كيف أفهم قضية القدر وأدفع عن نفسي الخوف مما يحصل؟

0 421

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كيف يمكن للمسلم أن يفهم قضية القضاء والقدر بشكل صحيح؟ وكيف يمكن أن يدفع عن نفسه القلق والمخاوف من الأمور التي تحصل معه في حياته، والخوف من المستقبل؟ وما هي العلاقة بين فعل الأسباب وبين القضاء والقدر؟

جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبدالله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

اعلم -بارك الله فيك- أن أصل معنى القضاء في اللغة: إحكام الشيء وإتقانه، والقدر له معان متعددة؛ كلها ترجع إلى مبلغ الشيء، وكنهه، ونهايته.

ومعنى القضاء والقدر شرعا: هو تعلق علم الله تعالى بالكائنات، وإرادته لها أزلا قبل وجودها، فلا حادث إلا وقد قدره؛ أي سبق علمه به، وتعلقت به إرادته.

سئل الإمام أحمد عن القدر؟ فقال: القدر: قدرة الرحمن، وقد أخذ هذا من قول الله تعالى: {قل إن الأمر كله لله}.

الإيمان بالقضاء والقدر هو خير معين لك على عدم الخوف والقلق، وقد بين ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له).

المؤمن عليه البذل وما أصابه بعد ذلك من خير أو شر يؤمن -قطعا- أن له فيه خيرا، فقد يرفع الله الضرر الأعلى بالضرر الأدنى، وقد يبتلي الله العبد ليرفع درجته، أو يغفر ذنبه، ولا يدري أن هذا هو الخير له، والتسليم لله عز وجل والرضا بقضائه هو ما يريحه، ويسعده، ويطمئن قلبه.

الإيمان بالقدر لا ينافي الأخذ بالأسباب، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للأعرابي: (اعقلها وتوكل) وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتداوي، وفي صحيح مسلم أن سراقة بن مالك قال: يا رسول الله بين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن، فيم العمل اليوم؟ أفيما جفت به الأقلام، وجرت به المقادير أم فيما نستقبل؟ قال: (لا، بل فيما جفت به الأقلام، وجرت به المقادير، قال: ففيم العمل؟ قال: اعملوا، فكل ميسر، وفي رواية: كل عامل ميسر لعمله).

قال النووي -رحمه الله-: وفي هذا الحديث النهي عن ترك العمل، والاتكال على ما سبق به القدر، بل تجب الأعمال والتكاليف التي ورد الشرع بها، وكل ميسر لما خلق له لا يقدر على غيره.

قال ابن القيم: لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله تعالى، والأسباب لا تعطي النتائج إلا بإذن الله تعالى، والذي خلق الأسباب هو الذي خلق النتائج.

اعلم أن المؤمن الحق هو الذي يبذل غاية ما عليه مؤمنا أن هذا من قدر الله، ولا يستسلم قط ما دام في جهده استطاعة لعمل.

استمع معنا إلى هذا الحديث الذي يبين لك المعنى جليا، عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-: أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- خرج إلى الشام حتى إذا كان (بسرغ) لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه: أن الوباء قد وقع بأرض الشام، قال ابن عباس: فقال عمر: ادع لي المهاجرين الأولين فدعاهم فاستشارهم وأخبرهم: أن الوباء قد وقع بالشام، فاختلفوا، فقال بعضهم: قد خرجت لأمر ولا نرى أن ترجع عنه، وقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي الأنصار، فدعوتهم فاستشارهم فسلكوا سبيل المهاجرين واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، فدعوتهم فلم يختلف منهم عليه رجلان، فقالوا: نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء، فنادى عمر في الناس: إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه، قال أبو عبيدة بن الجراح: أفرارا من قدر الله؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم، نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان، إحداهما خصبة، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله، قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف وكان متغيبا في بعض حاجته فقال: إن عندي في هذا علما، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه) قال: فحمد الله عمر ثم انصرف.

نسأل الله أن يوفقك لكل خير والله المستعان.

مواد ذات صلة

الاستشارات