الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وسواس نشر العلم يجعلني أجلد ذاتي وأعيش في خوف!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قال الله تعالى: (وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُون).
وقال تعالى: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون (159) إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم).

عمري 11 سنةً، أعاني من الوسواس القهري الفكري الذي يخص الدين، وهذه الآيات تجعلني أعاني؛ لأني أقول: هل ينبغي أن أتذكر جميع المعلومات عن الدين وأنشرها في صفحتي بالفيسبوك أو أرسلها لعائلتي والمقربين في الواتساب؟ وهذا ربما سيزعجهم ولن يحبوا مني هذا الفعل، وأنا أمضي اليوم كله خائفةً، أقول سأدخل جهنم؛ لأني أكتم الحق، فهل إذا لم أنشر جميع المعلومات أسمى كاتمة للحق، أم ماذا؟!

أقول ينبغي أن أجلد ذاتي، وأن لا أترك نفسي ترتاح حتى لا أتهاون في نشر العلم الديني، وهل أي معلومة كأن تكون طبيةً أو نفسيةً ينبغي أن أنشرها في صفحتي بالفيسبوك؟ فعلاً أنا خائفة جداً من اللعنة، وأن أدخل جهنم بسبب كتمان الحق.

ومشكلتي: أني أسأل الناس كثيراً، هل أحاسب فقط إن سألني أحدٌ عن معلومة ما ولم أجبه؟ ويقولون: نعم، لكنني لا أقتنع، أنا تعبت وأريد أن أرتاح! أريد أن أرى رحمة خالقنا فينا، أنه لا يحملنا ما لا نطيق، وأنه لن يسعد بجلدي لذاتي وأذيتي لها، وأنه لا يلعننا لأتفه الأسباب، أريد أن أرتاح بإسلامي؛ لأنني أعيش المعاناة في إسلامي، أنا أزور طبيباً نفسياً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ خديجة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك –ابنتنا العزيزة– في استشارات إسلام ويب.
نسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يَمُنَّ عليك بعاجل العافية والشفاء من هذه الوساوس، وأن يصرف شرَّها عنك.

ونحن نُدرك مدى المعاناة التي تعيشينها –ابنتنا العزيزة– ولكنّنا في الوقت ذاته نحمّلك كامل المسؤولية عن هذه الحال التي تعيشينها؛ فإن تقصيرك في اتباع التوجيهات النبوية للتخلص من هذه الوسوسة هو سبب عنائك وتعبك، فنصيحتنا لك: أن تُغيّري الحال التي أنت عليها إلى حال الاسترشاد، والعمل بما وجَّهنا إليه الرسول الكريم ﷺ إذا أُصيب أحدٌ مِنَّا بالوسوسة.

فعلاجُ هذه الوساوس العلاج الناجع القالعُ لها -بإذن الله- هو تحقيرُها وإهمالها، وعدم الاهتمام بها، والإعراض عنها، فإنها فكرة شيطانية، يريد الشيطان من خلالها أن يُنغِّص عليك حياتك، ويُكدّر عليك صفوك، ويُدخلك في هذه المرحلة من العناء والمشقة، ويتوصّل إلى هذا كلِّه بفكرة دينية، وهي –كما حصل لك أنت–: الاعتناء والاهتمام بإبلاغ كلمة الحق، والحذر من كتم العلم والدخول في لعنة الله، وكلُّ هذا تهويل من الشيطان، واستغلال لجانب الضعف العلمي الموجود لديك.

إذا أدركت أن هذه فكرة حقُّها أن تُحتقر وتُمتهن، وألَّا يُلتفت إليها، وأن رضا الله تعالى في مخالفتها، وأن الله تعالى يُحبّ أن تُعرضي عنها، إذا أدركت هذا تمام الإدراك، وبدأتِ بمزاولة هذا والعمل به فإنك ستنتصرين بإذن الله على هذه الوساوس.

فلست مكلَّفةً بكل ما ذكرته في استشارتك من بيان أحكام الدّين في صفحة أو إبلاغ هؤلاء الناس أو نحو ذلك؛ فهذا واجب على مَن يعلم إذا سُئل، أو رأى جاهلاً يحتاج إلى تعليم، وبقدر الحاجة، ولا نظنُّ أن هذا الوصف متوفّرٌ فيك أنت، فأريحي نفسك إذًا من هذا التفاعل المضرّ الذي لم يطلبه الله تعالى منك، بل يطلب منك خلافه؛ لأنه لا يُحبّ -سبحانه وتعالى- أن تتبعي خطوات الشيطان؛ فإن الشيطان يريد لك الضجر والحرج، والحزن والضيق، والله تعالى يدعوك إلى خلاف ذلك.

فأجيبي داعي الله -سبحانه وتعالى-، وأعرضي عن هذه الوساوس، وستجدين الراحة.

كما أن من علاجها أيضًا الاستعاذة بالله تعالى، والإكثار من ذلك؛ فإنها حصن -بإذن الله تعالى- من الشيطان ومكره وكيده، فأكثري من ذكر الله وقراءة القرآن، واملئي وقتك بما يعود عليك من نفعٍ من أمر الدين أو الدنيا، حتى لا تدعي مجالاً لتسلُّط الأفكار والوساوس عليك.

نحن على ثقةٍ تامَّةٍ من أنك لو فعلت هذا وزدت عليه الاستعانة بالأطباء الثقات لإجراء ما تحتاجينه من فحصٍ على الجسد -فربما يكون فيه خلل يحتاج إلى دواء يُعيد إليه اعتدال مزاجه-؛ إذا فعلت هذا وجمعت بين المسلكين فإنك ستصلين -بإذن الله تعالى- إلى الانتصار على هذه الوساوس.

نؤكد ثانيةً –أيتها البنت الكريمة–: أن كلَّ هذا التخوّف الذي تخافينه إنما هو مجرد أوهام ووساوس لا حقيقة لها، فلست مطالبة بشيءٍ ممَّا ذكرتِ، وحسبُك ويكفيك أنك إذا سُئلتِ عن شيءٍ أنت تعلمينه تمام العلم أن تُجيبي من سألك بما تعرفين، وإلَّا فهذا البلاغ وهذا البيان الذي تتكلّم عنه الآيات إنما هو موجّه لأهل العلم الذين يُدركون بالعلم الشرعي على وجهه، ويعرفون كيفية إبلاغه وتعليمه للناس، وحدوده التي لا بد من بيانها، ولست أنت ممَّن يدخل في هذه الأوصاف.

نسأل الله تعالى لك عاجل العافية والشفاء.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً