السؤال
أنا شاب أبلغ من العمر 29 عاما, وأثناء دراستي الجامعية كنت أفكر بالالتزام بالصلاة باستمرار، وأحاول كل فترة أن ألتزم لأسبوعين أو ثلاثة، ولكن سرعان ما أضيع بعض الصلوات وأقضي البعض، وكان هذا الأمر يزعجني جدا، أكثر من ترك الصلاة نفسها.
أتمتع بأخلاق عالية، وأكره المعاصي والذنوب التي كنت أراها في الجامعة، من اختلاط وعلاقات بين الجنسين، وأنا لا أفعلها أبدا، وأصدقائي ملتزمون إلى حد ما، وكنت أقول لهم ألا تمنعكم الصلاة عن فعل بعض المعاصي، ويقولون لي: أنت أصلا لا تصلي فانصح نفسك, إلى أن قررت عدم الصلاة حتى أتأكد أني لن أتركها أبدا، وهذا ما كان يعيبني, وكانت حياتي طبيعية وجيدة بشكل عام، حتى أنهيت دراستي، وفرحت جدا بتخرجي وأهلي كذلك, فقررت أن أستغل فرصة وقت الفراغ وأن ألتزم بالصلاة، وهذا ما حصل, فقد التزمت بشكل تام، خصوصا مع إنشاء مسجد قريب من بيتنا، -600 متر- أصلي فيه جميع الصلوات الخمس، وأداوم على صلاة الفجر جماعة, وكنت حاصلا على المرتبة الأولى من دفعتي.
عند التخرج إذا بأحد البنوك الربوية يتصل بي من أجل شغل وظيفة، وأخبرني أنهم أخذوا رقم هاتفي من الجامعة، كونهم يبحثون عن المتميزين، فرفضت على الفور، وبعدها عاتبني بعض الأهل، حتى رجع هذا البنك وقام بالاتصال مرة أخرى، ورفضت كون العمل معهم حرام شرعا.
منذ ذلك الحين وأنا أدعو الله أن يعوضني عنه بحلال خير منه في كل صلاة وكل جمعة، وفي رمضان، حيث كنت في العشر الأواخر من كل رمضان، أقوم الليل وأصلي التهجد، وأقرأ القرآن حتى السحور وصلاة الفجر بكل إخلاص، وكنت في قمة السعادة بذلك، وبقيت كذلك, ومنذ ذلك الحين وأنا أبحث عن عمل وأقدم أوراقي سعيا للعمل والرزق، وأدعو الله لي بالتوفيق، ولكني لم أحصل على عمل.
كان أغرب ما يكون أن أخطط لعمل معين، فما إن تتم كل الأمور حتى أجد كل شيء عاد من البداية، وأعود أبحث عن عمل آخر، وهكذا حتى مرت 7 سنوات، وأنا أشعر بالتعجب مما يحصل، حتى أحسست بأن الله لا يريدني، وبدأت تخور عزيمتي، خصوصا عندما أرى أناسا لا يلتزمون ويعملون كل المعاصي، والله يوفقهم في أمورهم، وأنا لا أطلب من الله سوى الرزق وأسبابه، وابتعدت عنهم حتى أحسست أني أعيش بدوامة من الحرمان والضغط النفسي، مع أني باستمرار أطمئن نفسي، حتى أحسست بالتحطم والتعب والإرهاق، وتركت الصلاة، وبدأت أبتعد عن الله، ولا أستطيع الصلاة، مع أني لا أفعل المعاصي.
ذهبت إلى راق شرعي ممتاز، وقال: ليس بك شيء، ولم أخبره بهذه القصة؛ لأنه من الصعب أصلا أن أرويها، فماذا أفعل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ نزار حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
أهلا بك أخي الحبيب في موقعك إسلام ويب، وإنه ليسرنا تواصلك معنا، ونسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك من كل مكروه.
أولا: نحمد الله إليك حرصك على عدم المعصية، ونحمد الله أن من عليك وبغض إليك تلك الأمور، ونحمد الله كذلك أن بارك في عمرك حتى تجاوزت تلك المرحلة، فالمعلوم أخي الحبيب أن الغاية من الدنيا طلب رضا الله والفوز بجنته، ولا يمنع هذا طلب الدنيا، فنعم المال الصالح للرجل الصالح، ولكن رضا الله غاية الغايات، وقد أخطأت أخي الحبيب حين تركت الصلاة في المرتين، فالمرء لا يأمن غضب ربه ولا يأمن أن يقبضه الله وهو على تلك الحالة، فلا ترجع إلى هذا الأمر ولا تختبر ربك.
ثانيا: بعدك عن المعصية أمر محمود، والأجر عند الله مضمون، ويقينا لو كنت ذهبت إليهم وبعت كل شيء لأجلهم والله لم يقدر لك هذا العمل ما حصلت عليه، فهذ العمل لم يكن من نصيبك لا بالحلال ولا بالحرام، لكن الله أعانك ورفضت الأمر لله، فأخذت الأجر على ذلك، ولو ذهبت هناك وأنت تعلم الحرمة لم تكن لتحصل عليه، وفي ذات الوقت كنت ستبوء بالإثم، فاحمد الله على العافية.
ثالثا: ما أنت عليه الآن ليس أمرا مريبا ولا غريبا، فلا تجعل الشيطان يضخم لك الأمر، بل كثير من الناس حولك مروا بما تمر به، وبعضهم توظف وبعضهم انتظر، وكل ذلك لحكمة يعلمها الله، فعليك بالاجتهاد، والثمرة تكون بعد الرعاية، فلا يعقل إذا زرعت شجرة أن تحصد نتاجها، بل لابد من مراعاة كاملة لها، وهذا لا يكون إلا بالصبر وأنت في كل ذلك مأجور، وقد قال سفيان الثوري رحمه الله: (جاهدت نفسي على قيام الليل أربعين سنة حتى وجدت لذتها) فانظر إلى همة هذا الإمام، فلا تجزع، فالدنيا بما فيها ومن فيها في قبضة الملك، والله قد قدر فيها أقواتها، وقدر لك المعاش والعمل، واستمع إلى قول ابن عطاء الله وعقله فقد قال: (لا يكن أمد تأخر العطاء موجبا ليأسك فالله قد ضمن لك الإجابة فيما يختاره لك لا فيما تختاره لنفسك، وفي الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد) فاسلم لله فيما يريد يعطيك ما تريد، واعلم أنه لا يكون إلا ما يريد.
رابعا: قد ذكرت -حفظك الله- أن بعضا من أهل المعاصي قد حصلوا عملا، وهذا أمر طبيعي، فالله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولكنه لا يعطي الدين إلا لمن أحب، والله يختبر عباده الصالحين ليرفع درجاتهم، وقد قال جل شأنه: {آلم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون} فلا بد من الاختبار، واسمع ما قاله الفضيل بن عياض حين اشتكى له جماعة مما اشتكيت منه، فقد كان هناك جماعة من أهل الفجور أمورهم سائرة في المعاصي وحياتهم في رغد، فقال لهم: (هانوا على الله فتركهم ولو عزوا عليه لمنعهم).
أخيرا أخي الحبيب: عد إلى ربك واجتهد في البحث، وأكثر من الدعاء، واعلم أن الله سيرزقك من فضله في الوقت الذي حدده، حتى لا تقرن الطاعة بشيء.
نسأل الله أن يبارك فيك وأن يرزقك من فضله، والله الموفق.