السؤال
السلام عليكم...
أنا سيدة متزوجة وعاملة، وأم لطفلين، أحدهما في الثامنة من العمر، وهو بالصف الثالث، والآخر طفلة في الخامسة من العمر، وهي بالروضة.
أعاني من عدم طاعة طفلي لأوامري، وعدم إلقاء البال لكلامي، والاستهانة بعقابي لهما، فهما يتحركان كثيرا، سواء في المدرسة أو البيت أو أي مكان، خاصة الصبي، فهو عنيد جدا، مشاغب، غير مطيع، قليل التركيز، أحيانا مشتت التفكير، قليل الاستيعاب، كثير اللعب، ومغرم بمشاهدة التلفاز.
شخصيته هذه تثير غضبي وغضب والده، وقد أثر على أخته فصارت تقلده، ووصلت لدرجة لا أطيق رؤيتهما أحيانا، وهذا يجعلنا – أنا ووالده - نعاقبه إما بحرمانه من اللعب أو الضرب أحيانا، فقد باءت وسائل اللين معه بالفشل، إضافة أن سلوكه أثر على وضعه في المدرسة، حيث تردنا شكاوى كثيرة عن مشاغبته، وعدم الاستماع للمدرس، وحركته الدائمة في الصف.
سؤالي: كيف يمكنني احتوائه؟ وما هي الطريقة المثلى في التعامل معه؟
ولكم جزيل الشكر والاحترام.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Hamida حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في الموقع، ونشكر لك الثناء على الموقع، ونؤكد لك أن هذا واجبنا، وشرف لنا أن نكون في خدمة أبنائنا وبناتنا وأخواتنا وإخواننا، الذين نسأل الله - تبارك وتعالى - أن يصلح لنا ولهم النية والذرية، وأن يلهمنا جميعا السداد والرشاد، وأبشرك بأن ما يحدث من الأطفال أمر طبيعي، وأن عدم الطبيعي هو هذا الضيق الذي يصدر عنك، فالأمر يحتاج إلى صبر، ونحن نقدر أن انشغالك بالعمل يجعل صبرك قليلا على هؤلاء الصغار، ولكن ينبغي ألا نحرمهم من طفولتهم ومن لعبهم ومن الحركة، فإن كثرة الحركة دليل إيجابي، وهي مظهر من المظاهر المهمة التي تدل - إن شاء الله تعالى – على حيوية ونجاح، ومن حقهم أن يتحركوا وأن يلعبوا، بل من حقهم أن نشاركهم، بل من واجبنا أن نشاركهم اللعب والحركة والضحك وندخل عليهم البهجة.
وإذا كنت أما عاملة موظفة فنحن ندعوك إلى الآتي:
أولا: أن تحسني وداعهم، تمسحي على رؤوسهم، تدعي لهم قبل الخروج، وإذا رجعوا كذلك تحضنيهم وتقربيهم وتجعليهم يناموا ليرتاحوا، قبل النوم أيضا تمسحي على رؤوسهم بلطف، وتحكي لهم قصة جميلة عن بر الوالدين، أو عن قيمة من القيم العظيمة، ثم تجعليهم ينامون.
ونتمنى أن تخصصي لكل واحد أيضا ما يستحقه من الوقت والاهتمام، ونرجو أن يكون لوالدهم دورا كبيرا جدا في التعامل خاصة مع الأكبر، لأن الغيرة بينهم والشجار والذي يحدث يدل على أن هذا الطفل ينبغي أن يكون له جو آخر، ينبغي أن يخرج أحيانا من البيت مع والده إلى المواطن الطيبة كالمسجد أو نحو ذلك أو مكان الصلاة، ثم يعود، لأن هذا فيه نوع من التغيير ونوع من ربطه بوالده، وسيخفف من درجة الغيرة الحاصلة بينه وبين أخته.
نتمنى أن تكوني هادئة، وأن تحتملي منهم الشجار، لأن الشجار طبيعي، ويستفيدون من الشجار، وينتفعون من خلال الشجار، الدفاع عن ممتلكاتهم، اختبار قدراتهم، الحفاظ على ملكياتهم، احترام خصوصيات الآخرين وحقوقهم، هذا كله يتعلمه الطفل من خلال الشجار، فما ينبغي أن نرفض شجارهم أو نعلن عجزنا وعدم صبرنا وضيقنا عندما يتشاجرون، لكن إذا وصل الشجار إلى مرحلة خطيرة كأن حمل شيئا حادا تجاه أخته فعند ذلك نتدخل، وعندما نتدخل أيضا من دون كلام، لا نقول ( أنت سبب المشاكل، وأنت راعي المشاكل، وكذا ) وإنما نفرق بينهم، ثم نعطيه وظيفة ( روح يا فلان افتح الباب ) ونعطي البنت وظيفة، ثم نحاوره على انفراد، فنعزز المعاني الإيجابية (أختك تحبك، أخوك يريد لك الخير، وكذا) ثم بعد ذلك نشغلهم في نشاط جماعي (هيا نرتب المنزل ) يعني بهذه الطريقة سننسيهم الإشكالات الكثيرة والتوتر الذي يحدث.
