السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أنا طالبة في الثانوية العامة، ومشكلتي أني أخاف من الدعاء كثيرا، فإذا دعا إنسان علي بالشر فإني آخذ هذا الدعاء بجدية، وأشعر أنه سيتحقق؛ لأني مؤمنة أن هناك ساعة دعاء مستجابة، وأظن أن دعاءه في هذه الساعة ربما يكون الدعاء فيها مستجابا، فمثلا أنا أهتم بدراستي كثيرا، ولا أحب أن يدعو علي أحد بأن لا أتفوق في دراستي، أو أن أرسب.
أخاف أيضا من مديح الآخرين لي بأني متفوقة، وعدم قول ما شاء الله، وأنا أحيانا أدعو على نفسي بالشر في بعض الأحيان دون قصد مني، أي أن هناك شيئا داخليا - وليس بإراداتي - يجعلني أدعو على نفسي بالشر، ولكني بعد ذلك مباشرة أغير رأيي، وأشعر بالندم، وهذا الأمر يؤثر على نفسيتي، ويجعلني أفقد التركيز في دراستي، فعندما أدرس أفكر كثيرا بهذه الأمور، ولا أنفك أقول لنفسي: لماذا تدرسين فلا جدوى من دراستك؛ لأنك سترسبين بسبب الدعاء عليك بالرسوب، وعدم التفوق في الدراسة، مع العلم أن دراستي مهمة جدا بالنسبة لي، فهي مستقبلي.
أريد أن أسألكم: هل يستجيب الله الدعاء علي بأن أرسب وألا أتوفق في حياتي إذا كان هذا الدعاء في ساعة الدعاء المستجابة؟ فعندما أتشاجر مع أخواتي في بعض الأوقات يدعين علي بأن أرسب وألا أتفوق، فهن يعلمن أهمية هذا الأمر بالنسبة لي، وأني أخاف من الدعاء كثيرا فهل يستجيب الله دعاءهن علي بأن أرسب وألا أتفوق في دراستي؟
أرجو منكم أن تفيدوني - جزاكم الله خيرا -.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ عزة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت, وعن أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يبارك فيك، وأن يوفقك في دراستك، وأن يجعلك من سعداء الدنيا والآخرة، وأن يرد عنك كيد الكائدين, وحسد الحاسدين, واعتداء المعتدين.
وبخصوص ما ورد برسالتك - ابنتي الكريمة الفاضلة – فإنه مما لا شك فيه أن الدعاء في غاية الأهمية، وأن له تأثيرا عجيبا، بل إنه قد يغير أقدار الله تبارك وتعالى، وقد يحول الإنسان من حال إلى حال، بل إن الله تبارك وتعالى قد استجاب لدعوات بعض عباده فدمر أمما كاملة وشعوبا عن بكرة أبيها، كما دعا نوح – عليه السلام – على قومه فأهلكهم الله تبارك وتعالى، وكما دعا موسى – عليه السلام – وأخاه هارون على فرعون فأغرقه الله عز وجل هو وجنوده وكانوا ظالمين، وكما دعا زكريا – عليه السلام – أن يرزقه الله الولد بعد أن وصل عمره إلى أكثر من مائة عام، فرزقه الله بيحيى – عليه السلام -.
فالدعاء مهم جدا وخطير جدا، وهو سلاح مؤثر وفاعل، وإذا كان الإنسان صادقا في دعائه ولم يكن معتديا ولا ظالما فإن الله يستجيب له.
ولكن أحب أن أبين لك أن القضية ليست على هوى الناس، فليس كل إنسان يدعو عليك يستجيب الله له، ولا حتى دعائك على نفسك أيضا؛ لأن الله تبارك وتعالى رحمن رحيم, ولأن الله عليم حكيم، ويعلم كل شيء، فأحيانا الواحد منا قد يدعو على نفسه ولكن الله لا يستجيب له رحمة به، إلا أنه لا ينبغي له أن يدعو على نفسه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: (لا تدعوا على أنفسكم) لماذا؟ (لئلا توافقوا ساعة إجابة فيستجيب الله لكم) أو كما قال - صلى الله عليه وسلم - .
