كيف أتعامل مع ظلم وغدر الأب والأقارب لنا بعد إحساننا إليهم.

0 503

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سأحاول اختصار المشكلة: القصة بدأت عندما انفصل والدي عن والدتي وتركنا وأنا عمري ثلاث سنوات، وأخي كان في بطن أمي، أي أنه لم ير أبدا والدنا، المهم استمرت الحياة ولم تكترث والدتي كثيرا؛ لأننا لم نكن نحتاج شيئا؛ فجدتي وجدي كانوا ميسوري الحال، كل طلباتي كانت مجابة خصوصا من طرف جدتي -رحمها الله-، المهم عشت طفولة سعيدة إلى حدود عشر سنوات، رغم أنني كنت أحس بنقص ما، فلقد كنت أشاهد زملائي في المدرسة يأتون إلى المدرسة برفقة آبائهم إلا أنا.

المهم كانت جدتي معروفة في العائلة بكرمها وسخائها الشديد الذي يصل أحيانا إلى حد الغباء، وكان منزلنا لا يكاد يفرغ من كثرة الضيوف، سواء جيران أو عائلة، ولا يتسع الوقت لذكر كل المواقف التي كانت جدتي تفعلها معهم، فقد كانوا يأتون يمكثون عندنا بالشهر والشهرين، ويرجعون محملين بالحقائب والهدايا والملابس، أتذكر تلك الأيام وأبتسم فقد ذهب كل ذلك للأسف أدراج الرياح.

وبعد ذلك ستبدأ مرحلة جديدة من حياتنا بانفصال جديد لكن هذه المرة جدتي وجدي، وتفرق شمل العائلة، لا أدري هل السبب حسد الناس؟ لكن قدر الله وما شاء فعل، وتزوج جدي من جديد وباع المطعم الذي كان مصدر رزقنا، وأيضا المنزل، وأخذت جدتي حصتها وأخذ هو حصته ورحل إلى مدينة أخرى برفقة زوجته الجديدة، ولم يسعفنا في ذلك الوقت سوى حصة جدتي التي وهبتها لوالدتي قبل وفاتها، لكن لم تدم طويلا فاضطرت والدتي إلى الخروج إلى العمل لتأمين مصاريفنا، فكافحت من أجلنا رغم أنها كبرت في دلال، ورغم أن ما كانت تكسبه كان قليلا؛ إلا أنه كان يكفينا -سبحان الله-؛ لأنه بالحلال.

وفي هذه المرحلة انكشفت لي حقيقة أولئك الذين كنا نعتبرهم عائلة، فأين ذلك المنزل الذي كان عامرا بالأصدقاء والأحباب والفرح والضحكات؛ فالأغلبية الساحقة تنكرت لنا إلا من رحم ربي ولو بالسؤال عنا عن طريق الهاتف، ولا أخفي عليكم فقد تعقدت من الناس عامة وفقدت الثقة فيهم، فقد رأيت بأم عيني نفاقهم وتلونهم من أجل مصالحهم.

المهم مرت الأيام وكبرت ودخلت الجامعة، وهنا سيقع شيء غير متوقع وهو ظهور والدي الذي كان قد هاجر إلى مدينة أخرى وتزوج وأنجب فيها، فقد كان هاربا من حكم قضائي بالنفقة التي لم نر قرشا منها، فتعجبت من هذا الأمر؛ فلم نكن نعلم عنه شيئا لسنين طويلة، وقد جاء إلينا وطلب المسامحة وقال: إن الظروف هي التي منعته، وبعد ذلك علمت منه أنه لدي إخوان أصغر مني بنتان وولد، فقلت في نفسي: هم ليس لهم ذنب في كل ما حصل لماذا لا أسامح وأنسى وترجع المياه إلى مجاريها فهم في الأخير من دمي.

المهم تعرفنا على بعضنا وتبادلنا الزيارات رغم أنهم مقيمون في مدينة أخرى، وتم وعدنا من طرف والدي وزوجته بأنه سيجمع شملنا وسيرحلون للإقامة في المدينة التي نحن فيها، وبعد فترة من الزمن طلب والدي من والدتي التنازل له في قضية النفقة؛ لأنه كانت لديه مشاكل إدارية في استخلاص بعض الأموال والمعونات التي تمنحها له المؤسسة العسكرية وبعض الامتيازات فقد كان عسكريا سابقا فكان له ما أراد.

واستمرت العلاقة بيننا عادية لأشهر قليلة، وبدأت اتصالاتهم تقل وعندما سألناهم عن الوعد الذي قطعوه لنا بجمع الشمل وما إلى ذلك قالوا: إنهم لا يستطيعون الرحيل من مدينتهم مبررين ذلك بأسباب ومبررات واهية، لماذا لم تكن هذه الأسباب عندما قطعوا العهد لنا؟ وعندما جاؤوا في أول وهلة طالبين السماح والرضى؟ فتوترت العلاقة بيننا وقلت الاتصالات من جانبنا وجانبهم، وكأنهم كانوا يتحينون الفرصة للتخلص منا، المهم أنا استعذت من الشيطان وبادرت بمكالمتهم لتكون المفاجأة والطامة الكبرى بالنسبة لي، فلا أحد منهم يجيب، لا أختي ولا الوالد قاموا جميعهم بتغيير أرقام هواتفهم ولم يعد أي خط يصلني بهم، حتى البريد الالكتروني قامت أختي الكبيرة بحذفي لكي لا أتمكن من الوصول لهم, وبانت لي الحقيقة المرة جلية فقد نالوا مرادهم بتنازل والدتي لهم, وفتح الجرح القديم في صدري -لا حول ولا قوة إلا بالله- فكيف لي بعد الآن أن أثق في أي أحد مهما كان، فوالله إني خائف الآن أن أفشل في مستقبلي حتى مع الإنسانة التي ستكون شريكتي والتي لم ألتقيها بعد إن كتب لي البقاء.

