أشعر بحالة من عدم المبالاة بما يخصني دينا ودنيا، فما الحل؟

0 378

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

علمائي الأفاضل، قبل أن ابدأ بطرح استشارة جديدة أرجو أن أجد لها عندكم ما أداوي به العي في صدري ونفسي، أود أن أشكركم على الإجابات السابقة لاستشاراتي، وأنها آتت أكلها وأثمرت في نفسي -ولله الحمد-.

أعاني من مشكلة لولا الأمل في الله لقلت: بأنه لا حل لها !!

فأنا لدي حالة من اللامبالاة رهيبة, لا مبالاة في كل شيء، فأنا أعرف أن الناس منهم صنفان: من هو مهتم بالدين؛ فهذا يبارك الله له دينه ودنياه, وآخر أهمل دينه ولكنه تجده منتجا في الجانب الدنيوي, أما أنا فلا تميز في أمور الدين ولا الدنيا, لا مبالاة في ديني ودراستي وسائر الأعمال التي ألزم بها.

أما في أمور الدين: فأنا وكأنني لن أموت ولن أحشر، ولن أقف بين يدي الله وسائلي عما صنعت فيما خلقني لأجله؟

أحاول قدر المستطاع الالتزام بالدين، ولكن ما أحببت أن ألتزمه فقط!! أي: أنني اقرأ القرآن وأصلي القيام وهكذا من العبادات، ولكن متى أرادت نفسي ذلك ولا ألزمها أبدا؛ لأنني أخاف إن ألزمتها أن تتفلت من بين يدي، وتترك حتى العبادات اليسيرة التي أقوم بها في اليوم والليلة.

مع أنني أحفظ القرآن وأدرس التجويد، وأشارك في العمل التطوعي قدر المستطاع، ولكنني حقا مقصرة في جانب الله، وأستشعر جرأة مني عليه.

أقوم للصلاة غالبا في آخر وقتها، ولا تكون قضاء، ولكنني وددت لو صليتها في وقتها الحاضر، لكنه التسويف والكسل واللامبالاة!! حاولت أكثر من مرة أن أجدد الإيمان في قلبي وألتزم بالصلاة في وقتها، وأن أتبع كلام الله وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- قدر المستطاع, ولكنها أيام وأعود إلى الفتور من جديد.

أما أمور الدنيا: فإن دراستي في ضياع، نعم هي علي صعبة، ولكنني لا أجتهد فيها قدر صعوبتها، فها أنا على مسافة شهر من تسليم مشروع التخرج ولكنني غير مهتمة تماما، والمفترض بي الاهتمام وخاصة بعد النتيجة السيئة جدا في الفصل الأول، فلا أقدمه على الأشياء التي أقوم بها في اليوم، وأنا أقوم بها لأنني أحبها، ولكنني لا أراعي الأهم فالمهم، بل ابدأ بما تميل إليه نفسي وتفعله راضية فرحة به.

وقس على ذلك أمور دنياي كلها، فلكم أن تتخيلوا قدر الفشل الذي أعيشه بسبب الأسلوب الذي أتبعه في حياتي، وهو باختصار -اللاأسلوب- فأنا ليس عندي قاعدة أمشي عليها، بل قاعدتي هي اتباع هواي وما أحب !!! والنتيجة الطبيعية لكل هذا هو عدم الفلاح، وأستشعر عدم التوفيق فيما أصنع وقلة البركة.

أسأل الله أن يوفقكم ويجعل نجاتي، في الدنيا والآخرة على أيديكم، فأنتم ملجئي في الشدائد بعد الله -جل وعلا-.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك -ابنتنا الفاضلة-، ونسأل الله لك التوفيق والسداد، ونؤكد لك بداية أن الشعور بالخطر والشعور بأن اللامبالاة تؤثر عليك سلبا هو البداية الصحيحة والخطوة الأولى للتصحيح، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.

أما ناحية العبادات: فنشكر لك الشعور بالتقصير؛ لأن هذا يحمل الإنسان فعلا إلى المزيد، ودائما الأمر كما قال الله: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون} فالمسلم يجمع إحسانا وخوفا، والمنافق يجمع تقصيرا وأمنا.

أنت -ولله الحمد- على خير ولكن ندعوك إلى مزيد من الخير، وندعوك إلى المسابقة والمسارعة؛ لأن الله لم يدعونا إلى فعل الخير فقط، ولكن مدح الأخيار فقال: {أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون} فالأمر مسارعة بل الأمر مسابقة، بل الأمر فرار إلى الله تبارك وتعالى، فاجتهدي دائما في أن تنظري إلى من هم فوقك في الدين، من أجل أن نتأسى بهم، وننظر إلى من هم أقل منا في الدنيا من أجل أن نحمد الله الذي هدانا لهذا، والذي أنعم علينا بنعم كثيرة، ومن شكر هذه النعم أن نعمل على شكرها، فأنت -ولله الحمد- عندك نعمة الوقت، نعمة فرصة الدراسة، ونعم كثيرة، فلا تضيعي هذه النعم، والمسلم جاد في دينه وفي دنياه؛ لأنه يعمل لدنياه كأنه يعيش أبدا، ويعمل لآخرته كأنه يموت غدا، قال تعالى: {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة} ثم قال: {ولا تنس نصيبك من الدنيا}.