فعليك أول شيء أن تتوقفي عن الدعاء على نفسك أبدا، فلا تقومي بذلك مهما كانت الأسباب والدواعي؛ لأن الله تبارك وتعالى قد يستجيب لك دعاءك، وإذا كان رغما عن إرادتك أو سبق لسانك بالدعاء فإنه لن يؤثر فيك - بإذن الله تعالى – أما لو أنك دعوت فعلا بيقين وبإخلاص فإن الله تبارك وتعالى يستجيب لك.
كذلك أيضا دعوات الآخرين عليك، ما دمت لم تظلمي أحدا ولم تعتدي على أحد فلا تشغلي بالك بأحد؛ لأن الله تبارك وتعالى يعلم السر وأخفى، ولأن الله تبارك وتعالى لا يحب الظلم، بل إن الله تبارك وتعالى لعن الظالمين وغضب عليهم.
وإذا كانوا يدعون عليك ظلما وعدوانا فلا تشغلي بالك لا بدعاء الوالدة, ولا بدعاء الوالد, ولا بدعاء الإخوة, ولا بدعاء الأخوات ما دمت لم تظلمي أحدا، لكن المهم أن تحرصي أن تتعاملي مع الناس بالمعروف، وألا تعتدي على أحد، وتأكدي أن الله لن يستجيب دعاء صاحبه معتد؛ لأن الله تبارك وتعالى قال: {ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين}.
ومن الاعتداء: الاعتداء في الدعاء، بمعنى أن أدعو على إنسان ظلما وعدوانا، فيقينا لن يستجيب الله تبارك وتعالى مثل هذه الدعوات.
فإذن ركزي - بارك الله فيك – على علاقة طيبة مع الله تبارك وتعالى أولا.
ثانيا: ركزي على علاقة حسنة مع أقرب الناس إليك، خاصة الوالدين والإخوة والأخوات، وكذلك بقية المجتمع المسلم.
ثالثا: اجتهدي في مذاكرتك, ولا تشغلي بالك بدعاء أحد عليك؛ لأن الدعاء ليس لعبا، فالدعاء لا يخضع لرغبات الناس ولا لأهوائهم، وإنما الدعاء هذا من قدر الله تعالى، ولا يقع إلا بإرادة الله عز وجل، فاجتهدي في أن تكوني على علاقة حسنة مع الناس، وعاملي الناس بما تحبين أن يعاملوك به، وخذي بالأسباب، واجتهدي في المذاكرة، ولا تلتفتي لدعاء أحد مهما كان شأنه, ومهما كان تقواه, ومهما كان صلاحه، ما دام معتديا وظالما وأنت لم تعتدي عليه, ولم تظلميه, فلم ولن يستجيب الله لدعائه؛ لأن الله تبارك وتعالى يستجيب للمظلوم كما أخبر - صلى الله عليه وسلم -: (دعوة المظلوم مستجابة)، وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه.
فأهم شيء ألا تظلمي أحدا، وأن لا تعتدي على أحد، ولا تفكري بعد ذلك في دعاء من يدعو عليك كائنا من كان؛ لأن الله تبارك وتعالى - كما ذكرت لك – لا يحب الاعتداء في الدعاء، ومن الاعتداء في الدعاء أن أدعو على إنسان بغير ذنب وبغير جريرة، وإنما لمجرد إخافته أو إدخال الحزن عليه، كما يحدث معك, خاصة أنك تهتمين بأمر الدعاء.
إذن لا تشغلي بالك – يا بنيتي – وحافظي - ابنتي عزة - على مستواك الدراسي، ولا تعبئي بالدعاء ما دمت لم تظلمي أحدا, ولم تعتدي على أحد، وثقي وتأكدي من أن هذه الدعوات كلها لن يستجيب الله لها، حتى دعائك على نفسك ما دام يخرج من لسانك دون إرادة منك, فإن الله لم ولن يستجيب له؛ لأنه أرحم بك من أمك التي ولدتك.
أسأل الله أن يفتح عليك، وأن يوفقك لكل خير، وأن يرد عنك كيد الكائدين، إنه جواد كريم.
هذا وبالله التوفيق.