السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاكم الله خيرا على جهودكم الرائعة، أنا أكبر أخواتي البنات، وترتيبي الثالثة بين إخوتي، بمعنى لدي أخوان أكبر مني، وأختان أصغر مني، دائما أدعو أن يرزقني الله الزوج الصالح، تزوج أخي الكبير وطلق بعد أربع سنوات، وتزوج أخي الأصغر منه، ومن ثم تزوجت أختي الأصغر مني، وقريبا سيتزوج أخي المطلق من فتاة اختارها بنفسه، وبالتالي لم يبق إلا أنا وأختي التي في المدرسة.
مشكلتي أني أغار جدا عندما يفتح موضوع زواج أخي المطلق، وأقول في نفسي: لماذا تيسرت أمورهم كلهم إلا أنا؟ لدرجة أني أصبحت أكره نفسي، وأبكي كل ليلة، وأستغفر الله لما أفكر فيه من غيرة وحسد.
أريد من حضرتكم نصيحة وخطة أعمل بها للتخلص من أمراض الحسد والغيرة التي سيطرت علي، مع العلم أني كل ليلة -ولله الحمد- أقرأ القرآن وأدعو الله أن يفرجها علي، وأن أخرج من هذه الحالة، ولكن لا أشعر بالتغير الجذري!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ وفاء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يقر عينك بزوج صالح تسكن إليه نفسك، ونحن نتفهم ما تشعرين به من الحاجة إلى الزواج، وما يعتريك من الهم حين ترين غيرك يتزوج، ولكن هذا بلا شك خلاف الحالة التي ينبغي أن تكوني عليها، ومن ثم فأنت بحاجة ماسة إلى الأخذ بالأسباب التي تخرجك من هذه الحالة التي أنت فيها، وهذه الحالة علاجها يتمثل في نقاط، نتمنى أن تأخذيها مأخذ الجد، وأن تحاولي العمل بها، وأن تتيقني تمام اليقين بأنك لن تنالي السعادة والطمأنينة والراحة إلا إذا عملت بذلك.
أول هذه النقاط: أن تتيقني يقينا جازما أن الله تعالى أرحم بك من نفسك، وأعلم بمصالحك، وأقدر على تحقيق هذه المصالح، ومن ثم فإن كل ما يختاره لك ويقضيه هو المصلحة، وإن لم يظهر لك ذلك، فتأخير الزواج عنك قد يحتوي على مصالح عديدة أنت لا تدركينها، ولكن الله تعالى يعلمها، وقد قال سبحانه في الكتاب العزيز: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} فثقي بتدبير الله تعالى وحسن اختياره، وحسني ظنك بالله أنه لن يقضي لك إلا ما فيه الخير والرحمة بك، فهو أرحم بك من نفسك، وهذا لا يمنع الأخذ بالأسباب للزواج، فإن الله تعالى ربط المسببات بالأسباب، وربط النتائج على المقدمات.
النقطة الثانية: أن تأخذي بالأسباب الشرعية الصحيحة للزواج، وليس من هذه الأسباب حسد الناس على ما آتاهم الله تعالى من فضله، ولا كرههم لما أعطاهم الله تعالى، ولا تمني زوال ذلك عنهم، فإن هذا لن يجلب لك خيرا، إنما العلاج الصحيح ما أرشد الله سبحانه وتعالى إليه في كتابه حين قال: {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله}.
فهذا هو الدواء، أن تتوجهي إلى الله تعالى، وأن تسأليه من فضله، فإن خزائن كل شيء عنده سبحانه، ومقاليد كل شيء بيده، لا يعجزه شيء، إذا أراد شيئا إنما يقول له كن فيكون، فإذا توجهت إليه وطلبت منه فقد توجهت إلى الغني الحميد، الذي بيده مقاليد الأمور، وتكونين قد أخذت بالأسباب الموصلة لك إلى ما تتمنين وتطلبين، ومن ثم فينبغي أن تشغلي نفسك بسؤال الله والتقرب إليه والتذلل والانطراح بين يديه، سؤال اضطرار وافتقار، مع إحسان الظن به سبحانه وتعالى، فإن الله تعالى يقول في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي) وفي رواية: (فمن ظن خيرا فله، ومن ظن شرا فله) فظني بالله تعالى الظن الحسن، وقدريه سبحانه حق قدره، واعلمي أنه لن يقضي لك إلا ما فيه مصلحتك.
النقطة الثالثة: أن تكثري من التوبة والاستغفار، فإن الإنسان لا يحرم إلا بسبب ذنوبه، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: (وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) والاستغفار سبب أكيد لجلب الرزق، كما قال سبحانه: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا}.
النقطة الرابعة: أن تجاهدي نفسك دوما بالإكثار من الدعاء لإخوانك وأخواتك وزوجاتهم، أن تكثري لهم من الدعاء بالخير في الغياب عنهم، وتتمني لهم الخير، وتجاهدي نفسك على ذلك، فإنك إذا دعوت لهم بالخير قال الملك: (آمين، ولك مثل) وبهذا تجاهدين نفسك وتنزعين منها نار الحسد وتطفئينها، فجاهدي نفسك على ذلك، وستجدين أنك تتغيرين يوما بعد يوم.
نحن على ثقة تامة من أنك إذا سلكت هذا الدرب ومشيت في هذا الطريق فإن الله تعالى سيخلف عليك من الراحة النفسية وهدوء البال والطمأنينة والسكينة ما يعوضك عن كل فات يفوتك.
آخر الوصايا أيتها البنت الكريمة: أن تحاولي التعرف على أكبر قدر كبير من النساء الصالحات والفتيات الطيبات، وتكثري من مجالستهن، وهن - بإذن الله تعالى – خير من يعينك في البحث عن الزوج الصالح.
نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يقدر لك الخير حيث كان.