السؤال
السلام عليكم
أنا فتاة أبلغ من العمر 22 عاما، وأنا مريضة بالوسواس القهري، منذ خمس سنوات بدأ الوسواس في الطهارة والنجاسة والصلاة، وخصوصا في دورة المياه، وكل يوم تقريبا أستحم ثلاث أو أربع مرات، وإذا جلست للتبول أشعر برذاذ البول، ومن سبب استحمامي إذا دخلت دورة المياه حتى في السفر، لأنني خائفة جدا، فهذه مسألة البول أو الغائط قد قال فيها الرسول - عليه السلام والصلاة -: (أما إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير. أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله).
وأيضا في الصلاة أشعر بخروج ريح مني، وأنا لدي مرض القولون العصبي، ماذا أفعل؟
وماذا يفعل مريض الوسواس بالإفرازات والمني والمذي والودي وغيره من النجاسة؟ وهل الأشياء التي تم إمساكها قذرة؟
الله يعطيكم العافية.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منيرة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى لك عاجل الشفاء، وأن يرفع عنك ما بك من الضر.
نحن نتفهم -أيتها البنت الكريمة- المعاناة التي تعيشينها بسبب الوساوس، ولكن أنت مطالبة بأن تبدئي الخطى في سبيل التخلص من هذا الداء، فإن الله عز وجل شرع لنا التداوي، كما أمرنا به رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- فقال: (ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء) وقال: (تداووا عباد الله) فالتداوي من أقدار الله تعالى لدفع قدر المرض والمكروه، فخذي بالأسباب واستعيني بالله، وسيتولى الله عز وجل عونك، ويذهب عنك الداء -بإذنه تعالى-.
وإلى أن يتم ذلك فنوصيك بالصبر والاحتساب، فإن كل قدر مكروه ينزل بالإنسان مثاب عليه إن هو احتسبه، والدواء الذي تؤمرين به نوعان: دواء حسي، وهذا يتولاه الأطباء، -وسنحيلك للدكتور محمد ليفيدك بما ينفعك بإذن الله–، والدواء المعنوي الشرعي لداء الوسوسة دواء نافع، وهو قالع للمرض من جذوره -بإذن الله تعالى-، إذا أنت صبرت عليه وعملت به، وقد لخصه النبي -صلى الله عليه وسلم- في أمرين اثنين، حين قال -عليه الصلاة والسلام- لمن اشتكى إصابته بالوسوسة، قال: (فليستعذ بالله ولينته) وهذان الدواءان سيقلعان منك الداء -بإذن الله- إذا أنت نصحت نفسك وصبرت وواظبت عليهما.
الدواء الأول: الاستعانة بالله تعالى، والاستعاذة به من شر الشيطان ومكره، وأن تكوني على حذر من خطوات الشيطان، وأن تعلمي علم اليقين أن الله تعالى لا يرضى منك أبدا أن تتبعي الشيطان وخطواته، فإنه قال: {يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان} فكل وسوسة وشكوك وأوهام ينبغي أن تعلمي بأن الله تعالى لا يحب ولا يرضى بمتابعتها.
الدواء الثاني: وهو دواء قد جربه الموفقون وسطر العلماء نتائجه ونتائج من جربه، وهو: الإعراض عن هذه الوساوس بالكلية، بمعنى أنك لا تعيرينها أي اهتمام، ولا تلتفتين إليها، ولا ترتبين عليها أحكاما، فكلما وسوس لك الشيطان بأنه قد خرج منك شيء اعتبري أنه لم يخرج منك شيئا، وكلما وسوس لك أنك نقصت شيئا من صلاتك، أو انتقضت طهارتك أو غير ذلك، فأعرضي عن تلك الوسوسة، فإنك لا تكلفين إلا بما تتيقنينه يقينا جازما كما تتيقنين وجود الشمس في وسط السماء في النهار.
فإذا أنت فعلت ذلك فإن الشيطان سييأس منك عن قريب، فإذا وجدت شيئا من الإفرازات وشككت فيها هل هي مذي أو مني؟ فأولا نحن نحذرك من أن تكون مجرد شكوك وأوهام في أن هناك إفرازات، لكن إذا تيقنت وجود شيء وشككت فيما هو، فلك أن تتخيري بأن ترتبي عليه أي حكم من الأحكام، لأن الأصل بقاء ذمتك من الحكم الأشد أو من الحكم الأعلى، فإذا شككت هل هو مذي أو مني فلك أن تتخيري، فتجعلي له حكم المذي لأنه الأخف والأقل، فتغسليه من الثوب وتغسليه من البدن وتتوضئين.
ونحن على ثقة تامة -بإذن الله تعالى- من أن هذا سيفيدك وينفعك إذا أنت نصحت نفسك وعملت به، وكما قلنا لك بداية: أنت بحاجة أيضا إلى الاستعانة بعد الله سبحانه وتعالى بالتداوي بالدواء الحسي، فإن التجارب تثبت أن كثيرا من الموسوسين ينتفعون -بإذن الله تعالى- بأخذ بعض الأدوية.
نسأل الله أن يذهب عنك وعنا كل شر ومكروه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت إجابة الشيخ أحمد الفودعي مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
وتليها إجابة د. محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مشكلتك -إن شاء الله تعالى- بسيطة، وسوف أحدثك عن الجوانب النفسية فيها، الوساوس القهرية كثيرة وموجودة، والوساوس دائما تنشأ من بيئة الناس ومن معتقداتهم وتوجهاتهم الفكري والثقافية.
