السؤال
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
لا أستطيع أن أحب زوجتي، وهنا المشكلة؛ وذلك لأنني كنت أحب امرأة أخرى قبل زواجي منها، والتي لطالما أردت الزواج منها حتى التزمت بالدين، فتراجعت عن ذلك، فقد كانت غير ملتزمة (غير محجبة) بالرغم من قابليتها للالتزام، والتدرج معي في الدين بعد أن أتقدم لها، ولكن من حماسي في الدين طلبت من أهلي أن يبحثوا لي عن فتاة أخرى في الأصل ملتزمة، وبالفعل وجدتها وتزوجت منها، لكن ما ينقصنا هو حبي لها.
قلت لنفسي ليس الحب مهما بل الراحة هي الأهم، فأنا مرتاح من أخلاقها ومعاملتها معي، واستمررت معها حتى بدأت الأيام تكشف لنا عن أهمية ذلك الحب المفقود، فصارحتني بشعورها بفقدانها لحبي لها، حتى قلت لنفسي يجب علي أن أقول لها الحقيقة لعلها تتصبر علي، ولا تلقي اللوم علي في ذلك، فصارحتها بحبي لتلك المرأة - التي قطعت علاقتي بها بعد الزواج، وحاولت أن أنساها وأخرجها من قلبي فلم أستطع - فأخذت تلومني على عدم مصارحتها بذلك الحب قبل زواجي منها، إلا أنها قررت أن تصبر وتتعايش مع هذا الوضع.
أشفقت عليها، وقلت يجب علي أن أعطيها ما تريد، فأصبحت أقول لها: "أحبك" كما تريد محاولا أن أقنع نفسي بذلك، وأصبحت أقوم بكل شيء من باب الواجب والشفقة، فأقول أحبك واجبا، وأخرج معها واجبا حتى وصل بي الأمر إلى مجامعتها من باب الواجب ليس من باب المتعة ، حتى بدأت أقصر في الحياة الجنسية فلا أجامعها إلا ما ندر.
أصبحت زوجتي منزعجة، وأنا بدأت أتعب من هذه الحياة التي تقوم على الإجبار بعيدا عن ذلك الحب الذي يجعلني أقوم بكل ما تريده مني بمتعة وبساطة.
كل ما أخشاه هو ظلمي لها إن فارقتها فالذنب ذنبي، وهي من سيدفع الثمن، فقد لا يأتيها نصيبها فلا تتزوج من بعدي، وإن صبرت ولم أفارقها ثم يكون بيننا أطفالا فأظلمهم، وفي نفس الوقت استمراري معها ظلم لي ولها، فهناك فقدان في الحب، وفي متعة الحياة الجنسية كما أشرت.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عز حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
مرحبا بك أيها الولد الحبيب في استشارات إسلام ويب.
نحن نشكر لك هذه المشاعر الجميلة، كما نشكر لك حرصك على أداء الحقوق الواجبة عليك، وتخوفك من الوقوع في ظلم زوجتك، وكل ما ذكرته ينم عن إنسان حساس مرهف يحمل للآخرين الحب وإرادة الخير، ونحن على ثقة من أن أعمالك هذه وأخلاقك ستجرك إلى كل شيء جميل، فإن الله عز وجل لا يضيع أجر من أحسن عملا.
وما تفضلت به – أيها الحبيب – من إنصافك لزوجتك وذكر ما فيها من المحاسن من التزامها وقيامها بشؤونك، كل ذلك يدل على إنصافك، ونحن نتمنى أن تستعمل هذا الخلق الجميل فيك بشكل أوضح وأظهر، فتقارن مقارنة تامة بين محاسن هذه المرأة ومساوئها، وتتذكر كل ما فيها من الصفات الجميلة، وهذا سيدعوك بلا شك إلى قدر ما من حب لها، ولو لم تصل إلى درجة الحب الكامل، فإن النفس مجبولة على حب الشيء الحسن الجميل، والجمال الأعظم جمال الأخلاق – جمال الباطن – فإنه لا يقل شأنا عن جمال الظاهر، ولذلك أوصانا نبينا – صلى الله عليه وسلم – بالمقارنة بين أخلاق المرأة حينما يجد الواحد منا شيئا من النفرة منها، فقال - عليه الصلاة والسلام – كما في صحيح مسلم وغيره، يقول: (لا يفرك مؤمن مؤمنة – أي لا يبغض مؤمن مؤمنة – إن كره منها خلقا رضي منها آخر).
فهذه وصية حكيمة محكمة لو عملت بها لوجدت نفسك تبتعد شيئا فشيئا عن النفرة من هذه الزوجة، فإنه إن ساءك منها شيء أرضاك منها أشياء كثيرة.
ثم اعلم – أيها الحبيب – أن صلاح الزوجة وقيامها بحق زوجها وأبنائها من أعظم المقاصد التي تطلب من المرأة، وكم من امرأة قد يأسرك ظاهرها وتتعلق بها، لكنك لو قدر لك أن تتزوجها وتعيش معها لذقت الويلات وتجرعت أنواع المرارات، وفي تجارب الناس وأخبارهم ما يغني ويشفي في هذا الباب.
ولذلك نصيحتنا لك أن تتعقل الأمور وتعطيها حقها من التفكير، فإن اختيار الله تعالى لك خير من اختيارك لنفسك، فالله تعالى يقول: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم} ويقول سبحانه وتعالى: {فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا}.
أنت لا تدري كيف سيكون حالك لو كان قدر لك أن تتزوج بتلك المرأة، لا تظن أبدا بأنه بالضرورة كنت ستعيش حياة هانئة سعيدة، فليس الأمر كذلك بالضرورة، ولذلك يروى عن عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه – أنه قال: (ليس كل البيوت يبنى على الحب، فأين الرعاية وأين التذمم؟).
نستطيع أن نعيش – أيها الحبيب – في حياة زوجية هادئة مستقرة حينما تراعى الحقوق ويقوم كل واحد منا بما أوجب الله عز وجل عليه من الإحسان إلى الآخر في العشرة، وأداء الحق كاملا، بل والمسابقة في الإحسان والزيادة عليه، ستبقى الحياة وتستمر حياة هادئة مطمئنة آمنة، فلا تظن أبدا أن الحياة لن تقوم إلا إذا كنت محبا للمرأة، صحيح أن هناك قدرا من السكينة قد يفقد حينما لا تجد الميل الكامل تجاه زوجتك، لكن في المقابل أيضا – أيها الحبيب – الصحيح كذلك أنك لو تزوجت بتلك المرأة التي كنت تحبها ستفقد أشياء كثيرة قد لا تجدها فيها، فلا تظن أن شيئا سيكتمل.
ولذا فنصيحتنا لك أن تتدبر الأمور حق التدبر، وتحاول تذكر محاسن زوجتك ولو أن تسجلها على ورقة أمامك، وتتذكر جميع ما فيها من الخصال والصفات الحسنة، وأن تكون منصفا بتذكر هذه الصفات والخصال، فإنها ستدعوك إلى محبتها، وتغرس فيك نوعا من الميل إليها.
لا تفكر في فراق زوجتك فإنه ليس من الخير أن تفعل ذلك، وإن كان يجوز لك أن تفعل، ولكن الله تعالى يقول: {والصلح خير} فالصلح بين الزوجين خير من الفراق بلا شك، لا سيما مع وجود الأطفال.
نسأل الله تعالى أن يقدر لك الخير حيث كان ويرضيك به.