السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
أنا سيدة متزوجة منذ سبعة أشهر وحامل بالشهر الأول -حفظه الله لي وتمم لي على خير، والحمد لله- عمري 25 سنة، وزوجي يكبرني بست سنوات تقريبا.
زوجي طيب وحنون وغير مقصر في الأمور المادية، إلا إذا كان الشيء باهض الثمن، فأقدم له العذر كونه عريسا جديدا، وما يتحمل من مسؤولية الإيجار والقروض، وأنا -ولله الحمد- غير مقصرة بواجباتي تجاهه ولا تجاه مسؤولية المنزل.
المشكلة أنني لا أعلم، هل في شخصيتي أنا العيب أم موجود فيه فعلا، بداية في أيام الخطوبة كانت تحصل بيننا مشاكل، أعتقد أنني دقيقة في التفاصيل، وأظن أنها تعني لي الكثير لعدم اتصاله، أو عدم سؤاله عني، أو عدم زيارته لي، مع أنه كان يتصل ويسأل ويزورني ولكن ليس بالشكل الذي أريده، وأنا أعتبره بأنه عديم الاهتمام بي، وأنني آخر أولوياته في الحياة.
وحاليا بعد الزواج لأول مرة أنام فيها عند أهلي، لم يسأل عني أبدا، بعد ما شكيت له الحال الآن أصبح يتصل ويسأل كلما ذهبت لأهلي، وأعتقد يسعده ذهابي عند لأهلي، وكل ما أحكي له بأنك مبسوط بذهابي يقول لي أنني ظلمته، لكن هناك موقف حصل بيننا وضح لي الأمر، حيث أن في بداية الأشهر الأولى مرضت، وكنت أعاني من ألم شديد في ظهري، لدرجة أنني لا أستطيع الركوع في الصلاة، فطلبت منه أن يذهب بي عند أهلي وأمي كي أرتاح، فوافق، ولكن بعد أن يقضي مشوارا، وبعد عودته من المشوار قلت له أشعر بتحسن، ولا أريد الذهاب -كوننا بمكة وأهلي بجدة- فغضب مني، واتهمني بأنني أخلط الأمور، وبقي منزعجا، صدمني بردة فعله، وفعلا ذهبنا لأهلي.
وأنا الوحيدة من أخواتي، عندما نذهب ننام عند أهلي لا تقل عن يومين أو ثلاثة، واذا قلت له تعال لي يتعذر بمشوار آخر لأهله، وأي مشكلة تحل بنا لا يعبرني، ويجعلني أنا من أبادر، لم يجلب لي هدية ولو لمرة واحدة، مع العلم أنني ما بين فترة وفترة أهديه، خروجه من بعد المغرب أو العشاء ولا يعود للبيت إلا منتصف الليل، وعند وصوله إما أن يجلس على البلاك بيري أو أمام التلفزيون يتابع فيلما، والكلام بيننا قليل جدا، نومي بغرفة المعيشة وحدي، لم يأت ويسألني أو لم يفكر حتى أن يسألني، مع العلم أن في كل مشكلة تحل بيننا ينعتني بصفة جديدة.
لا يحب أن أمسك جواله، يقول أنني أفتش، ولا يحب من يفتشه، أحترم خصوصيته، ولكن كيف أنمي الثقة بهذه الطريقة، أحيانا أرى أن حياتنا طبيعية جدا، وأنني مبالغة، لكن أحيانا كثيرة أجد أنني أهتم لهذه التفاصيل التي لا يهتم لها، وبمجرد فتحي للموضوع معه يطلق علي بأنني محبة للمشاكل، أرشدوني أرجوكم، هل أنا لم أعتد على طباعه فعلا أم أنني مبالغة ومحبة للمشاكل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ aa Aa Aa حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله -جل جلاله- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصلح ما بينك وبين زوجك، وأن يجعلكما من سعداء الدنيا والآخرة، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة – فإني أتمنى أن تضعي في اعتبارك عدة أمور على رأسها أن التربية تلعب دورها في تكوين شخصية الإنسان، فهذا الزوج المبارك – الذي أسأل الله أن يوفقه ويصلحه ويصلح ما بينك وبينه – نشأ في بيئة غير بيئتك، تأثر بها قطعا، لأننا نعلم أن كل واحد منا أسير تربيته في أسرته، أنت تربيت في بيئة أخذت طباعها وصفاتها وإن لم تكن كلها فلا بد أنها تركت بصمة قوية في حياتك، وهذا ما عبر عنه النبي - صلى الله عليه وسلم – بقوله: (فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه).