الوساوس حول الدين -إن شاء الله تعالى- فيها خير للإنسان، ودليل على إيمانه، وهذه الحالات تواجه من خلال الإصرار والعزيمة على تثبيت وتفعيل ما هو مضاد للفعل الوسواسي، وعدم مكافأة الوسواس من خلال اتباعها، بل مقاومتها وتحقيرها، وعدم الاهتمام بها، هذا سوف يؤدي إلى شعور كبير بالقلق والتوتر، لكن من خلال الإصرار على تحقير الوساوس وتجاهلها سوف يبدأ القلق الشديد في الانخفاض حتى يزول تماما، وهنا تنشرح -إن شاء الله تعالى- النفوس، وتحسين بسعادة غامرة لأنك قد انتصرت على وسواسك.
أرجو أن تبعدي تماما من مناقشة الوساوس، من تحليل الوساوس، من تأويل الوساوس، لأنها تنمو من خلال حديث النفس ومن خلال التأويلات، ومن خلال تفسير وتشريح هذه الوساوس، وأن نحاول أن نخضعها للمنطق، لا، هذا ليس أمرا جيدا، الوسواس يغلق عليها تماما، وتحقر، ولا تناقش، ولا تتبع، وأكثري من الاستغفار، هذا -إن شاء الله تعالى- فيه خير كثير لك، ودائما أصري أن تبني على اليقين.
أما موضوع خروج الريح، هذا وسواس شائع جدا، وتجاهله هي الوسيلة العلاجية الصحيحة، ولا تعيدي وضوئك أبدا، هكذا أفاد العلماء الأفاضل، وأريد أيضا أن أنصحك بتحديد كمية الماء، حتى عند الاستحمام، لا تستحمي من ماء الصنبور، لا تستعملي الدش مثلا، ضعي الماء في إناء كبير، واستحمي بهذا الماء المحدد، وكذلك عندما تقضين حاجتك في موضوع الاستنجاء والاستبراء، أيضا حددي كمية الماء، وأصري منذ البداية أن هذا هو الماء الوحيد المتوفر لك، الوضوء أيضا أريدك أن تتوضئي بكمية قليلة جدا من الماء، ضعيها في قنينة أو في إبريق أو في إناء، وتذكري أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يتوضأ بكمية قليلة جدا من الماء، وقد نهانا عن الإسراف ولو كنا على نهر جار غمر.
من خلال هذه التطبيقات سوف تجدين -إن شاء الله تعالى- أنك أصبحت قادرة على التحكم في الوسواس، وأسقطت تماما قوتها وسلطانها عليك، وأضعفت تحكمها، وأصبحت أنت التي تتحكمين فيها، هذا أمر مهم جدا.
أيضا هناك علاج دوائي، العلاجات الدوائية ممتازة، وفي مثل عمرك قطعا عقار مثل (بروزاك Prozac) هذا اسمه التجاري، ويعرف علميا باسم (فلوكستين Fluoxetine) سيكون مفيدا جدا لك. تحدثي مع أسرتك حول هذا الموضوع، وإن تمكنت أن تذهبي إلى الطبيب النفسي هذا أيضا ممتاز.
جرعة الفلوكستين هي كبسولة واحدة في اليوم، وقوة الكبسولة هي عشرون مليجراما، تناوليها بعد الأكل لمدة أسبوعين، بعد ذلك اجعليها كبسولتين في اليوم لمدة شهرين، ثم كبسولة واحدة في اليوم لمدة ثلاثة أشهر، ثم كبسولة يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم يتم التوقف عن تناول الدواء.
هذا دواء غير إدماني، غير تعودي، ولا يؤثر على الهرمونات النسائية، وليست له آثار انسحابية، فهو من الأدوية الجيدة جدا، ونعتبر أن العلاج الدوائي مهم جدا للوساوس، لأنه قد أثبت وبما لا يدع مجالا للشك أن هنالك تغيرات تحصل في كيمياء الدماغ، هناك مادة تسمى بالـ (سيروتونين Serotonin) على وجه الخصوص، وهي مرتبطة بالمستقبلات العصبية عند الإنسان في خلايا معينة في الدماغ، ضعف إفراز هذه المادة أو عدم إفرازها بصورة منتظمة يساعد في تنمية الوساوس، لذا استعمال الدواء مهم، والالتزام بالجرعة ضروري حتى تصلي إلى الفائدة المرجوة -إن شاء الله تعالى-.
بصفة عامة أريدك أن تصرفي انتباهك عن الوساوس، وذلك من خلال حسن إدارة الوقت، من يدير وقته بصورة صحيحة يدير حياته بصورة صحيحة، طوري من مهاراتك، خذي المبادرات داخل أسرتك، تواصلي مع صديقاتك، شاركي في الأعمال الخيرية والأعمال الدعوية، واذهبي إلى مراكز تحفيظ القرآن، هذا كله ينميك كثيرا من الناحية المهارية، والإنسان حين ينمو مهاريا يتغلب على هواجسه ووساوسه وقلقه وتوتراته، ويكون صورة إيجابية عن ذاته، وهذا هو المطلوب.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.