السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا متزوجة منذ ثماني سنوات، وزوجي يكبرني بخمسة عشرة سنة، كانت هذه مشكلتي إلى أن أصبح لدي 3 أبناء، أصبحت مشاكلي كثيرة، فلا يوجد أي توافق بيني وبين زوجي، لا في أفكارنا ولا في تربيتنا لأولادنا، أنا أعاني نفسيا من هذا الموضوع جدا، تحملت كل شيء يخصني ويخص أولادي، إذا تعب أحدهم أتحمل هذا وحدي، أفكر بمشاكلهم وحدي، أسعى لتلبية طلباتهم وحدي، حتى المدرسة لو لم أرتب لتسجيل أبنائي فيها لما سأل عنهم، والعيد لو لم أتصرف وأذهب لشراء ملابس العيد، وأدبر المبلغ ونصفه من عندي، لما سأل أيضا.
أتنازل كثيرا كأنني أنا الكبيرة، من كثرة ما أحمل فوق عاتقي من أمور فقدت شهيتي لكل شيء، ولو أطلب منه شيئا لو لم أقم به من نفسي لما تم، إذا لم أقم بفعل كل شيء واتكلت عليه نسيت الأمر تماما وهو لن يقوم به، فكل ما يهمه هو ترفيه نفسه، ينام نصف اليوم ويقوم يبحث عن الأكل، ثم يخرج ليمتع نفسه مع أصدقائه، كل همه تلبية رغباته فقط، حتى أنني أصبحت الآن أقول له ليس لك حقوق عندي ما لم تقم بحقوقي، رغم أني مسلوبة من حقوقي الزوجية منذ اليوم الأول، حيث ينتهي ويلبي رغبته دون أن يعطيني حقي، وعندما أخبرته بذلك قال أني جريئة، ومن بعدها لم يهمني الأمر.
ما يهمني هو أن كل هذا أثر سلبا على حياة أولادي، حيث أن ابنتي متأثرة جدا وحزينة ومحبطة بسبب المشاكل التي بيننا، التي تصل إلى أن يضربني وأضربه، كرهت حياتي، أرى اليأس في عيون أبنائي وأسلوبه معهم، يرى تدليلهم أن يخرجهم من البيت لا إلى مكان يريدونه بل إلى مكان يريده، ثم إذا أتى وقت ذهابه لأصدقائه أرجعهم إلى المنزل وأدخلهم وهم يبكون، ثم يقفل الباب ويذهب.
مختصر الكلام هو شخص أناني يلبي كل ما تريده نفسه، ومهمل لكل ما أريده أنا وأبنائي، وهذا منذ السنة الأولى من زواجنا، علما أني تحدثت مع أهله لكن دون جدوى، والآن لا أريد التحدث معهم حتى لو احتجت مالا أوفره بأي طريقه دون أن أكلمهم، رغم أن حالتهم المادية فوق الممتازة، أريد أن تخبروني، ما الذي يجب أن أفعله؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ lolo حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك في موقعك إسلام ويب وإنه ليسرنا تواصلك معنا في أي وقت ، ونسأل الله الكريم أن ييسر أمرك وأن يشرح صدرك، وأن يهدي زوجك، وأن يبارك في أولادك.
نحن نشعر -أختنا الفاضلة- تماما بمعاناتك وجهدك الذي تقومين به أمر محمود بلا شك، ومعاناتك التي تحدثت عنها أو عن بعضها أمر لا نقره ولا نرضى به، فلا يجوز لزوج أن يظلم زوجته، أو أن يحملها فوق طاقتها، أو أن يظلم أولاده.
هذا الكلام السابق هو توصيف الحال وموقفنا منه، ولكن دعينا سويا نحاول أن نتحدث بصراحة أكثر حتى ولو كان فيها بعض الألم، لأن المقصود هو إيجاد الحلول وليس البكاء على الماضي، فمثلا الفارق العمري بينك وبين زوجك كان هو هو إبان الزواج، وقد رضيت به أو تراضيت، المهم أنه كان معلوما لديك، إذا فليست المشكلة في كبر سنه، أو في الفارق الفكري والتربوي بينكما، نعم قد يكون عاملا مساعدا في المأساة، لكنه ليس هو العامل الأصلي.
لا شك أن للزوج عدة أخطاء، وهي أخطاء لا يمكن تجاوزها من غير توجيه وتنبيه، وهذه الأخطاء ربما تقود إلى الطريق الأسهل وهو الطلاق، هو سهل في بدايته لكنه بعد ذلك مر وعلقم، والخاسر فيه الجميع أنت والزوج والأولاد، ولكن أشد الخاسرين لا محالة أنت وأولادك، لذلك لا ننصحك به، بل ننصحك بالطريق الأصعب وهو طريق الإصلاح، ولأننا نحدثك الآن ولا نريد لكما إلا الإصلاح، نتمنى أن يتسع صدرك لما سنقوله الآن، ونسأل الله أن يكون بداية خير.
