السؤال
السلام عليكم
تقبل الله عملكم، وجعله في ميزان حساناتكم.
أنا فتاة أبلغ من العمر 22 سنة، تخرجت وأكملت تعليمي ولله الحمد، مشكلتي هي: أن أمي تمنعني من الزواج؛ لأنني مريضة، فأنا أعاني من حساسية الصدر، فأسعل عند شم الروائح وبعض المواد، وكذلك عند تعرضي للبرد، فوالدتي ترفض فكرة الزواج تماما حتى أتماثل للشفاء, وتماثلي للشفاء سيأخذ وقتا طويلا، وأخبرني الطبيب المعالج: بأنه لا علاج لحالتي، سوى الوقاية، فهل أمي محقة برفضها؟
تقول والدتي أن سعالي مزعج، وهذا الأمر قد يزعج زوجي، وقد تسوء العلاقة بيني وبينه لأنني مريضة، وترفض أمي إخبار الخاطب بمرضي؛ خوفا من أن يفسخ الخطبة، وأن يشاع بين الناس أنني مريضة.
وكما تعلم فثقافة مجتمعنا، والمجتمعات العربية عامة, تساعد على انتشار الإشاعة، وقد تكبر كثيرا، ويتكلم الناس ويقولوا: أنني مصابة بمرض خطير.
لهذه الأسباب مجتمعة ترفض أمي فكرة زواجي، فهل هي على حق؟
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة الزهراء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك في موقعك إسلام ويب، وإنه ليسرنا تواصلك معنا في أي وقت، ونسأل الله أن يحفظك وأن يرعاك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يحفظ والدتك من كل مكروه.
بخصوص ما تفضلت بالسؤال عنه، فإننا نحب أن نحاورك من خلال ما يلي:
أولا: قد قرأنا رسالتك باهتمام بالغ، وتفهمنا طبيعة ما تعانينه، نسأل الله أن يشفيك، وأن يعافيك، وأن يعجل بذلك إنه جواد كريم، وهذه طبيعة الدنيا أختنا الفاضلة، الأصل فيها البلاء، وهو وثيق الصلة بأهل الدين والصلاح، حتى إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر: (أن أكثر الناس بلاء هم الأنبياء ثم من يشبهم).
فتلك طبيعة الحياة، فهي مجبولة على الابتلاء كما قال الشاعر:
جبلت على كدر وأنت تريدها ،،، صفوا من الأقــدار والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها ،،، متطلب في الماء جــذوة نــــار
فالعيش نوم والمنية يقظة ،،، والـمـرء بــينهما خــيال ســـار
وإذا رجوت المستحيل فإنما ،،، تبني الرجاء على شفير هار
ثانيا: كذلك أختنا الفاضلة، فمن الوهم أن تظني أن من حولك في عافية، لا أختنا الكريمة، إن الجميع في بلاء، ومن الناس من ابتلاؤه أعظم منك وأشد، فمن الناس من هو أصغر منك سنا، وابتلاه الله بمرض السرطان، ويتعالج منه، وهو كذلك أحسن حالا ممن ابتلاه الله ولم يجد ما يداوي به نفسه، ومن الناس من يموت في اليوم ألف مرة، إما من جراء المرض، أو جراء وضعه تحت الحصار، ومن الناس من حكم عليه بالسجن ظلما وزورا، وغاية أمانيه أن يرى الناس ولو لمرة.
الشاهد أختي: أنك في هذا البلاء بالنسبة لمن مر، في عافية ومنعة، ومن رأى بلاء الناس هان عليه ما هو فيه.
ثالثا: اعلمي أختي الفاضلة، أنه لا يوجد على ظهر الأرض أحد أحب وأحرص عليك من والديك، تلك فطرة خلقها الله وسواها، وهي بمثابة الثوابت التي لا تتغير، وستذكرين هذا الكلام وتعرفينه - إن شاء الله - حين تتزوجين وتكونين أما، حين تتعبين، وتحملين، وتلدين، وترضعين، وتمسحين قذر ابنتك الصغيرة وأنت مسرورة، وقتها فقط ستعلمين كيف هو حب أمك لك، وحرصها عليك، وهو حب بلا مقابل.
رابعا: إننا مع والدتك فيما ذهبت إليه، فالأصل ليس الزواج فقط، بل الزواج المستقر الذي تسعدين به، أمك لا تريدك أن تفرحي يوما أو يومين أو شهرا، ثم تعيشين المعاناة دهرا كاملا، أو عمرا كاملا، فكم من فتاة طلقت في أول زواجها، لتعيش معاناة الأرملة وهي صغيرة، والمرأة إذا طلقت قلما يرغب فيها الرجال.
وبالنسبة لإخفاء المرض على الناس الآن، فهي أيضا محقة، حتى لا ينتشر الأمر بين الناس قبل العلاج، فإذا شفاك الله فالحمدلله، وإذا بقي شيء من هذا المرض، فيجب إخبار الخاطب قبل الزواج، حتى يكون علي بينة.
خامسا: ثقي أختنا الفاضلة، أن من كتبه الله لك زوجا، سيكون مهما كانت العواقب أو المعوقات، قبل أن يخلق الله السموات والأرض بخمسين ألف سنة، والله لا يقدر لعبده إلا الخير.
فقد روى مسلم في صحيحه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أول ما خلق الله القلم، قال له: اكتب، فكتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء)، فاطمئني أختنا الفاضلة، وثقي في عطاء الله لك.
وفي الختام نريد أن نهمس في أذنك، بأن حرصك على الزواج لن يكون عشر معشار حرص أمك عليه.
نسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدر الله لك الخير حيث كان، والله الموفق.