب معي بعد طول عناء وجهد كبير، وبعد عتاب طويل، ولا بد أن يجعلني أنا المخطئة، وكنت أعتذر منه، وأراضيه بالرغم من أني لم أرتكب أي خطأ، بالعكس هو من أخطأ في حقي، ولكني الآن أصبحت أعاني من هذا، وأشعر أني لم أعد أطيق هذا التعامل، وأصبحت حالتي النفسية سيئة، هل سأستطيع أن أظل على نفس المنوال أصالح من أمامي وأراضيه في حين أنه لا يهتم بمشاعري على الإطلاق.
أرجوكم أجيبوني، كيف أتعامل بطريقة صحيحة معه؟ كيف أتعامل مع شخص يخاصم سريعا وينتقد دوما، ولا يرى الجانب الجميل من الأشياء؟ كيف أتعامل مع شخصية عنيدة في فكرها؟ شخصية لا ترى نفسها مخطئة أبدا في أي تصرف ويرى دوما أصغر شيء أفعله خطأ جسيم؟ كيف أتعامل مع شخص كبريائه وكرامته أهم لديه من زوجته وشريكة حياته؟
كيف أغير من هذا الطبع السيئ لديه؟ لقد تعبت كثيرا من هذا، وربما يبدو موضوعي غير مهم، ولكنني يا سيدي أعاني منه نفسيا كثيرا، وأصبحت في بكاء مستمر لا ينقطع.
أرجو ألا أكون أطلت عليكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أحب ربي حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فالناس تختلف في شخصياتها، فلكل سماته، ويعرف أن حوالي اثنين ونصف بالمائة من الناس شخصياتهم غير متوافقة مع الآخرين، وهذا يسبب صعوبة شديدة جدا في التعامل معهم، وحين أحدد اثنين ونصف بالمائة أعني أن سمة العناد أو سمعة الغضب واضحة وظاهرة للعيان، وفي جميع المواقف؛ لأن التغير في السمات إذا كان ظرفيا ولحظيا ومرتبطا بمواقف، أو مواضع معينة، فهذه لا نعتبرها علة في الشخصية، إنما هي ظاهرة لعب فيها محيط الشخص وبيئته دورا أساسيا.
الشخصية تقيم من خلال خمس آليات، أولا لا بد أن يعرف ما يعتقده الشخص عن نفسه، وإذا كان الشخص موضوعيا ومتجردا يمكن أن يعطي إجابة مفيدة، ونحن كمعالجين نسأل هذا السؤال.
والمعيار الثاني للتقييم هو: ماذا يعتقد الشخص نوعية تقييم الناس له؟ ما هي السمات التي يعتقدها الآخرين حوله من وجهة نظره هو وليس من وجهة نظرهم هم؟
والمعيار الثالث هو: تقييم من حوله له، وفي هذه الحالة نسأل من حوله بعد استئذانه، فمثلا أنت تقييمك لزوجك هو محور ومحور هام، لكنه ليس المحور الوحيد.
المحور الرابع هو: تقييم المعالج – وهذا مهم جدا – وهذا يسمى بالمقياس الإكلينيكي.
المحور الخامس هو: إجراء اختبارات معينة تسمى باختبارات الشخصية.
عموما من خلال هذه الوسائل نستطيع أن نعرف شخصية الإنسان.
أرجع لموضوع زوجك الكريم: أنت تعتقدين أن زوجك عنيد، وأنا بالطبع أقدر لك هذا الذي ذكرته تماما، وأحترم تقييمك، لكن أود أن أنبهك إلى أمور معينة: ما هي درجة تعامل زوجك مع الآخرين؟ أي خارج المنزل، هل يحمل نفس الطباع والسمات في العناد، وسرعة الغضب والانفعال؟ هذا أمر مهم.
إذا كانت الإجابة نعم فهنا تكون علة زوجك علة ثابتة وسمة لازمة له، أما إذا كان هذا الأمر فقط معك أنت، فهنا أقول لك أن الأمر يتطلب منك مراجعة منهجك معه، لا أقول أنك مخطئة، لا، لكن ربما تكون هنالك أشياء بسيطة تستثيره، ويؤولها التأويل الخاطئ، ومن ثم يتخذ مواقفه حيالك.
هذا الرجل رجل طيب، ومحب كما ذكرت، وأعتقد أنه بشيء من الصبر والتفاهم معه يمكن أن تصلي إلى بعض النتائج الإيجابية.
أولا ليس هنالك ما يمنع أبدا أن تنبيهه لسلوكيات الغير مرضية، تنبيهه بكل ذوق ولطف، وفي ساعات يكون فيها متفاهما مسرورا ومرتاحا، وتذكري له أنك ربما تكوني أنت أيضا ساهمت في انفعالاته، فما هو الشيء الاسترشادي الذي يجب أن تلتزمي به أنت وكذلك يلتزم به هو؟
الأمر الثاني – وهو ضروري جدا- حاولي أن تبني صورة إيجابية عنه، حيث إن بناء الصورة السلبية عن الزوج أو الزوجة يجعلنا نلتقط دائما السلبيات ونتناسى الإيجابيات.
ثالثا: أرجو أن تحاوريه وتختاري الأوقات الطيبة الجميلة الذي يكون فيه مزاجه طيب ومزاجك أنت كذلك.
أعتقد إقناعه لن يكون صعبا بأن يحاول أن يقابل أحد المعالجين، وهذا ممكن جدا، هذا الرجل قد يستجيب لتمارين الاسترخاء مثلا، كيف يتعلم أن يطور مهاراته التفاوضية، هذا ممكن جدا، أن يتناول دواء بسيطا للانفعال والتوتر، هذا كله ممكن.
أرجو أن تنتهجي هذا المنهج، ولا تعتبري نفسك منهزمة، ولا تعتبري نفسك مقهورة، ابني صورة إيجابية عنه، وحاولي، وكذلك عليك بالدعاء.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا.