السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أحب أن أكون من المخلصات لله، ومن الصالحات، تأخر رزقي سواء زواج، أو ظيفة، وأنا أعيل نفسي منها وكبرت في العمر، هل إذا دعوت الله أن يرزقني زوجا صالحا يعييني في هذه الدنيا، ورزقا حلالا طيبا يغنيني عن خلقه، فمعناه أني أصبحت أحب الدنيا.
أنا -الحمد الله- مقتنعة بأن الله ما أخر زواجي، أو رزقي إلا لحكمة وهي خير، لكني كبرت ولا أحد يتقدم لي ولا أخواتي، والمجتمع لا يرحم، وكلام الناس.
الزواج رزق من الله، فهل إذا دعوت الله بالزوج الصالح معناه أني أطلب شيئا خاطئا؛ لأنه لو خير كان رزقني به الله، أي أني أسأل الله ما ليس بي له علم.
بدأت بحفظ القرآن، ولا أريد شيئا يلهيني عنه، لكني أحس بخوف من المستقبل، خصوصا في ظل الأوضاع التي نعيشها من الفتن، وأحس أني بحاجة إلى زوج صالح يعييني، وينصحني في أمور الدين ويساندني ونبني أسرة صالحة، ثم أرجع فأقول: لو أن الزواج خير كان يسره الله لي، فماذا أفعل؟ هل ألح بالدعاء لله أن يرزقني وأخواتي أزواجا صالحين عسى أن يستجيب لنا.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ المؤمنة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في الموقع، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يعجل بالفرج عليكم، وأن يقدر لكم الخير حيث كان ثم يرضيكم به، ونشكر لك الرضا بقضاء الله وقدره، ونهنئك على هذه الروح، ونحب أن نبين لك أن الرضا بقضاء الله وقدره لا يعني أن يمتنع الإنسان عن الدعاء، فإن الدعاء من قدر الله، والمسلمة تعالج أقدار الله بأقدار الله، والله ربط الأمور بأسبابها، ومن أسباب الفرج والنصر والتأييد والخير الدعاء واللجوء إلى الله تبارك وتعالى، والله هو القائل: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} ولا مانع من أن يرفع الإنسان حاجته إلى الله سواء كانت حاجة دنيوية أو أخروية، مع أن الزواج من الأمور الهامة التي تعين الإنسان على حسن التدين وعلى الاستقرار في حياته، ومن تزوج فقد استكمل نصف الدين فليتق الله في النصف الآخر.
إذا لا تعارض ولا حرج، ولا يعني ذلك أن الأمر مرفوض، بل ينبغي للإنسان أن يتوجه إلى الله تبارك وتعالى ويسأله الصلاح في الذرية، يسأله الزوج الصالح، وهتاف الأخيار في كتاب ربنا: {ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما}، وهتافهم: {رب هب لي من الصالحين} وهتافهم: {رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء} دائما دعاء الأنبياء بالذرية والولد وبالأسرة، هذا دعاء موجود، والإنسان ينبغي أن يسأل الله تبارك وتعالى دائما من هذه الأمور؛ لأن هذا مما يعين على الدين، كما أن الولد الصالح في ميزان حسنات الإنسان، لأنه بعد أن يموت يبقى له بعد ذلك صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له، هذا الولد -سواء كان ذكرا أو أنثى- يصدق عليه لفظ ولد من الناحية الشرعية، وهو في ميزان حسنات والديه.
فالزواج فيه خير كثير، لذلك قال ابن الجوزي -رحمة الله عليه- يقول: لما علمت فضل طلب الولد سألت الله أن يرزقني صالحة، وأن يرزقني منها عشرة أبناء، قال: (فرزقنيهم)، فلاحظي هذا، إمام يتوجه إلى الله أن يرزقه امرأة صالحة، وأن يرزقه منها عشرة أبناء، قال: (فرزقنيهم) فكانوا خمسة ذكور وخمسة إناث، فمات من الذكور أربعة، ومات من الإناث اثنتان، وهو مأجور في كل الذين عاشوا وفي الذين ماتوا، يؤجر، لكن لاحظي الفكرة (سألت الله أن يرزقني صالحة، وأن يرزقني منها عشرة أبناء) وهذا إمام من أئمتنا، الإمام ابن الجوزي صاحب (زاد المسير) رحمة الله عليه، دعا بهذا الدعاء.
فلا مانع من أن نسأل الله تبارك وتعالى الرزق الواسع الحلال، ولا مانع من أن نسأل الله من خيري الدنيا والآخرة {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} حتى قيل في حسنة الدنيا: المرأة الصالحة، وهي تشمل المرأة الصالحة وغيرها، تشمل الرجل الصالح وغيره؛ لأن هذه من حسنات الدنيا ومن الخير الكثير للإنسان.
فتوجهي إلى الله وأكثري من اللجوء إلى الله تبارك وتعالى، ونسأل الله أن يسهل أمرك، وأن يلهمك السداد والرشاد، وهذا من الرضا بقضاء الله، بل من استخدام الدعاء، وهو سلاح أمرنا به {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} وقال: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} ومعنى فليستجيبوا لي: أي فليدعوني ويجيبوني فيما أمرتهم لعلهم يرشدون ويهتدون.
فالإنسان يسأل الله تبارك وتعالى، يسأله الخير الذي عنده، وبيد الله مقاليد الدنيا والآخرة سبحانه وتعالى {وما من دآبة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} فما من دابة على وجه هذه الأرض إلا والله رازقها، وإلا هو يراعها، وإلا يوفر لها سبل العيش، فالجئي إلى الله تبارك وتعالى، فإن خزائنه ملأى لا تنفد، فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وهو على كل شيء قدير.