السؤال
السلام عليكم
زواجي بعد 3 أشهر بإذن الله، من الله أسأل التوفيق ثم منكم الدعاء.
قرأت في موقعكم، ومواقع أخرى حول مفهوم الزواج وأهدافه، وغيره الكثير لمزيد من الثقافة والتعلم، لأني أعلم أنه مشروع كبير.
من ضمن القراءة وقعت على القصة الجميلة التالية لشريح القاضي:
قال شريح: من أول ليلة دخلت على امرأتي رأيت فيها حسنا فاتنا، وجمالا نادرا، قلت في نفسي: سوف أتطهر وأصلي ركعتين شكرا لله، فلما سلمت وجدت زوجتي تصلي بصلاتي وتسلم بسلامي، فلما خلا البيت من الأصحاب والأصدقاء قمت إليها فمددت يدي نحوها، فقالت: على رسلك يا أبا أمية، كما أنت، ثم قالت: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي على محمد وآله، أما بعد: إني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك، (فبين لي ما تحب فآتيه وما تكره فأتركه)، وقالت: إنه كان في قومك من تتزوجه من نسائكم، وفي قومي من الرجال من هو كفء لي، ولكن إذا قضى الله أمرا كان مفعولا، وقد ملكت فاصنع ما أمرك به الله، إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولك.
أجاب شريح بخطبة، ثم قال: أحب كذا وكذا وأكره كذا وكذا...
واستشارتي تحديدا حول: (بين لي ما تحب فآتيه وما تكره فأتركه) أرغب أن تكون حياتي جميلة بما أستطيع، فما هي الأشياء المهمة، وفي أي الجوانب تكون والتي من المهم أن أقولها لزوجتي حول ماذا أحب؟ وماذا أكره؟
أعلم بأنها تختلف من شخص لآخر، ومن زمان لزمان، لكن أرغب منكم ذكر أمثلة وجوانب محددة بحيث تفتح لي الذهن، وأستطيع الاختيار والتحوير بما يناسب بشكل عام، وفي المجتمع السعودي بشكل خاص إذا أمكن، وما هي الأشياء التي يجب ألا أتنازل عنها.
شكرا جزيلا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك ابننا الكريم، ونسأل الله أن يجمع بينك وبين أهلك على خير، ونعبر لك عن سعادتنا بالحرص على هذه الثقافة الناضجة الشرعية المحكمة، فإن الإنسان قبل الزواج بحاجة إلى أن يتفقه في هذه الأمور، والقاضي شريح – علم من أعلام الدنيا وذكي من أذكيائها – رحمة الله عليه، وهذه القصة فيها معان جميلة، ونحن نحب فعلا أن يكون هناك دستور للحياة، ينتظم هذه الحياة الزوجية منذ بدايتها، والبداية بالصلاة لها معنى جميل جدا، فإن المرأة وهي تصلي خلف زوجها تسجد إذا سجد وتركع إذا ركع وتسلم بسلامه، فيه إشارة لطيفة إلى أنها ستكون أطوع له ما أطاع الله، فإن عصى الله فلا سمع ولا طاعة.
ثم بعد ذلك بيان ماذا تحب فتأتيه، هذا بيان لمنهاج حياة، ونحن هنا ننبه إلى أن الرجل أيضا يسأل عن الأشياء التي تحبها والأشياء التي لا تكرهها، فيجتهد في أن يفعل ما تحب، وهي تجتهد في أن تفعل ما يحب.
من القواعد المهمة ما جاء عن أبي الدرداء: (إذا غضبت فرضني، وإذا غضبت رضيتك، وإلا لم نصطحب)، ومن القواعد المهمة: التنازل والتأقلم مع الوضع الجديد، وهذا واضح من قول ابن عباس: (إني لأكره أن أطالب زوجتي بكل حقوقي خشية أن تطالبني بكل حقوقها) هذا دليل على أن الحياة تبنى على المسامحة وتبنى على الفضل كما قال الله: {ولا تنسوا الفضل بينكم}.
من الأشياء المهمة جدا أيضا: إظهار المحاسن، والثناء على الإيجابيات في كل طرف، والحرص على فهم النفسيات، فالحياة الزوجية تبدأ بالتعارف، لأن كل واحد جاء من بيئة مختلفة، ثم بعد ذلك يعقب هذا التعارف التأقلم مع الوضع، لا نسارع في الرغبة في التغيير، حتى لو وجدت سلبيات لا نحاول أن نتعامل معها بعنف، وإنما بحكمة وحنكة، ثم بعد ذلك يأتي التنازل، ثم يأتي بعد ذلك التفاهم، وفهم النفسيات، ثم يأتي بعد ذلك التعاون على البر والتقوى، وهذا أحسن ما يصلح الحياة، قال تعالى: {وأصلحنا له زوجه} ماذا كانوا يفعلون؟ {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين}، لا يوجد شيء يأتي بالألفة والمحبة مثل التعاون على البر والتقوى في داخل البيت.
ثم بعد ذلك تأتي مرحلة التآلف، وصولا إلى التوافق، وصولا أن يكون الزوج كأحسن صديق لصاحبته (زوجته) يعطيها أسراره، يعبر لها عن آماله وآلامه – وهي كذلك – ويحسن الاستماع لما عندها، ثم هذه الحياة الزوجية تصل بهذه المعاني إلى قمة الاندماج وقمة التوافق بين الزوجين، كما قال الله: {وجعل بينكم مودة ورحمة}.
نسأل الله لنا ولكم والتوفيق، ونسعد بالاستمرار في التواصل مع الموقع، ونشيد مرة أخرى بالطريقة التي تفكر بها، ونسأل الله أن يجمع بينك وبين أهلك على الخير.