السؤال
السلام عليكم.
أنا شاب، ظاهريا ملتزم بالسنة، أصلي في المسجد، وأتعلم العلم، ولكني أقع في المعاصي كثيرا، فأعود وأتوب إلى الله سريعا، ولكن مشكلتي أنني عندما أقع في المعصية أندم وأبكي لله، وأجتهد في العبادة، وذلك يستمر ليومين مثلا، ثم أجد أن حماسي هذا يقل وأرجع لعباداتي العادية، فأقع في الذنوب مرة أخرى، فأعيد الكرة كما قلت لكم.
لا أعرف ما الحل؟! فأنا أريد أن يكون حالي مع الله هو الشعور بالتقصير الشديد في كل وقت، حتى أستمر في اجتهادي في العبادة، وبعدي عن المعصية، وأشعر أني أقترب من الله أكثر.
علما أن ما يجول بخاطري وأنا في حالة التوبة هو حسن ظني في الله، أنه بدل سيئاتي حسنات، وأنه رحم دموعي وغفر لي، وأعتقد أن هذا يفقد من عزيمتي بعد ذلك.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك ابننا الفاضل، ونشكر لك هذه الاستشارة التي تحمل معاني رائعة، ونؤكد لك أن الإنسان لا ينظر إلى صغر الخطيئة ولكن ينظر إلى عظمة من يعصيه، وفي الحقيقة كنا نتمنى أن تذكر لنا نوع الذنوب التي تقع فيها، وعلى كل حال فإن الإنسان ينبغي أن يبتعد عن الذنوب صغيرها وكبيرها، ويتذكر عظمة من يعصيه، والمؤمن دائما يخاف من ذنوبه كأن جبلا يريد أن يسقط عليه، خلاف المنافق الذي يستسهل المعاصي ويستسهل الوقوع فيها عياذا بالله تبارك وتعالى.
نسأل الله أن يزيدك حرصا وخيرا، ونتمنى أن تتعرف على أسباب هذه العودة للذنوب والعودة للخطايا، لأن هذا يعني إما أن يكون هناك إشكال في التوبة، وهذا - إن شاء الله تعالى – مستبعد في حالتك، وإما أن يكون أسباب الوقوع في المعصية موجودة، ولذلك من شروط التوبة ومن عوامل الثبات بعد التوبة أن يتخلص الإنسان من آثار المعصية، ورفقة المعصية، وهواتف المعصية، وإيميلات المعصية، وشارع المعصية، وكل ما يذكر بالمعصية، وهذا واضح في حديث الذي قتل مائة نفس عندما قيل له: (ولكنك بأرض سوء، فاذهب إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم).
التائب ينبغي أن يرتحل من الرفقة السيئة إلى الرفقة الصالحة، من البيئة السيئة إلى البيئة الصالحة، من أسباب السيئة إلى عوامل تعينه على الثبات على طاعة الله وعلى كل أمر يرضيه.
نؤكد لك أن الإنسان مهما تاب وأذنب ورجع إلى الله فإن الله غفار لمن تاب، لكن من يضمن لنا أن نعيش حتى نتوب؟ من يضن لنا أن الاستمرار على المعصية ألا ينتقم الله وينزل عقابه علينا، لأن الله يستر ويستر ويستر، لكن إذا تمادى الإنسان في عصيانه فقد يهتك ستره ويفضحه ويخذله فيحول بينه وبين التوبة، ويلقى الله على المعصية، وتكون خاتمة سوء والعياذ بالله تعالى.
ينبغي أن تقف مع النفس، ونبشرك بأن الله غفار، فلا تصل إلى اليأس، لأن الشيطان قد يأتيك ويقول (أنت مذنب، وأنت ما فيك فائدة، استمر على المعصية) ولذلك لما قيل للحسن البصري: نذنب ثم نتوب، نذنب ثم نتوب، إلى متى يا إمام؟ قال: (حتى يكون الشيطان هو المخذول).
نسأل الله لك التوفيق والسداد، ونكرر دعوتنا لك بهجران المعاصي، والأسباب التي أوقعتك فيها، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والهداية والثبات.