السؤال
السلام عليكم
أرجو من المشايخ أخذ سؤالي بعين الاعتبار.
أنا من الجزائر، عمري 17 سنة، أعاني من مشكل، هو أنني ضعيف البنية، نحيف جدا؛ إذ أنني أصبحت أحس كأنني غير فعال وغير مرغوب فيه في المجتمع، فأنا أخجل بجسدي خاصة ذراعي، وأحيانا أسيء الظن بالله -عز وجل- وأقول في نفسي لا يمكنني أن أجد امرأة للزواج، فلا أظن أن هناك من تقبل بي، ولا أظن أني سأجد منصب عمل، ولا يمكنني الدفاع عن عائلتي أو ديني أو بلدي، يصل الأمر حتى أنني أبكي على حالي، لكني أستغفر وأتوب هل من حل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خير الدين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فشكرا لك على الكتاية إلينا في موقعنا، وتقبل الله الطاعات في شهر الخير.
صحيح أن لقوة الجسم والطول علاقة بثقة الإنسان في نفسه، إلا أن ضعف بنيتك شيء، والثقة بالنفس شيء آخر، فقد يوجد الإنسان القوي والضخم وصاحب البنية العضلية، وتكون ثقته بنفسه ضعيفة، وقد نجد هزيلا ضعيف البنية إلا أن ثقته بنفسه تبلغ عنان السماء، وربما كانت بعض الأمور التي وردت في سؤالك إنما هي بسبب بعض ضعف الثقة بالنفس.
وتختلف ثقة الإنسان بنفسه من شخص لآخر، وقد تختلف حتى عند نفس الشخص من وقت لآخر، ففي أوقات قد يشعر الشخص بالثقة الكبيرة في النفس، بينما في لحظة من لحظات التردد قد يشعر وكأنه فقد كل ثقته في نفسه، فالشخص العادي والذي ثقته بنفسه لا بأس بها قد يشعر بالتردد وضعف الثقة بالنفس نوعا ما عندما يكون أمام تحد جديد، كأن يقارن نفسه مثلا بالآخرين، وربما يحدث معك عندما تنظر للآخرين وتتمنى لو كنت مثلهم.
وهناك خطوات كثيرة يمكن أن تساعدك لتبني ثقتك في نفسك، وأنت بمجرد الكتابة إلينا في هذا الخصوص فقد قمت بالخطوة الأولى، وهو أنك شعرت بأنك تحتاج لرفع الثقة بالنفس.
حاول أن تتعرف على بعض أسباب ضعف الثقة بالنفس عندك، فبالإضافة لضعف البنية هل هي طبيعة التربية أو وجود من يكثر انتقادك في البيت أو خارجه أو لعل هذا بسبب أنك تشعر أنك مختلف عن الناس الآخرين.
ومما يعزز الثقة بالنفس كثيرا أن تعزز الإيجابيات والنجاحات المختلفة في حياتك مهما كانت صغيرة، هل عندك مواهب أو قدرات، أو هل لديك صفات نفسية جميلة كرعاية الناس والعطف عليهم، وهل يرتاح الناس للتعامل معك، فتعرف على نقاط القوة عندك، وافتخر بها، ولا تكثر من التركيز على السلبيات، فهذا جدير بإضعاف ثقة الإنسان بنفسه.
واشكر الله تعالى على الدوام على النعم التي أنعم بها عليك، فصحيح أن هناك ما يقلقك من ضعف البنية، إلا أن هناك الكثير مما يمكن أن تشكر الله عليه، فالشكر على النعم تزيد ثقتك بنفسك "لئن شكرتم لأزيدنكم".
حاول أن تكون إيجابيا مع نفسك، ومع الآخرين، نعم كن إيجابيا مع نجاحات الآخرين، وحاول أن تنظر لنصف الكأس الممتلئ، وليس فقط للنصف الفارغ، وإن تقديرك لما عند الآخرين يعزز ثقتك في نفسك.
احرص على تقديم يد المساعدة للآخرين فيما يحتاجون، وهذا من أكبر أبواب زيادة الثقة بالنفس عندما يشعر الإنسان بأنه مصدر المساعدة للآخرين، ومن يعطي الآخرين في هذه الحياة فإنه يأخذ أضعافا مضاعفة، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.
وفي نفس الوقت إن مدحك أحد على أمر إيجابي عندك، فلا تتردد في تقبل هذا المدح، واشكر الله عليه بعد شكر هذا الشخص، حاول أن تعبر عن رأيك أمام الآخرين، وإذا رأيت التمسك بهذا الرأي فلا بأس.
وقد تشعر في بعض لحظات وأمام الناس بشيء من ضعف الثقة، والتي لاشك تنتاب كل إنسان، فلا بأس أن تتصنع أو تتظاهر بالثقة في النفس، فهذا لن يضرك، وإنما يعطيك الشجاعة والثقة. تصرف وكأنك أكثر الشباب ثقة بنفسه، ولماذا لا؟ وكما نعلم أن العلم بالتعلم والحلم بالتحلم، وباصطناع الشيء لبعض الوقت، يمكن أن يصبح هذا السلوك طبعا ثانيا عندك.
والرياضة والنشاط من العوامل الهامة لزيادة الثقة بالنفس، فاحرص عليها، وتذكر بأن النجاح يؤدي لنجاح، والثقة القليلة بالنفس يمكن أن تزيد هذه الثقة، وهكذا.
كان الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود ضعيف البنية، هزيل الجسم؛ حيث كان نحيف الساقين، ومرة صعد على شجرة فلم يهتز غصنها من صغر حجمه وخفة وزنه، فضحك بعض الصحابة لذلك، فاخبرهم الرسول الكريم - عليه الصلاة والسلام- بأن ساقي ابن مسعود تزنان جبل أحد، أي أن ساقيه هذه النحيفتين الضعيفتين تعدلان وزن جبل أحد، وهذا الصحابي الجليل ارتقى في إحدى المعارك صدر أبي جهل ليقتله فقال له أبو جهل: "لقد ارتقيت مرتقى صعبا يا رويعي الغنم"، فهذا الرجل الضعيف النحيف قتل واحدا من كبار كفار قريش.
وفقك الله ويسر لك الخير.