أعاني من عدم الثبات على مبدأ معين.. فكيف أغير من نفسي للأفضل؟

0 411

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية لجميع القائمين على هذا الموقع المفيد، وجعل الله أعمالكم في ميزان حسناتكم.

أعاني من مشكلة نفسية لا أعلم سببها، ولا كيف أتعامل معها، وهي إنني لا أثبت على شيء أبدا، فمثلا أحدث نفسي وأحثها على الالتزام بالصلاة وطاعة الله، ولكن ما ألبث إلا وأبتعد عن طاعة الله، وأهيم في المعصية كالعادة السرية وغيرها، ثم ما ألبث على المعصية إلا وأرجع لطاعة الله، ثم أجد نفسي أبتعد عن الطاعة وعن المعصية معا، حيث أنني أجد نفسي في صراع داخلي مع نفسي، حتى بت أكره نفسي، وتجدني أغلب الوقت نائما، أهرب من التفكير، ونومي غير متوازن،؛ حيث أنني أنام في النهار وأسهر في الليل، وأحيانا أبقى يومين متتاليين مستيقظا بلا نوم، وأحيانا أنام يومين متتاليين لا أستيقظ فيهما.

وهكذا ليس لدي رغبة في أي شيء، لا في الدراسة، ولا في العمل، أغلب الوقت أجلس وحدي، لا أحب أن أختلط بالناس، مدمن على مواقع التواصل الاجتماعي والمحادثة -الشات- دائما أعيش في أحلام اليقظة؛ حيث أتخيل نفسي بأنني شخص اجتماعي ومحبوب من الناس، وأنني قادر على فعل أي شيء، وأنني أنال إعجاب البنات، وهكذا.

عندما أحاول أن أختلط بالناس لا أستطيع ذلك، ولا أحد يبالي بي؛ لذلك وعدت نفسي أن أبقى وحدي، ولكن البقاء وحيدا أدى إلى صراع في داخلي بين أن أكون شخصا ملتزما، أو أن أكون شخصا غير ملتزم، كما قلت سابقا، فإنني غير ثابت على شيء أبدا، دائم التفكر أنني بدون عمل، كل هذا أدى إلى التراجع في دراستي، دائم الإحساس بأنني شخص منحوس غير محظوظ، وأنا أعرف أنه ليس علي أن أتكل على الحظ، ولكن ما يحدث معي جعلني أوكل كل شيء للحظ، وأنني شخص غير محظوظ في كل شيء، لذلك فقدت الرغبة في الدراسة والعمل.

أرجو منكم مساعدتي، هل أنا بحاجة لطبيب نفسي؟ وهل أنا بحاجة لعلاج معرفي سلوكي أو علاج دوائي أو العلاجين معا؟ في حال كنت بحاجة للعلاج المعرفي السلوكي، هل يمكن أن تبين لي الطريقة، وكيف يتم هذا العلاج؟ وإذا كنت بحاجة للعلاج الدوائي، هل يمكن أن تشرح لي ما هي الأدوية اللازمة، وطريقة أخذها؟ وفي حال كنت بحاجة للعلاجين معا، هل يمكنك أن توضح لي ذلك؟

رجاء منك يا دكتور مساعدتي، حيث أنني بت أكره نفسي، وأفكر في الانتحار.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عضو بالموقع حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بالفعل أنت تعاني من ظاهرة مهمة جدا، وهي ظاهرة عدم الثبات على أمر، وكذلك عدم إدراكك التام لأهمية ما هو مهم، ومعاملتك للأمور الحياتية على مستوى واحد؛ مما جعلك لا تهتم بعظائم الأمور، وتخلط بينها وبين صغائر الأشياء.

أيها الفاضل الكريم: أنت محتاج لما يعرف بالمزيد من إدراك الذات، لا بد أن تدرك ذاتك، لا بد أن تلجأ إلى الأصل، وهو أن الله -تعالى- قد كرم الإنسان – هذا مهم جدا – وأن الله -تعالى- قد أعطانا عقلا وكيانا ووجدانا ومعارف لنستفيد منها في حياتنا، لنرجح كفة ما هو مفيد، ونضعف ما هو ليس مفيدا في حياتنا.

أنت تحتاج إلى إعادة هيكلة تفكيرك على هذا النمط، الأمور لا تستوي، ولا يمكن أن تستوي أبدا، هنالك أمور هامة، هنالك أمور متوسطة في أهميتها، وهنالك أمور غير هامة أبدا.

العلاج المعرفي الذي تحتاجه هو ترتيب الأولويات، وترتيب الأولويات يتطلب من الإنسان الجدية، وتحسس أهمية الأمر، وإدراكه، إذا عليك أن تكون صارما مع ذاتك، وأن تبتعد عن التهاون والتفريط.

هذا هو المطلوب منك -أيها الفاضل الكريم-، وهذا لا يتحقق أبدا إلا إذا أحسنت إدارة وقتك، وكنت بالفعل مدركا أن حسن إدارة الوقت تعني حسن إدارة الحياة.

أيها الفاضل الكريم: حين تقرأ أو تتطلع أو تسمع أن الصلاة عماد الدين، ماذا تعني كلمة (عماد)، حين تسمع أنها أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، فإن صلحت صلح بقية أعماله، وإن لم تصلح لم يصلح أي عمل له، ماذا يعني هذا؟

واستمع لقول الله -تعالى- في سورة الكهف: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا}. واستمع لقوله تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق}؟!

هذا يجعلك تنتقل معرفيا، أن تسمو بنفسك معرفيا، وتجعل هذا الأمر جزءا أصيلا من حياتك.

وفي ذات الوقت إذا سمعت أن النوم الكثير يؤدي إلى التكاسل، وأن حاجة الإنسان للنوم ليس لأكثر من سبع إلى ثمان ساعات، هذا يجب أن تقدره وتحسبه على هذا الأساس، الله -تعالى- حبانا بعقل عظيم جدا لنفلتر الأمور ونميزها، وهذا هو الفرق بين من ينجح وبين من لا ينجح.

أيها الفاضل الكريم: لا تأسى على ما فاتك، لكن ابدأ من الآن، نظم وقتك، ونظم حياتك، وحدد أولوياتك، والنفس لا تترك على هواها، النفس يجب أن تكبح، ويجب أن تلجم، ويجب أن تؤدب، في معظم صنوف الحياة، وأنا متأكد أنك (مثلا) حين تقرر الالتزام بالصلاة وتجعلها على رأس الأمر بالنسبة لك، وتلتزم بذلك، هذا سوف يشجعك جدا، وسوف يحفزك، ونعرف تماما أن التحفيز أو المردود الإيجابي الذاتي ليس هنالك أعظم منه، من تشجيع النفس وجعلها تستمر على المنهج القويم والمنهج الإيجابي.

إذن تحفيزك لنفسك أهم من تحفيز الآخرين لك، وهذا يجب أن تقدره، ويجب أن تسعى إليه، وهو ليس صعب المنال أبدا.

عليك أيضا بالرفقة الطيبة، الإنسان يحتاج لمن يدعمه، والرفقة الطيبة – أيها الفاضل الكريم – تجعلك في حالة اندماجية إيجابية، تميز فيها ما بين الخطأ والصواب، والقبيح والجميل، وتسعى لتطوير ذاتك ومهاراتك.

بر الوالدين يفتح السبل والطرق والفكر وكل آفاق الحياة من أجل التوفيق والنجاح والسداد.

أن تجعل لنفسك هدفا، أن تتصور نفسك بعد خمس سنوات أو عشر سنوات من الآن، ما هو موقعك؟ ما هو موقفك؟ أين أنت؟ ما هي وظيفتك؟ أين زوجتك؟ أين ذريتك؟ ما هو رصيدك في هذه الحياة؟ ما هو رصيدك للآخرة؟ هذه أسئلة يجب أن تطرحها أمامك من الآن، وتسعى لها، الإنسان من خلال هذا النوع من التفكير يجعل النفس متحفزة نحو الخير والإنتاجية والفاعلية والنفع لنفسك ولغيرك، هذا ضروري -أيها الفاضل الكريم-.

أما بالنسبة للعلاج الدوائي فقد تركته في آخر الأمر، لأنني أراه ليس بالأهمية بمكان، لكنه قد يساعد، وعقار مثل (بروزاك) والذي يعرف علميا بـ (فلوكستين) يحسن الدافعية، ويزيد من التحفيز لدى بعض الناس، لأنه من خلال إزالة الكدر والتردد الوسواسي قطعا يفيد من هذه الناحية، جرعته هي كبسولة واحدة في اليوم فقط لمدة ستة أشهر، ثم كبسولة يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم تتوقف عن تناوله.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وكل عام وأنتم بخير، وتقبل الله طاعاتكم وصيامكم.

مواد ذات صلة

الاستشارات