أولا: إن من أكبر الأمور التي توسع الهوة بين الزوجين تضخيم المعايب مع نسيان المحاسن، بمعنى أن الأمر يضخمه الشيطان، الأخطاء موجودة ولكنه يضخمها ويعمل على نسيان أي فضل للرجل، لأن ذكر الحسنات مع السيئات يهدئ النفس وهو ما لا يريده الشيطان.
وأنت -أختنا الفاضلة- هل لاحظت أنك لم تذكري في زوجك أي ميزة أو إيجابية؟ علما بأنه لا يخلو الرجل من إيجابيات ولو قليلة، نريد منك الآن أخذ ورقة وقلم وتذكر كل الإيجابيات، ووضعها في ورقة واحدة وقراءتها مرتين وثلاث، هذا أمر هام جدا، ونحب أن نشير إلى أن تذكر الإيجابيات أمر ليس بالسهل على من في حالتك -حفظك الله-، وقد أشار النبي إلى ذلك في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أريت النار، فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن قيل: أيكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت: ما رأيت منك خيرا قط)، فانتبهي -بارك الله فيك-.
ثانيا: من الأمور الخطيرة في الحياة الأسرية رؤية أخطاء الطرف الآخر مع فقدان رؤية أخطاء الذات، وتشتد الخطورة حين تكون المقابلة بين أخطاء الزوج وتضحية الزوجة، مع إقرارنا بما قمت وتقومين به من جهد، ولكن نتحدث عن خيار رؤية أخطاء الذات، ومعلوم أنه ما من أحد معصوم وكل بني آدم خطاء، وإذا كان الأمر كذلك فنريد منك -حفظك الله- أن تكتبي الآن ما ترينه من أخطاء وقعت فيها، ونرجو أن يكون الأمر بأعلى درجات الحياد والإنصاف، فليس هناك أحد مطلع على هذا إلا الله.
ثالثا : لماذا يهرب الرجل من مسؤولياته، زوجه وأولاده؟ ونحن هنا لا نقر بجواز هروبه بقدر ما نحلل الحدث، كثير من النساء تنشغل بالأولاد عن الزوج خاصة في مثل حالتك التي نفض الرجل يده منهم، وهذا بلا شك تعب عليها وثقل شديد، فلا تهتم بنفسها ولا بما يتطلبه بيت الزوجية من تهيئة واستعداد، فضلا عن شعوره أنه إذا دخل البيت فإن المسؤوليات المطلوبة ستتزايد عليه، فيريح نفسه هربا من المسؤولية إلى أصحابه وأصدقائه، ونكرر نحن لا نقر هذا ولا نجيزه، ولكن نصف الحالة، فإذا أردنا أن نعيد هذا الرجل إلى بيته فعلينا أن نهتم بعدة أمور:
أ- الاهتمام بأقصى درجات التهيئة الذاتية.
ب- تقليل التكاليف ما أمكن.
وتبقى خطوات عملية للإصلاح:
الخطوة الأولى: بعد ما كتبت إيجابيات الزوج وسلبياتك بقي أن نبدأ الخطوة الأولى، وهي تتمثل في أمرين:
أ- تقليل الأخطاء قدر المستطاع.
ب- الاجتهاد في الاهتمام بالزوج أكثر مع عدم انتظار مقابل على المدى القريب.
الخطوة الثانية: مدح الزوج بما فيه من إيجابيات، فقديما قالوا: إذا أردت أن تسمع ثناء من أحد فابدأ أنت بالثناء عليه.
الخطوة الثالثة: الدعاء له بظهر الغيب أن يهديه الله وأن يصلح حاله.
كلنا ثقة أن هذه الإرشادات عند تطبيقها ستقلل الشر الموجود، مع إقرارنا بجهدك وشعورنا بتعبك، ونسأل الله أن يجزيك عن أولادك خير الجزاء، والله الموفق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت إجابة الدكتور أحمد المحمدي المستشار التربوي.
وتليها إجابة الدكتور أحمد الفرجابي مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
بداية نرحب بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يعينك على الخير، وقد أسعدتني هذه المحاولات الكبيرة والمجهودات الجبارة التي قمت ببذلها، وهذا ما ننتظره من الفاضلات من أمثالك، ونسأل الله أن يعوضك خيرا، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.
ونؤكد أن المرأة التي كتبت هذه الأسطر بهذا النضج وبهذا الترتيب، قادرة بحول الله -تبارك وتعالى- على تجاوز هذه الأزمة، ونحب أيضا أن نؤكد لك أنك عشت معاناة فعلية، ولكن المؤمنة إذا تذكرت أن الحياة الزوجية مشروع يوصل إلى رضوان الله تعالى، وتذكرت لذة الثواب فإنها تنسى ما تجد من الآلام.
