السؤال
السلام عليكم ...
أنا من أسرة فقيرة والحمد لله.
مشكلتي هي: كرهي الشديد لوالدي، كلما أتذكر معاملة والدي لي ولإخوتي ولوالدتي أكرهه أكثر وأكثر، وسبب كرهي له المعاملة القاسية، كان والدي يطردني من البيت ليلا على أتفه الأسباب، وكان يحرمني أنا ووالدتي وإخوتي من الطعام.
كانت والدتي دائما حزينة، وكنت أرى دموعها كثيرا، ولكنها كانت دائما تقول: إن أخوالي -يعني إخوة والدتي- لا يتحملونها إذا ذهبت إليهم، وكانت تقول لي: سأتحمل من أجلكم كل شيء، وجزاها الله خيرا، والله لم تقصر.
والدي كان أهم شيء عنده جمع المال، وهو ليس بمال كبير، ولكنها أشياء بسيطة وتافهة، وهذه التفاهات هي سبب فقرنا الذي نعاني منه، وكان يفعل أشياء كثيرة يقسو علينا بها.
أنا الآن كبرت، وصار عمري 23عاما، ومازلت إلى الآن كلما تذكرت معاملته القاسية كرهته، وكلما اتصلت علي والدتي لأطمئن عليها تقول لي: كلم والدك وخذ رضاه، ولكني لا أتحمل أن أسمع صوته، ضميري يعذبني، وأتذكر أن الله أوصانا بالوالدين إحسانا، وأنا لا أقدر حتى أن أسمع صوته.
ماذا أفعل؟ أرجو الإفادة، جزاكم الله خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك أخي الحبيب في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يقدر لكل الخير حيث كان وأن يرضيك به، ونحن سعداء أخي الحبيب بتواصلك معنا.
وبخصوص ما سألت عنه؛ فنحب أن نجيبك من خلال ما يلي:
أولا: نحن متفهمون تماما لما قلته، ونتفهم تماما أن طريقة القسوة التي عايشتها أثرت عليك سلبيا، وكذلك نتفهم دور حبك للوالدة في تنامي هذا الشعور لديك.
ثانيا: إن حب أمك لك أصدق من الشمس الساطعة في الظهيرة، حبها لك فطري ليس بيدها، بل جبلها الله على ذلك، وقد أمرك الله ببرها وشدد على إكرامها حتى لو كانت كافرة، حتى لو كانت تحرضك على الكفر بالله عز وجل (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا).
توقف أخي الفاضل عن كلمة: أكره، فإنها قوية جدا، وأنت لا تعلم كم ثقلها في الميزان يوم العرض على الله عز وجل، أخي الفاضل: اعلم أن رضى الله في رضاه وسخط الله في سخطه، قال -صلى الله عليه وسلم-: (سخط الله في سخط الوالدين ورضاء الله في رضاء لوالدين).
والواجب عليك وأنت الشاب المتدين أن تتحمل أخطاءه، وأن تنسى زلاته، فهو أبوك، أبوك الذي يحبك أكثر من أي أحد في العالم كله، اعلم أن محبة الوالد لك لا تعادلها محبة بشر ولا حتى محبة ولدك.
هو حب فطري، فطره الله عليه، ويوم أن تتزوج وترزق مولودا، يومها فقط ستعرف كم هي محبة الوالد لولده، وكم عظمها.
أخي الحبيب: أبوك الآن قد ضعف بعد قوة، وشاب بعد فتوة، واليوم أو الغد لن يجد معينا له بعد الله إلا أنت، وقطيعتك حرام، فأنت مطلوب منك أن تبره مهما كان مخطئا في حقك، فأنت عنه مسؤول.
بل اعلم أخي الحبيب: أنك لا تقدر أن تفي بحق هذا الوالد عليك، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا، فيشتريه فيعتقه.
ولعلك تذكر حديث رسول الله (أنت ومالك لأبيك) لهذا الحديث قصة -أخي الحبيب- أذكرك بها، له قصة مؤثرة وردت في رواية الطبراني والبيهقي لهذا الحديث من طريق المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إن أبي أخذ مالي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- للرجل: (اذهب فأتني بأبيك)، فنزل جبريل -عليه السلام- على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إن الله -عز وجل- يقرئك السلام ويقول لك: إذا جاءك الشيخ فسله عن شيء قاله في نفسه ما سمعته أذناه، فلما جاء الشيخ قال له النبي -صلى الله عليه وسلم- ما بال ابنك يشكوك، أتريد أخذ ماله؟ قال: سله يا رسول الله، هل أنفقه إلا على إحدى عماته أو خالاته أو على نفسي! فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إيه! دعنا من هذا، أخبرنا عن شيء قلته في نفسك ما سمعته أذناك)، فقال الشيخ: والله يا رسول الله ما يزال الله يزيدنا بك يقينا! لقد قلت في نفسي شيئا ما سمعته أذناي فقال -صلى الله عليه وسلم-: (قل وأنا أسمع)، قال: قلت:
غذوتك مولودا ومنتك يافعا تعل بما أجني عليك وتنهل
إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت لسقمك إلا ساهرا أتململ
كأني أنا المطروق دونك بالذي طرقت به دوني فعيناي تهمل
تخاف الردى نفسي عليك وإنها لتعلم أن الموت وقت مؤجل
فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ما فيك كنت أؤمل
جعلت جزائي غلظة وفظاظة كأنك أنت المنعم المتفضل
فليتك إذ لم ترع حق أبوتي فعلت كما الجار المجاور يفعل
قال: فحينئذ أخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- بتلابيب ابنه وقال: (أنت ومالك لأبيك).
انتبه أخي الحبيب، وانس كل شيء، واحرص على والدك، واعلم أنه راحل عنك، وحتما إذا رحل ستندم.
نسأل الله أن يرزقك بره، والله الموفق.