السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أفكر في لبس النقاب لكن أبي وأمي يرفضانه، وسمعت داعية يقول بأن طاعة الأم في عدم لبسه أولى من لبس النقاب بما أن وجوبه فيه اختلاف، فما رأيكم -بارك الله فيكم-؟ أريد لبسه لكني أراني غير مهيأة دينيا ونفسيا واجتماعيا له، خاصة وأني أخشى أن أشوه صورة النقاب بنقص ديني، ففي محيطي ينفرون من النقاب، ويعيبون على من تلبسه أن لها عيوبا دينية كبيرة غير جديرة بالنقاب وهيبته ، حتى أني لما أذكره أمام عائلتي يعيرونني بتقصيري في كثير من أمر ديني، ويخبرونني أنه الأولى أن أفكر في معالجة تقصيري في واجباتي، على التفكير في النقاب الذي يرونه رمز الكمال، ويعددون جوانب تقصيري بطريقة جارحة رغم أني أجتهد في طاعة ربي والكمال لله، ثم إن وجوب فرضيته لا يبدو واضحا في القرآن والسنة على حد فهمي، وعلى حد قول فئة من الشيوخ، فهل يعقل أن يكون فرضا ولا يوضحه الله لنا في القرآن مثل بقية الأحكام الواجبة؟ ولا يوضحه أيضا لنا الرسول -صلى الله عليه و سلم- في أي حديث من الأحاديث الصحيحة؟
اعذروا أسئلتي، إنما أبحث عن اليقين حتى تكون قراراتي صائبة صلبة، فأنا على يقين أنه فضيلة لكن إحساسي بفرضيته يقوى تارة ويضعف أخرى لأسباب ذكرتها آنفا.
ومن فرط رغبتي في لبسه وحيرتي في وجوبه من عدمه، خاصة وسط الاختلاف الذي وجدته في فرضيته، كنت أتمنى أن أرى فيه رؤيا إشارة من الله إلى الحق وإلى وجوبه، حتى رأيتني مؤخرا في رؤيا أسأل عن فرضيته، وكأني ذهبت إلى السعودية لأسأل عن فرضيته، فوجدت كأن رجلا نظر إلى وجهي فافتتن به، رغم أن جمالي في الواقع ليس بفتان، فكأني حينها استحييت من وجهي وأردت تغطيته، وفهمت أنها إشارة من الله أنه فرض، ثم لما عدت إلى بلدي وبيتي رأيت ميتا وسألته: هل هو فرض أيضا في بلدي؟ أم يراعى حال البلاد وأنه لباس غير مقبول فيه؟ فأجابني الميت بأنه أيضا فرض، ثم أفقت وأنا لا أدري هل الرؤيا رؤيا حق؟ أم حلم يعبر عن رغبة عندي في أن يكون النقاب فرضا؟
يقيني غير راسخ، وأرجو أن يهديني الله على أيديكم له إن كان فيه خير، وأن تمدوني بمراجع دينية موثوقة عن مسألة فرضية النقاب إذا أمكن، وأسأل الله الثبات.
جزاكم الله خيرا، وبارك الله فيكم ونفع بكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
نرحب بك -أيتها الفاضلة-، ونشكر لك هذا الحرص على الخير، ونسأل الله أن يهيئ لك البيئة التي تعينك على التمسك بهذا الدين الذي شرفنا الله به، وأرجو أن تعلمي أن إصرارك على النقاب سيكون فيه خير كثير، وسيدفع بقية الصالحات والأهل للتمسك به والسير على دربك، فإننا في زمن كثرت فيه الفتن وكثر فيه اختلاط الرجال بالنساء، وإذا أرادت المرأة الخروج فعليها أن تستر وجهها، وخاصة عندما تكون في مواجهة الرجال.
وليس من الضروري الالتزام بهيئة النقاب المعروفة إذا كانت مكروهة، ونحن نعلم أن كثيرا من الجدات والأمهات إذا كن بمحاذاة الرجال كن ينزلن الثوب على الوجه، كما جاء عن عائشة أنها إذا حاذت الركبان سدلت عليها غطاءها، فأرجو أن تنتبهي لهذه المسألة، واعلمي أن رضا الناس غاية لا تدرك، وأن المؤمنة مطالبة بأن ترضي الله تبارك وتعالى، والنقاب فيه خير كثير للفتاة وصيانة، وإذا استغربه الناس وتكلموا عنه، فلا يعنيك كلامهم لأنك تريدين رضى الله تعالى، وإذا اختلف الأشياخ فخذي بمن تثقين بعلمه وخلقه وعلمه وتقواه، وبهذا تكونين أديت ما عليك.
ونقول إن النقاب فيه خير حتى إن وجد فيه خلاف، لكن المصلحة تقتضيه لأنه أصلح للفتاة وأستر وأحفظ لها، وندعوك للتمسك بهذا الأمر، وستجدين من الداعيات الفاضلات المنقبات من خلال القرب منهن التشجيع والخير الكثير، ولا شك أن هناك مسائل للشيخ ابن باز وابن عثيمين -رحمهما الله- ومنها مسألة النقاب، والتي توجد فيه نصوص موجودة، وكون النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمر المحرمة بأن لا تنتقب ولا تلبس القفازين، فهذا دليل على أن غير المحرمة تلتزم بهذا الشيء، إلى غير ذلك من الأدلة والإشارات، وقال تعالى: {يدنين عليهن من جلابيبهن} وهذا الجلباب يكون من أعلى فينزل فيغطي الوجه والنحر، ونحو ذلك، فإذا دخلت في النت وذهبت إلى فتاوى ابن باز وابن عثيمين وغيرهم من المشايخ الكرام، فستجدين الكثير من النصوص والأدلة التي تساعدك على هذه المسألة.
ونحن نتمنى أن تستكملي جوانب النقص عندك، وليس عذرا ترك النقاب لوجود تقصير، فالنقاب مما يعين على بقية الكمال في بقية الجوانب، والناس يضعون معادلة فيقولون أيهما أفضل: فتاة ملتزمة وغير محجبة وغير منقبة؟ أو فتاة منقبة وغير ملتزمة؟ لا، نحن لا نريد هذه ولا تلك، نريد الملتزمة المنقبة، ونريد أن نقول للفتاة الملتزمة، وهي غير منقبة نقول: ما أحوج هذا الجمال والكمال إلى نقاب يستره، ونقول للمنقبة التي عندها بعض النقص: ما أحوج هذا النقاب والستر الكامل إلى خلق وتمسك بهذا الدين.
فاستمري على ما أنت عليه، وحاولي أن تتعاملي مع الوضع بمنتهى الحكمة، ولا تتركي قناعتك لكلام الآخرين، وعليك باسترضاء الوالدة، وزيادة البر لها وتطييب خاطرها، والاحتفاء بكلامها والصبر على ما يأتيك من تعليق، والجهاد في إرضائها، وهذا هو المهم، ثم تنقبي، وإذا غضبت الوالدة لأجل النقاب فلن يلحقك شيء من الناحية الشرعية، لكن ينبغي أن تلاطفيها وتجتهدي في برها، والوالدة والوالد عندما يرفضان هذا بناء على كلام الناس، نحن علينا أن نطيع رب الناس.
ونسأل الله لك التوفيق والثبات، هو ولي ذلك والقادر عليه.