وقد أعجبني وأسعدني هذه المجهودات الكبيرة التي قمت ببذلها، وترآء لي من خلال الأسطر أن الرجل ينفق لكنك تكملين الواجب، ولست أدري هل لأنه لا يملك أم لأنه يبخل؟ وعلى كل حال فإنا نعتقد أن المرأة تمتلك مهارات عالية، نتمنى استخدامها في التأثير على الرجل، وفي تحسين صورته عند أبنائه، وفي دعوته إلى الله -تبارك وتعالى-.
كنا نتمنى أن تسلطي مزيدا من الأضواء على الطاعة لله -تبارك وتعالى- من قبل الزوج، وحالك أيضا في العلاقة بينك وبين الله -تبارك وتعالى-، فإن أقصر الطرق إلى الإصلاح ما بين الزوجة وزوجها يكون باللجوء إلى الله -تبارك وتعالى-، وبإصلاح ما بينك وبين الله، وسيصلح الله لك الزوج، قال العظيم: {وأصلحنا له زوجه}، ماذا كانوا يفعلون؟ {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين}.
نتمنى أن تتذكري أن إصلاح الزوج طاعة وقربة لله تبارك وتعالى، إذا كان الإنسان يؤجر على إحسانه لكل الناس، فكيف إذا كان الإحسان لشريك العمر، وكيف إذا كان الإحسان لأبو العيال؟
وكنا نتمنى أيضا أن نرى الإجابات التي تصدر عنه عندما ترفعي له هذه الاحتياجات، وتبيني له حاجتكم إليه، ما هي الإجابات التي تصدر منه عادة؟ ثم إننا بحاجة إلى أن نتفهم الواقع الذي نعيش فيه، ولأنك تواصلت مع الموقع فإنا ننتظر منك أن تكون صاحبة الأثر الكبير في التغيير، فحتى في العلاقة الخاصة ينبغي المرأة أن تساعد زوجها، وأرجو أن تفصلي بين الأمور، ونعتقد أن هذا له علاقة كبيرة بتصحيح العلاقة، في اللحظات الحميمية لا تتذكري المشاكل الأسرية، ولا تتذكري تقصيره، واجعلي بيتك بيئة جاذبة، واجعلي حجرتك مكانا جاذبا له، وحاولي أن تحسني صورته أمام أبنائه، وتفهمي حاجته للخروج إلى الأصدقاء.
وحاولي أن تفرحي وتظهري الفرح بأي تقدم يحصل، فإن الإنسان إذا شجعناه وفتحنا له أبواب فإنه يعود، واعلمي أن الرجل ما هو إلا طفل كبير، والمرأة صاحبة الحنان تستطيع أن تؤثر عليه، وفرق كبير بين أن تقول المرأة لزوجها (تأخرت علينا وتهتم بالأصدقاء وتتركنا!)، وبين أن تقول: (نحن نسعد بوجودك، والأطفال يفرحون بوجودك بينهم)، أرجو أن تحيي الإيجابيات وإن كانت قليلة، فإن اهتمامه بالأولاد والذهاب بهم وتدليلهم -كما ظهر-، ينبغي أن يشكر عليه مع شيء من التوجيه إلى المكان والأسلوب الصحيح.
أسجل مرة أخرى إعجابي بهذه المجهودات الكبيرة، وبهذا الصبر على هذا الزوج، وبحسن الرعاية للأبناء، وننصحك بتجنب الخصام أمام الأطفال، حتى لا يتأثروا سلبا بما يحصل بينكم، وحاولي أن تجلسي معه في جلسة تنتقي فيها الكلمات، تتقربي فيها إلى رب الأرض والسموات، فإن الحوار الناجح هو الحوار الذي لا يصطحب السلبيات، ولا يستحضر التراكمات، فإن حشد الأخطاء يوصل إلى الإحباط واليأس.
نحن على ثقة أنك -إن شاء الله- قادرة على تغيير هذه الأوضاع، نتمنى أن تستفيدي من إجابة أستاذنا الدكتور المحمدي، وتعملي بهذه التوجيهات والنصائح، ونحب أن نذكرك بأن الإنسان ما ينبغي أن يبكي على اللبن المسكوب، ولكن ينبغي أن تستقبلي الحياة بأمل جديد وبثقة في الله المجيد، واعلمي أن الشيطان همه أن يحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله، فاحرصي على أن تكون اللحظات السلبية قليلة، واجتهدي دائما في البناء على الحسنات والجوانب الإيجابية.
نسأل الله أن يقر عينك بصلاحه وبهدايته، وأن يصلح لنا ولكم النية والذرية، ونتمنى التواصل مع الموقع مع بعض التوضيحات عن أحوال الرجل، ونسأل الله -تبارك وتعالى- لنا ولك التوفيق والهداية والسداد.