إذا عملية التغيير تتم من قبل الأسرة، لأنها المؤسسة التربوية الأولى التي تترك انطباعاتها وآثارها القوية على أفرادها، فهو رجل نشأ في بيت وفي بيئة غير بيئتك، ورباه أب غير والدك، وأم غير والدتك، ومما لا شك فيه أن أمه تختلف عن أمك، وأن والده يختلف عن والدك، إذا لا بد أن تكون هناك فوارق ضرورية، ولذلك لا بد من مراعاة هذه المسائل.
أنت تراعين المسائل الدقيقة وتهتمين بالأمور البسيطة - كما ذكرت – وهو على خلاف ذلك، هذه مسألة تربية، هو ربي بطريقة وأنت ربيت بطريقة أخرى، هذا ليس عيبا فيه، وكذلك أيضا ليس عيبا فيك، وإنما العيب أننا نجعل هذه قضية، وأن نحكم على الآخر من خلال ما نريده نحن أو ما نحن عليه، وإنما لا بد أن نتوسط، وأن نراعي الفوارق الفردية والخلافات الموجودة.
رجل – كما ذكرت – نشأ في بيئة غير بيئتك فلا بد أن يكون هناك بعض الاختلاف ما بين عاداتك وعاداته وأعرافك وأعرافه، أنت تريدين الاهتمام (مثلا) الزائد، أو تريدين الاهتمام الذي يشبع رغباتك في اتصاله بك واهتمامه بك، وهو لا يرى ذلك، لعله نشأ أيضا في بيئة ليس فيها هذا الاهتمام فيرى أن الأمر عادي.
ولذلك أنا أقول - بارك الله فيك – لا بد من مراعاة هذه الفوارق الفردية، وإلا ستشعرين بأن الحياة أصبحت صعبة للغاية، لا بد أن تلتمسي العذر له في هذه الأمور، وأن تقولي لنفسك هذا الكلام: (التربية التي نشأت عليها وربيت بها تختلف عن تربيته، فلا بد من وجود خلافات، لا بد أن نتحملها).
ولكن هناك أمر أيضا أنصح به، وهو ضرورة وجود مساحة من الحوار، الحوار يستطيع أن يقرب وجهات النظر، والحوار أيضا به نستطيع أن نتمكن من مراعاة أكبر قدر ممكن من مشاعر الآخر، فإذا ما عرفت أنا ما الذي يغضبه وما الذي يريحه وما الذي يسعده وما الذي يحزنه، وحاولت أن أجتهد في ذلك، فإني بذلك سأكون مبدعة رائعة، وستقللين فجوة الخلاف بينكما، وهو نفس الشيء أيضا، إذا علم أنك تفعلين هذا الكلام، ولكن لا يقال هذا الكلام في وقت غضب أو ردة فعل، وإنما أنا أريد جلسة حوارية نقاشية بينكما أنتما معا، وليس فيه أحد سواكما، في جو شاعري جميل رائع تقولين له: (أنا أريد أن نفتح نوعا من الحوار فيما بيننا حتى نحافظ على هذه المؤسسة ونقويها وندعمها، أنا لا أتهمك بشيء، أعلم أن لك ظروفا تختلف عن ظروفي، فأنا ربيت في بيئة غير بيئتك، وأنا أعلم أن هناك فوارق فردية، وأن لك اهتمامات قد تختلف عن اهتماماتي – والعكس – ولكن دعنا نحاول أن نتوسط في الأمر، دعنا نطرح المشاكل أو النقاط التي تؤلمني على بساط النقاش والحوار الآن، ثم بعد ذلك نضع آلية للتعامل معها).
تقولين له ما في نفسك، وتقولين له: (أنا أريد أن تفعل كذا وكذا وكذا) واسأليه أيضا، وأتمنى أن تبدئي أنت به هو، بأن تسأليه ما الذي يحب وما الذي يكره؟ وما الذي يزعجه منك، ولو كتبت هذا في ورقة لا يوجد هناك مانع، ثم تبدئين في عرض ما أنت عليه، وأنا واثق أنكما بذلك ستتمكنان من التغلب على أي مشكلة مهما عظمت، وستعيشان حياة في غاية الأمن والأمان والاستقرار، وإني لأسأل الله -تبارك وتعالى- لكما ذلك.
وأضيف إلى هذا أيضا الدعاء والإلحاح على الله -تبارك وتعالى- أن يصلح الله لك زوجك، وأن يصلح ما بينك وبينه، وأن يجعلك سببا في سعادته، وأن يجعله سببا في سعادتك، فإن الدعاء كما أخبر الحبيب - صلى الله عليه وسلم – (ينفع مما نزل ومما لم ينزل) يعني يغير الواقع والمستقبل، وقال أيضا: (لا يرد القضاء إلا الدعاء) فعليك بالدعاء - أختي الكريمة – لنفسك ولزوجك ولذريتك -بإذن الله-، وأبشري بفرج من الله قريب.