هذه هي قصتي كاملة، وأنا الآن أعيش فترة صدمة، وأفكاري مشوشة، والمستقبل ضبابي أمامي، فما العمل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مسلم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنرحب بك -أيها الحبيب- ونشكر لك وللوالدة هذا الصمود، ونبشركم أن فاعل الخير لا يقع، وإن وقع وجد متكئا، فسيروا على درب الجدة، وعاملوا الناس بالحسنى، واعلموا أن الذي يسيء إنما يسيء لنفسه، وأن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله.

وستدور الأيام وسيحتاج هذا الوالد وتلك الأسرة إليكم، وعند ذلك نريد أن تكون على الوفاء، وعلى هذا الطريق الذي يرضي الله تعالى، وهذا تحية منا للوالدة على صمودها، وصبرها وسلامة صدرها، وعفوها عن الوالد الذي يظل والدا رغم ما فعل؛ ولذلك ينبغي أن تأخذ الأمور حجمها، وأرجو أن تعلم أن كثيرا ممن فشل آباؤهم نجحوا نجاحا باهرا في حياتهم.

وهذه قصة الرجل الذي كان مدمنا ثم انتهى الإدمان به إلى الذهاب للصيدلي من أجل الأدوية المخدرة، ثم إذا به يقتل الصيدلي ويدخل السجن، هذا الرجل المدمن المجرم كان له اثنان من الأولاد؛ أما أحدهما فقد نجح نجاحا باهرا، وأما الثاني ففشل وسار في طريق الأب حتى انتهى به الأمر إلى الإدمان والسجن، جاؤوا للذي دخل السجن فقالوا ما الذي أدخلك السجن؟ فقال: الوالد، وجاؤوا للذي نجح نجاحا كبيرا فقالوا له ما الذي أوصلك للنجاح: قال تجربة الوالد.

فنحن نريدك أن تمشي في الاتجاه الصحيح، إذا كان الوالد غادرا فلا تكن أنت غادرا، وإذا كان الوالد خان الأمانة فلا تخن أنت الأمانة، وإذا كان الأهل قصروا فلا تقصر، واعلم أن الوالدة سوف تجزى على ما عملت، وأن هؤلاء الناس الذين أتيحت لهم الفرصة لخدمتكم، ثم رأيتم تقصيرهم سيجزون على ما عملوا فلا تحزن عليهم طويلا، وحاول أن تجتهد في الخير وتبني في نفسك عناصر الخير.

واعلم أن الله تعالى هو الغني الذي ييسر أمر الإنسان، فاحرص دائما على أن تكون سليم النية، سليم الصدر، حريصا على ما يرضي الله تعالى، وأنت -ولله الحمد- في عمر يتيح لك العمل والنجاح في الحياة.

وإذا كان هناك أشرار، فهناك أخيار، فالدنيا ليست كما تظن بهذا المنظار الأسود لكونك واجهت الكثير من الغدر والخيانة من القريب والبعيد، لكن وسط هذا الركام هناك أخيار وخيرات صالحون وصالحات، واعلم أن الطيبات للطيبين، وأن الطيبين للطيبات -بإذن الله تعالى-، فالأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف.

لا شك أن هذه المواقف تدعوك لمزيد من العودة لله، ومزيد من الاقتراب من الوالدة والسعي في خدمتها، وتدعوك لمزيد من الحرص على التواصل حتى مع من قصر معك، لتبقى هذه شعرة الرحم، والرحم دائما صعبة، لا تدوم إلا بنسيان المرارات، ونسيان الجراحات، والعلو بالنفس على الهفوات والنزوات؛ لأن الإنسان يريد بصلة الرحم وجه الله تعالى، فاحرص أن تكون أعمالك كلها لله خالصة.

واعلم أن كل من خان وقصر وتنكر سينال العواقب؛ لأن هذه الدنيا مدرسة، فاحرص دائما أن تكون الأفضل، ولا تنظر للحياة بهذا المنظار الأسود، وفي الحياة أخيار وأنت منهم -ولله الحمد- والجدة والوالدة منهم.

اصنع معروفا ولو في غير موضعه*** فلن يضيع معروف أينما زرعا
إن المعروف وإن طال الزمان به **** لن يحصده غير الذي زرعا

وإذا تنكر هؤلاء للمعروف فإن الله تعالى لا يضيع أجر المحسنين سبحانه، فاجعل أعمالك خالصة، واستأنف حياتك بثقة وأمل بالله كبير، واعلم أن هذا الغدر والخيانة منهم لا ينبغي أن يزيدك إلا ثباتا، واعلم أن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط ولا يصبر، فكن أنت ذلك المؤمن الذي يخالط ويصبر.

نسأل الله لك التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات