السؤال
السلام عليكم.
تم عقد قراني منذ شهور قليلة، وزوجي أول ما عرفته عرفته كداعية إلى الله وشيخ، وما أحببته أولا إلا في الله، ولكثرة تذكيري به وحرصه على أورادي وصلاتي وعبادتي عامة، لكن بعد فترة أحببته كشخص، وأحببت كل ما فيه، فأحبه حبا شديدا لدرجة الألم، ومجرد أن لا يتصل يوما أو أبعث له رسالة ولا يرد عليها أكتئب، وأبدأ في بكاء شديد، ولا أقوى على هذا.
لفت نظره أكثر من مرة أن غيابه يؤلمني، وطلبت حتى لو كان غاضبا مني مكالمة واحدة للاطمئنان تكفيني، وخاصة أنه من مدينة أخرى، فليس لنا زيارات ثابتة، فلم يستجيب أبدا لرجائي! والقلق يقتلني، وخاصة أنه متزوج، فشيطاني ونفسي يحدثان داخلي بكلمات (ندم، سيتركك، كرهك، لا يهتم لأمرك، لا تعنين له شيئا" هكذا ليل نهار ونفسي وشيطاني يحارباني حربا طاحنة.
أمي تقلل من شأني، ودائمة السؤال: هل اتصل؟ هل هاتفك؟ هل سأل عنك؟ وإن لم يفعل أسمعها تحدث أختي: لو كان يحبها ما أهملها شهرا، لو كان لها قيمة كان زراها في مرضها، علما أن ظروفه صعبة جدا، زوجته ووالدته قلبتا الحياة جحيما حين علمتا بزواجنا، أحاول ما أمكنني أن أهش له وأبش، ولا أعاتب دائما، وأتجاوز عن إهماله أحيانا، وألتمس له آلاف الأعذار، وأن ظروف عمله وبيته الأول وبعد سكننا، ولكن يضيق صدري أحيانا وأشتكي له.
أخيرا قال: إنه لن يستطيع العدل بيننا بعد الزواج لإرضاء أم أولاده، وأنه حتى لن يهاتفني أمامها، قتلني بكلماته هذه "كانت مملكتها وحياتها واستقرارها وأنت من دخلت عليها".
لماذا يشعر بالذنب وهو شيخ، ويعلم أن التعدد حق لا مراء فيه؟ لماذا يعاملني على أني مخطئة في حق زوجته ولا بد أن أحتمل عاقبة فعلتي؟ لماذا يعاملني الجميع على أني مذنبة؟! ومع ذلك حبه تمكن مني، ويقتلني كل يوم وهو يتجاهلني، وعندما يهاتفني ويقول لي كلمة طيبة أتنفس الصعداء، وأفرح وأنسى كل شيء.
ماذا أفعل؟ خاصة وأنه شديد التقلب في مزاجه ويكره العتاب، وأنا سريعة البكاء، وأحب أن أعاتب لأنقي صدري.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هدي الذكر حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نرحب بك ابنتنا الفاضلة، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يقدر لك الخير، وأن يعين هذا الزوج على أن يعدل بينكم، فإن العدل شريعة الله تبارك وتعالى، ورغم أن الشاعر يقول: (وفي الحياة عتاب بين أقوامي) إلا أننا لا نرى كثرة العتاب -خاصة والحالة هذه - فإن هذا الزوج الذي يواجه حربا طاحنة -كما أشرت- في البيت الأول يحتاج إلى نفس هادئة، وإلى زوجة تحسن استقباله، وتحسن التعامل معه، وتلتمس له الأعذار كما حصل منك –جزاك الله خيرا–، ولكن لا نريدك أن تنهاري، أو تظهري له أنك متضايقة، خاصة وقد عرفت أنه لا يحب العتاب، ونحن نرى أنه لا يحتمل العتاب لأنه يشعر طالما أنه شيخ يشعر أنه مخطئ، ويشعر أنه مقصر، والعتاب يزيده ألما، قد يدفعه إلى النفور.
من هنا نحن ندعوك إلى قليل من الصبر، وقليل من الحكمة في التعامل معه، ولا تلتفتي إلى كلام الوالدة أو كلام الآخرين، وطيبي خاطرها، لكن لابد أن تعلمي أن رضا الناس غاية لا تدرك، ولذلك ينبغي أن تعيشي هذه القضية بهذا الفهم.
إذا كنت من يتواصل مع الموقع الشرعي فإننا ندعوك إلى مزيد من الصبر، وإذا قصر في حقك فلا تقصري في الوفاء بما عليك من التزامات تجاهه، وتوجهي إلى رب الأرض والسموات، وذكريه بالحقوق بطريقة لطيفة لا تجرح مشاعره، ولا تزيده غما على غمه الذي هو فيه أصلا.
إذا كنت على علم بأنه متزوج وأن له عيالا فإن هذا أمر ينبغي أن يهون عليك هذه المعاناة، أما الكلمة التي قالها فليس له حق فيها، فالزواج شريعة الله تبارك وتعالى، ولا يلزم من زواج الثانية الاستئذان من الأولى، ولا يلزم طاعة الزوجة الأولى أو طاعة غيرها من البشر في ظلم الزوجة الثانية، فإنه سيقف بين يدي الله تبارك وتعالى ويسأل، وإذا جاء وهو ظالم لإحداكن فويل له ثم ويل له.
شجعوه على العدل، وكوني أنت دائما الأفضل والأحسن والأعقل، ونحن نعتقد أنك كذلك، والدليل هو هذه الروح وهذا الحرص على الستر على الزوج، وهذا الصبر على الأذى الذي يأتيك من الأهل ومن غيرهم، كل ذلك على أنك حريصة على إكمال المشوار معه والارتباط به.
الحياة الزوجية تحتاج إلى تضحيات من الطرفين، لست وحدك، لكن هو ينبغي أن يضحي وأنت ينبغي أن تضحي، هو ينبغي أن يتنازل وأنت تتنازلي ليكون الملتقى في منتص الطريق.
نسأل الله أن يسهل أمرك، وأن يرد زوجك إلى الحق والصواب، هو ولي ذلك والقادر عليه.