السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة عمري 17 سنة، حالتي الدينية: أصلي وأحاول أن أخشع في صلاتي وأجاهد نفسي، وأتمنى أن أكون من العباد المؤمنين وأدخل الجنة، وأكون إنسانة صالحة وحياتي تكون جميلة، وأحاسب نفسي كثيرا على كل شيء قبل أن أنام، كان عندي وساوس قديمة وبحمد الله تخلصت منها، لكن مع فترة الحيض ترجع لي لأني أكون مكتئبة.
هذه السنة كانت الوساوس كبيرة على قلبي، قلبي يحرقني وأتمنى الموت لأتخلص من الوساوس، المشكلة أنه لو تركتني الوساوس بضعة أيام أصبح بخير، وساوسي دينية، فأخاف أن أخرج من الملة، أو كأني أتبلى على الله سبحانه وتعالى، يقشعر بدني كلما جاءتني هذه الأفكار، بدايتها كانت مع كلمة قبيحة لا يجوز أن أقولها لأخي المسلم، فكيف بالله جل جلاله؟ كنت أصلي وأقرأ الفاتحة وخطرت على بالي الكلمة، ربطت الكلمة مع اسم الله وطلعت جملة قبيحة جدا، والله إني مقهورة وأنام وأصحو وأنا أبكي، حياتي جحيم، ورغم إحساسي أني لم أخرج من الملة لكن الوساوس تجعلني أتوب وأدعو الله وكأنني أجدد إسلامي، وأعيد الشهادة، في العشر الأواخر من رمضان كل يوم أجدد الشهادة، والمشكلة أني أقول أن الشياطين مصفدة، إذن الوسوسة من نفسي الخبيثة.
لازمتني الوسوسة أربعة أيام وجزئيا تخلصت منها، وللعلم جاءتني الوسوسة في فترة الحيض، وقبلها كان عندي مشكلة مع ناس وفقدت ثقتي فيهم، كانت أكبر صدمة لي وبعدها أصبت بالوسوسة، سؤالي: أنا عندي وسواس قهري، هل أحتاج لعلاج؟ هناك شيخ قال أن في مس وحسد، لكن أنا أقرأ القرآن وأذكر الله بشكل طبيعي، أرجو حلا لمشكلتي على المدى البعيد.
جزاكم الله خيرا، وكل عام وأنتم بخير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نور حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد.
أنا أقدر حجم الألم النفسي الذي سببته لك هذه الوساوس، لأن محتواها حساس، وهذا يؤلم النفس الطيبة، النفس الصافية، النفس المؤمنة من أمثالك. أنت -إن شاء الله تعالى- بخير، والوساوس في مثل عمرك موجودة ومنتشرة، -وإن شاء الله تعالى- تكون عابرة، وحتى إذا استمرت معك فيوجد علاج، وسوف نصف لك العلاج، وسوف تشفين منها تماما -بإذن الله تعالى-.
ازدياد الأعراض عليك في فترة الحيض هذا معروف، لأن فترة الحيض فيها تغيرات هرمونية، ويعرف أن الوسواس من النوع الذي ذكرته له علاقة كبيرة جدا بالتغيرات الهرمونية على مستوى الجسد كاملا، وفي منطقة الدماغ على وجه الخصوص. والسبب الثاني: هو قطعا أن فترة الحيض ليس عليك فيها صلاة، ونفسك الطيبة، نفسك المطمئنة، نفسك الراقية، تجعلك تحسين بشيء من التقصير والنقصان في أمر دينك، بالرغم من أنك معذورة ولا حرج عليك أبدا، هذا هو التفسير بالنسبة لزيادة الأعراض في هذه الفترة.
العلاج -أيتها الفاضلة الكريمة- يتمثل في:
أولا: تحقير الوسواس وعدم مناقشته، وصرف الانتباه عنه تماما. الوسواس يلح على الإنسان، الفكرة تأتي من هنا ومن هناك. أفضل وسيلة هي أن تغلقي أمامها جميع الطرق والسبل، لا تناقشيها، لا تحلليها، خاطبي الوسواس مباشرة وقولي (أنت وسواس قبيح، أنا لن ألتفت إليك أبدا). إذا استدرجك الوسواس وبدأت في مناقشته وتحليله وتفصيله وتشريحه، هذه مشكلة كبيرة، فأرجو صد الوسواس من خلال تجاهله والاستخفاف به وتحقيره.
النقطة الثانية: أنت محتاجة للعلاج الدوائي، والأدوية تفيد بصورة ممتازة جدا، أبشرك في هذا الخصوص. قبل ظهور الأدوية المضادة للوساوس كانت نسبة نجاح علاج الوساوس 20% فقط، أما الآن وبعد استعمال الأدوية الحديثة أصبحت نسبة نجاح العلاج 80-90%، وهذه نسبة عالية جدا قد لا نشاهدها في أقسام الطب الأخرى.
تحدثي -أيتها الفاضلة الكريمة- مع والديك واذهبي مباشرة للطبيب النفسي، حالتك بسيطة، سوف يصف لك الطبيب النفسي الأدوية، هنالك دواء معروف جدا يعرف تجاريا باسم (بروزاك) ويسمى علميا باسم (فلوكستين)، وهناك دواء آخر يعرف تجاريا باسم (فافرين) ويسمى علميا باسم (فلوفكسمين)، هذه من أفضل الأدوية التي تعطى لعلاج هذه الحالات، -وبفضل من الله تعالى- هذه الأدوية غير إدمانية، غير تعودية، ولا تؤثر على الهرمونات عند البنات.
نجاح العلاج الدوائي مرتبط ارتباطا تاما بالالتزام بالجرعة الدوائية حسب ما يصفها الطبيب، ولا بد أن تكملي مدة العلاج، لا تتوقفي من العلاج بعد أن تظهر عليك بوادر التحسن، ولا تسمعي للكلام غير المؤسس الذي يقوله البعض وهو أن هذه الأدوية مضرة ومدمنة، هذا الكلام ليس صحيحا.
النقطة الثالثة –وهي نقطة مهمة جدا–: هي ما نسميه بصرف الانتباه عن الوسواس، وهذا يتم من خلال أن تحسني إدارة وقتك، وتنظميه بصورة ممتازة، وتجتهدي في دارستك، ومن خلال الانشغال المفيد والإيجابي، واستثمار الوقت وتنظيمه بصورة صحيحة تقلل فرصة أن يهاجم الوسواس الإنسان، لأنه قد يكون ضيق عليه من خلال تقليل الوقت الذي يمكن أن يستهلك في هذه الوساوس.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.