أخشى الرياء ولهذا أعتزل الناس ولا أحب أن يروني أفعل أي طاعة

0 415

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كنت أود أن أستفسر منكم هل أنا غير طبيعية أم أنا على الحق؟ أعيش في سكن مغتربات وأعيش مع صديقاتي، ونحن نحاول أن نعيش عيشة ترضي الله، فهم أناس أحسبهم على خير، لكن أنا لا أستطيع الصلاة أمامهم أو قراءة القرآن أو البكاء من خشية الله، أخشى الرياء جدا، وهن يقلن أني مبالغة، لكني قرأت أن السلف الصالح كانوا أكثر مني في أمر إخفاء الأعمال.

وأنا لا أحب أن يطلع أحد على مفكرتي الخاصة بدروس العلم، وأغضب من أي أحد يفتحها، عموما أنا لا أحب أن يراني أحد وأنا أفعل أي طاعة، وأحاول الابتعاد عنهن عند فعل أي طاعة، ولا أسمح لأحد بالدخول على الغرفة، ولا أخبر أحدا أني صائمة، وإذا كنت صائمة لا آكل معهن، أنا أتمنى أن أعيش بمفردي أكثر قدر ممكن، لا أنعزل تماما لأني قرأت أن هذا خطأ، لكن أحب أن أقلل من وجودي مع الناس، أنا أحب العزلة كثيـرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة لله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك - أختنا الفاضلة - في موقعك إسلام ويب، وإنه ليسرنا تواصلك معنا في أي سؤال، ونسأل الله أن يبارك فيك، وأن يرزقك الإخلاص والتوفيق والسداد، وأن يصلح نياتنا أجمعين.

لا شك – أيتها الأخت الفاضلة - أن إخفاء العمل عن الناس، والتماس رضى الله عز وجل أمر معين على إخلاص العمل، ويدل فيما نحسب على إخلاص صاحبه، نسأل الله لنا ولك الإخلاص في السر والعلن.

وقد ذكرت - حفظك الله - أنك تحبين العيش بمفردك أطول قدر ممكن، وهذا يقودنا إلى تبيان أمر هام هو مصدر نقاش بين أهل العلم، هل العزلة أفضل أم الاختلاط بالناس؟

الجمهور يرون أن الاختلاط بالناس أولى من العزلة، لما فيه من اكتساب الفوائد الدينية للقيام بشعائر الإسلام، وتكثير سواد المسلمين، وإيصال أنواع الخير إليهم من إعانة وإغاثة وعيادة وغير ذلك، وقال قوم: العزلة أولى لتحقق السلامة، بشرط معرفة ما يتعين. ويخصص الإمام النووي الأمر فيقول: المخالطة أفضل لمن لا يغلب على ظنه أنه يقع في معصية، فإذا أشكل الأمر فالعزلة أولى. وقال غيره: تتحتم المخالطة لمن كانت له قدرة على إزالة المنكر.

ومن أجمل وأجمع من كتب عن هذا الإمام ابن تيمية حين قال: "هذه المسألة وإن كان الناس يتنازعون فيها إما نزاعا كليا، وإما حاليا، فحقيقة الأمر أن "الخلطة" تارة تكون واجبة أو مستحبة، والشخص الواحد قد يكون مأمورا بالمخالطة تارة، وبالانفراد تارة، وجماع ذلك أن "المخالطة" إن كان فيها تعاون على البر والتقوى فهي مأمور بها، وإن كان فيها تعاون على الإثم والعدوان فهي منهي عنها، فالاختلاط بالمسلمين في جنس العبادات كالصلوات الخمس والجمعة والعيدين وصلاة الكسوف والاستسقاء، ونحو ذلك هو مما أمر الله به ورسول، وكذلك الاختلاط بهم في الحج، وفي الاجتماع الذي يزداد العبد به إيمانا إما لانتفاعه به، وإما لنفعه له ونحو ذلك.

ولا بد للعبد من أوقات ينفرد بها بنفسه في دعائه وذكره وصلاته وفكره، ومحاسبة نفسه وإصلاح قلبه، وما يختص به من الأمور التي لا يشاركه فيها غيره، فهذه يحتاج فيها إلى انفراده بنفسه، إما في بيته كما قال طاووس: "نعم صومعة الرجل بيته، يكف فيها بصره ولسانه"، وإما في غير بيته. فاختيار المخالطة مطلقا خطأ، واختيار الانفراد مطلقا خطأ، وأما مقدار ما يحتاج إليه كل إنسان من هذا، وهذا، وما هو الأصلح له في كل حال."

والمطلوب منك - أختنا الفاضلة - أن توازني بين الخلطة والعزلة حتى لا يطغى جانب على آخر، نسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يرزقنا وإياك الإخلاص والقبول، والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات