السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا طالب بالصين، وأنتم تعرفون شيوعية وإلحاد معظم الشعب هناك.
سؤالي هو: بعد أن عشت هناك لمدة سنتين حتى الآن أصبح لدي مشكلة في الاعتقاد! أستغفر الله، -الحمد لله- لدي إيمان قوي بألوهية وملكوت الخالق سبحانه وتعالى، لكن الإشكالية في أني أراهم رغم إلحادهم متقدمين، وملتزمين بأعمالهم وتفانيهم بالعمل.
السنة الماضية قمت بالتوبة النصوح، وأحسست بشيء من الراحة والطمأنينة إلا أن الالتزام العملي والدراسي لم يتغير، وكان جل اهتمامي كيف يكون كل وقتي مسخرا لله؟
بعد فترة وجيزة لم أجد التغير أو حتى التحسن في المجال العملي، فأصابتني النكسة وعدت كما أنا! هل أعزو هذا التفكير للوسواس القهري الذي يجعلني أفكر في هذه الأمور عدت مرات في اليوم أم هو نتاج تربيتي وأسلوب التلقي الديني الذي كنت أنتهجه في الصغر؟
أتساءل لماذا لا يأتي ذاك الاجتهاد والعمل في أمور الدنيا، العلمية منا كعرب مسلمين كما يفعل الآخرون؟ خصوصا بالصين، أين الخلل؟
جزيتم خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نشكر لك تواصلك مع إسلام ويب وثقتك بنا، ونسأل الله أن يثبتنا وإياك على دينه الحق حتى نلقاه.
لا شك -أيها الحبيب- أن ما لاحظته على المجتمعات المسلمة ملاحظة صحيحة، من حيث تأخرهم عن الأخذ بالأسباب التي يتحصلون بها على الرقي المادي، ومواكبة العصر الذي يعيشونه ومسابقة الأمم، وهذا تقصير منهم له أسبابه العديدة، ولكن هذا كله لا يعني أن هؤلاء الكفار الملاحدة الذين أخذوا بأسباب هذا النوع من العلوم أنهم على الحق والهدى، فإنهم علموا شيئا يسيرا من ظاهر هذه العلوم الدنيوية، وجهلوا أعظم علم أمروا بتحصيله وتعلمه وهو العلم بخالقهم وصفاته وشرعه، والطريق الموصلة إليه، جهلوا ربهم والطريق التي توصلهم إلى رضوانه، وهذا هو الجهل المهلك الذي يورد صاحبه جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا.
إن جهل المسلمين أصابهم في تأخرهم في دنياهم، ولكنهم بفضل الله ورحمته علموا العلم الذي خلقوا لأجله وهو العلم بالله سبحانه وتعالى، وشرعه ودينه، وإن خالف في بعض الجزئيات منه كثير من المسلمين وعصوا ربهم وارتكبوا ما حرم الله عز وجل، وتركوا ما فرضه عليهم، لكنهم آمنوا بالله وعرفوه، وآمنوا برسله وكتبه فهم في مآلهم ونهايتهم إلى خير.
في المقابل قد ذم الله سبحانه وتعالى الكفار لفرحهم بهذا العلم الذي وقفوا عنده، فقال سبحانه وتعالى: { يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون}، فلا مجال للمقارنة أيها الحبيب بين أهل الإيمان وأهل الكفران، والحياة الدنيا قد يبسطها الله تعالى للكفار؛ لأنها دارهم ومحل نعيمهم، فلا نعيم لهم بعدها، كما جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ( الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر)، وقد يبسط الله تعالى الدنيا بزهرتها وزينتها ورخائها لأهل الكفر لا لأنهم على الحق، ولكن الله يستدرجهم، فيطمئنون إلى ما هم فيه، ويلتهون به، عن أسباب نجاتهم وفلاحهم، وقد قال سبحانه وتعالى:{ ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون* ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون وزخرفا، وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا}.
العبرة بالعلم النافع العلم الذي يوصل للآخرة، والذي يعرفك بخالق هذا الكون، فما أقبح هذا الإنسان حين يتعامل مع دقائق هذه العلوم، ثم يصدق ويطمئن قلبه إلى أنه لا خالق لها، ولا مدبر لها، فأي عقل أقبح من هذا العقل، فهذه العلوم التي يطلع عليها هؤلاء الكفرة كان ينبغي أن تكون جالبا لهم وداعيا إلى الله تعالى.
نسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياك على الحق والهدى.