السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى :{قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين} البعض منا لا يتمثل الدين في كل أمور حياته، فنجد عندما ينصح من يرتكب الأخطاء بأن يتق الله، فإذا به يرد: وما علاقة ما فعلت بالدين؟ ونجد البعض يهتم بالصلاة والصيام اهتماما بالغا حتى في أدق النوافل والأذكار، نجده يهتم بصيام النوافل دائما حريصا على اتباع سنة المصطفى في الصلاة والصيام فقط، ولكنه للأسف عندما تنظر إلى أحواله في أمور حياته الأخرى فهو بعيد كل البعد عن تمسكه بسنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، متناسين قوله تعالى في الآية، فهلا تكرمتم ببحث هذا الموضوع؟
ولكم جزيل الشكر.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم محمد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك - أختنا العزيزة - في استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك معنا، وحرصك على أن يكون الناس ممتثلين للدين الذي ارتضاه الله تعالى لكماله وشموليته، والأمر كما ذكرت - أيتها الأخت العزيزة – من أن الإنسان المسلم مأمور بأن يأخذ دينه كله، وأن يكون قويا في أخذه، وأن يستسلم لكل ما أراده الله تعالى منه، كما قال سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة}.
ولكن ما من أحد إلا وله ذنب كما قال نبينا - صلى الله عليه وسلم -: (ما من عبد إلا وله ذنب) وكما قال - عليه الصلاة والسلام -: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) فلا يتصور أن نجد من الإنسان بعد أنبياء الله تعالى عصمة وسلامة من الخطأ أو الزلل، ولكن الناس يتفاوتون في هذه الأخطاء، فإذا وجدنا أحد المسلمين ممن يقوم ببعض خصال الخير ويفرط في البعض الآخر، فإن الدور الذي ينبغي أن نقوم به هو النصح باللين واللطف والتذكير، فإن الذكرى تنفع المؤمنين.
وخير من نبدأ بهم في الإصلاح أنفسنا، فنحاول إصلاح أنفسنا، ومع ذلك نحاول تكميل غيرنا، وهذه هي طريق المؤمنين الذين وعدهم الله بالفوز والظفر في الدنيا والآخرة، وقد قال سبحانه وتعالى: {والعصر*إن الإنسان لفي خسر*إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} فهم بدأوا بأنفسهم فآمنوا وعملوا الصالحات، وسعوا مع ذلك في تكميل إخوانهم فتواصوا معهم بالحق، وهكذا ينبغي أن يكون حال المؤمن في كل الدهور والعصور، حريصا على تكميل نفسه وعلى تكميل إخوانه، مسديا لهم النصح، متبعا في ذلك أحسن السبل وأقربها إلى القلوب، مبتعدا متجافيا عن الغرور والعجب والكبر الذي يحول بينه وبين الوصول إلى قلوب خلق الله، كما أنه قد يحبط عمله هو في ذاته، فإذا جمع الإنسان المؤمن بين هذين الطريقين وهذين الأسلوبين، فإن الله تعالى سيقدر على يديه خيرا كثيرا.
هذه الازدواجية الموجودة في مجتمع المسلمين اليوم، والتناقض في الشخصية ورائها أسباب عديدة تربوية تصاحب الواحد منا منذ الصغر، فهو يرى أشياء متناقضة في حياته، منذ أن يبدأ حياته التعليمية، فيرى في مقررات الدراسة شيئا ويرى في المجتمع شيئا آخر، يقرأ في القرآن ويقرأ فيما يدرسه ويرى في وسائل العلام والتوجيه خلاف ذلك، فهناك وسائل عديدة وأسباب كثيرة تقوي وتغذي هذا التناقض في الشخصية المسلمة، ينبغي للمصلحين والمؤدبين والدعاة أن يعتنوا بإرجاع الناس إلى ما يرضاه الله تعالى منهم، والتنبيه لهم على عدم الاغترار بما خالف ما جاء به كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولعل الجهد والعمل الدعوي التربوي من الناصحين الذين يحاولون تكميل أنفسهم – كما قلنا –، ويسعون في تكميل غيرهم، لعل الجهود المبذولة ستكون - بإذن الله تعالى - مكللة بالنجاح، وتقليل هذه المظاهر السلبية التي ينبغي لنا أن نتغلب عليها ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.
نسأل الله تعالى أن يجعلك مفتاحا للخير مغلاقا للشر.