لذلك ندعوك إلى أن تقفي مع نفسك، أن تعلمي أن من كمال الدين وتمامه أن يكون الإنسان جادا في حياته وفي أموره كلها، ولا أظن هناك موعظة أبلغ من أن يفقد الإنسان الثمرة، فيصبح مستواه مهددا ثم لا يجتهد، فالأمر يحتاج منك إذن إلى تجديد العزيمة، إلى تنظيم الوقت، إلى تشجيع النفس، إلى البداية ولو بالقليل، وبعد ذلك سيأتي الكثير -بإذن الله تبارك وتعالى– فحاولي أن تبدئي في الاجتهاد في طلب العلم، وحاولي أيضا أن تحرصي على أن ترتبي وقتك وتنظمي دروسك، حاولي أن تصادقي الجادات في الدراسة، الحريصات على طلب العلم، حاولي أن تطلبي الدعاء من والديك، وعليك أن تدركي أن العمر يمضي، وأن الإنسان يمضي على هذه الأمور، وأن هذه الدنيا لا مكان فيها لمن لا يفعل الأسباب، فالمؤمنة تفعل الأسباب ثم تتوكل على الكريم الوهاب سبحانه وتعالى.

لكننا نريد أن تحسني من نظرتك إلى نفسك، ومن تقييمك لنفسك، فإنك لست بالسوء المذكور، حاولي أن تكتبي لنا بالإيجابيات التي عندك، وبالأعمال التي تقومين بها، حتى نستطيع أن نشجعك وتشجعي نفسك، فإن الإنسان إذا عمل إنجازا قليلا ثم حمد الله عليه وشكر الله عليه، فإنه بشكره ينال المزيد، فاشكري الله على ما أولاك من النعم، واجتهدي في أن يكون الشكر عملا بطاعته، قال العظيم سبحانه: {اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور}.

نحن سعداء بتواصلك مع الموقع، ونتمنى أن نسمع خيرا ونرى خيرا، وأرجو أن تكون لهذه الكلمات -رغم أنها مختصرة– أثرا، نحن نريد أن تتوجهي إلى الله أولا، فإن الإنسان يتوجه إلى الله؛ لأن الخير بيد الله، نريد منك أيضا بعد التوجه إلى الله تبارك وتعالى أن تفعلي الأسباب، فتنظمي وقت الدراسة، وتعيدي ترتيب حياتك حتى تستقيم على ما يرضي الله تبارك وتعالى.

حاولي دائما أن تحسني من نظرتك إلى نفسك، واستعيني بالله، وأكثري من قول (لا حول ولا قوة إلا بالله) واعلمي أن الطاعة تجر إلى أختها، كما أن السيئة تجر إلى أختها، واعلمي أن الإنسان إذا عصى الله كان للمعصية شؤم، وإذا أطاع الله كان لذلك انشراح في صدره وبسط في رزقه ومحبة في قلوب العباد، فتوجهي إلى الله تبارك وتعالى بالطاعات، وأكثري من الاستغفار والصلاة والسلام على رسولنا الإمام.

نسأل الله لك التوفيق والسداد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت إجابة د. أحمد الفرجابي ...... مستشار الشؤون الأسرية والتربوية
وتليه إجابة د. محمد عبد العليم ...... استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أؤكد لك أنني قد اطلعت على رسالتك بكل تفاصيلها، وأنا أشكرك على مشاعرك الإيجابية حيال إسلام ويب.

الذي استخلصته من رسالتك: أن مشكلتك الأساسية هي قبولك واقتناعك باللامبالاة في حياتك، فأنت -الحمد لله- إنسانة مستبصرة، تفرقين بين الخطأ والصواب، والحق والباطل، والخير والشر، والأنفع وما يضر، لكن بالرغم من ذلك تقصرين حيال دينك وأمور دنياك، والإنسان ما دام مرتبطا بالواقع ويملك العقل فهنا يكون الأمر قبولا للامبالاة وقبولا للفشل، وهذا يجب أن يكون غير مقبول.

وأعتقد أيضا: أن دفاعاتك النفسية السلبية أصبحت مسيطرة عليك، بمعنى أنك تسيرين على طريق النكران والتبرير، وهي دفاعات نفسية خاطئة ومعوجة يجب أن تكسر.

إذن الأمر بسيط جدا -أيتها الفاضلة الكريمة– وهو أن تستشعري بمسؤوليتك حيال نفسك، وأن التغيير لا بد أن يكون منك أنت، وأنك مخيرة ولست مسيرة في إخفاقاتك وتقصيرك، ويجب أن تكوني حازمة مع نفسك، وتسلطي نفسك اللوامة عليك، أو ما يمكن أن نسميه بـ (الأنا العليا) كما يحب أصحاب المدرسة التحليلية.

اجعلي هذه النفس نفسا لوامة، وهي نفس فعالة ولطيفة ومكافئة وصارمة، اجعليها تكون هي التي تحكم تصرفاتك، ولا بأس أن تشعري بالذنب وتحاسبي نفسك؛ لأن الأمر هنا يكون مطلوبا.

أنا أرى أن هذا هو الذي تحتاجين إليه وليس أمرا آخر، ومتى ما قمت بتغيير الأسس الجوهرية في تفكيرك أعتقد أنك سوف تعيشين حياة طيبة فعالة آمنة، وهذا هو الذي تودينه وتبتغيه، وأسأل الله تعالى أن يعينك وأن يوفقك.

إذن اتخذي قرارك، واقلبي صفحة الماضي، وانقادي من خلال نفسك اللوامة وليست الأمارة بالسوء، وسوف توصلك هذه النفس اللوامة إلى دائرة الطمأنينة -إن شاء الله تعالى-.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا.

مواد ذات صلة

الاستشارات