أرجو كذلك أن تكون التعليمات واضحة بدون صراخ، مركزة، قصيرة، بنبرة هادئة، وأرجو كذلك إذا أردنا أن نسائلهم أن نبين لهم السبب، إذا أردنا أن ننهاهم لا بد أن نبرر، لما نقول ( لا تجلس هنا ) نقول ( لأن الإنسان إذا جلس دون مذاكرة لن ينجح، وأنت تريد أن تكون طبيبا، تريد أن تكون مهندسا ) حتى نملكهم، أما مجرد الأوامر المجردة فإنها لا تزيد الأمر إلا تعقيدا.
كذلك ينبغي أن يكون جو البيت مناسبا عندما نعطيهم تعليمات، فلا نأتي والطفل مندمج مع اللعب، نقول ( قم للدراسة، قم للنوم، وغيره )، كذلك ينبغي ألا تكون التعليمات كثيرة، فإنها تحمل على العناد.
ينبغي كذلك ألا نعطي طلبات تحتمل إجابة بـ ( لا ) أو ( نعم )، ( تذاكر أو لا تذاكر )، سيقول ( لا أذاكر )، ( تأكل أم لا تأكل ) سيقول ( لا آكل ) لكن نقول ( الطفل الممتاز يذاكر - فلان ممتاز ونحن متأكدون أنه سيذهب للمذاكرة - الطفل الممتاز يترك التلفاز ويذهب للفراش لأن وقت النوم حصل – نحن متأكدون أن ابننا وبنتنا ممتازون، ولذلك أتوقع أن يتركوا التلفاز الآن بعد دقائق ) يعني بهذه الطريقة بحيث تكون المسألة إيجابية، بدلا من أن أقول: ( اترك التلفاز ) نقول: ( حان وقت النوم ) يعني عبارات إيجابية، عبارات جميلة، ونبرة هادئة، وبلمسات حانية.
ونتمنى أيضا أن تعرفي مقدار النعمة، فإن هذه نعمة من الله - تبارك وتعالى - أن يكون لك أطفال، فلا تفكري بهذه الطريقة فتقولي ( تمنيت لو أني لم يكن لي أطفال ) الذين ليس لهم أطفال بينهم وبين السعادة مسافات بعيدة، وبينهم وبين الاندماج في هذه الحياة مسافات بعيدة، لأن المرأة لا تتحقق عندها معاني الأمومة الحقة إلا بإنجابها للأبناء، ونؤكد أن السعادة الفعلية في أن نعمر بيوتنا بطاعة رب البرية، وقلوبنا بحب الله وبذكره وبشكره وحسن عبادته.
نتمنى ألا يظهر عليك الانزعاج، نوصيك بكثرة الدعاء، نوصيك بأن تكون هناك خطة موحدة، نوصيك بأن تدركي بأن هؤلاء أطفال صغار والأصل أن يعلبوا، هذا الأصل أنهم يعلبون، يتحركون، وإذا لم يتحركوا هذا هو الإشكال، لكن كونهم يلعبون ويتحركون فهذا هو المطلوب.
بالنسبة للمدرسة: أرجو زيارة المدرسة، والتفاهم مع المعلمات أو المعلمين إذا كان الأب يذهب، يتفاهم معهم، يبين لهم أن يحاولوا تشجيعه، أن يحاولوا الاستفادة من هذه الطاقة الزائدة، فإن المدرسة ما نريد أن تقول ( هذا مزعج وكذا ) لا، إذا كان الطالب مزعجا وخاصة إذا كان يفهم ومستواه العلمي جيد فإن هذا دليل على أنه بحاجة إلى مزيد من الوظائف، بحاجة إلى أن يكلف بمهام اجتماعية كريادة الصف أو نحو ذلك.
وما يحصل منه من أنه لا يركز في بعض الأشياء، لأن اللعب يطغى على باله، وهو يحرص على اللعب، أما إذا كان عدم التركيز هذا دائما وله ارتباط بالحركة، فقد نحتاج إلى أن يعرض على طبيب، لكن لا أظن أن المسألة تصل لهذه الدرجة، ففرط الحركة هي الحركة التي ليس لها أهداف، ويتحرك بدون هدف، لكن هذا يتحرك بهدف، يشاهد التلفاز، يريد كذا، فالمسألة - إن شاء الله تعالى – على الخير، لكن طريقة التعليمات، طريقة الطلبات لا بد أن تكون هادئة، وعليكم بالدعاء.
ونتمنى أن تتواصلوا معنا حتى نتفاهم في وضع الحلول الناجحة، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد، ونسأله - تبارك وتعالى - أن يصلح لنا ولكم النية والذرية.