السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مشكلتي: في صلاتي، فقد كنت شديدة المحافظة عليها، وكنت أقوم الليل للصلاة، وحفظ القرآن الكريم.
حدث حريق كبير في منزلنا، وبعد هذه الحادثة بدأت بالابتعاد عن صلاتي تدريجيا، وأصبحت أري أمورا قبل أن تحدث أو تقع، قمت بعمل أكثر من عمرة؛ بهدف الدعاء لنفسي للمحافظة على الصلاة مثل السابق، ولكن لازال هناك أمر يحول دون ذلك ويمنعني.
ذهبت للشيخ؛ فقام بعمل خلطة من البخور، بخور الأرواح، لا يحضرني اسمها الآن، تحسنت بعدها كثيرا لمدة ستة أشهر، وأصبحت محافظة على صلاتي، وأقرأ القرآن والأذكار.
بعدها نزل مني دم لمدة 15يوما، واستمر معي نزول الدم كل شهر، وكلما صحوت من نومي وجدت على كتفي من الخلف خربشات مؤلمة، تكون سببا لإيقاظي من النوم، أصبحت لا أعرف نفسي، فتجدني أتوضأ ومن ثم لا أصلي.
ماذا أفعل أفيدوني أفادكم الله.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ الشيماء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أسأل الله لك العافية والشفاء.
حوادث الحريق من الحوادث التي تجلجل النفوس، ونحن في علوم الطب النفسي والسلوك نعطيها أهمية خاصة جدا، وهنالك حالة تعرف بعصاب ما بعد الصدمة، هذه الحالة حين وصفها العلماء قبل أربعين عاما، كانت بعد حادثة بشعة لحريق حدث في أمريكا في مدينة مانهاتن، هذا الحريق حدث في ناد ليلي قضى على حوالي ثلاثمائة شخص، هؤلاء ماتوا وبقي حوالي مائة وعشرون شخصا على قيد الحياة، جميعهم أصيبوا بحالات قلق، وتوترات، وأحلام، واجترارات سلبية، ونوع من الفزع الليلي لا يفارقهم، اضطرابات نوم فظيعة جدا، ومن ثم سميت حالتهم باضطراب ما بعد الصدمة، أو ما بعد الكارثة، وتطور المسمى ليصبح الآن بما يسمى بعدم القدرة على التكيف.
هذا هو الذي حدث لك أيتها الفاضلة الكريمة، إذا حالتك هي حالة قلقية نفسية، تسمى بعدم القدرة على التواؤم، أو عصاب ما بعد الصدمة، والإشكالية التي عقدت حالتك هذه هي معتقداتنا الخاطئة في مجتمعاتنا الإسلامية، معتقدات خاطئة حول الأرواح، وحول عالم الجن، وحول العين، والسحر، كلها أمور لا أساس لها، والذين يعتقدون معتقدات خاطئة حول هذه الأمور الغيبية، يعطي الشيطان فرصة عظيمة جدا ليسخر كل آلياته، ليغوي الإنسان ويبعده عن الصلاة، وعن العبادة، وهذا هو الذي حدث لك.
أيتها الفاضلة الكريمة، الأمر لا يحتاج لبخور لطرد الأرواح، ولا يحتاج لأي شيء، اجعلي إيمانك ويقينك وقناعتك بأن الله تعالى هو النافع وهو الضار، ارجعي إلى صلاتك، ضيقي على الشيطان، اقرئي الأذكار بتمعن وبتدبر، واقرئي وردك القرآني اليومي، إذا خذي الدين من منابعه الصحيحة، ولا مانع من أن تسترشدي بأحد الداعيات؛ لتمثل لك دعما نفسيا ورفقة طيبة.
هذا هو الذي أنصحك به أيتها الفاضلة الكريمة، وإن انتهجت هذا النهج سوف تعود الأمور إلى طبيعتها تماما.
إذا التصحيح العقدي هو المطلوب في حالتك، يأتي بعد ذلك أن تتناولي أحد الأدوية المضادة لقلق المخاوف، أو عصاب ما بعد الصدمة.
ومن أفضل الأدوية التي درست في هذا المجال، عقار يعرف باسم (زولفت)، واسمه العلمي (سيرترالين)، تناوليه بجرعة خمسة وعشرين مليجراما - أي نصف حبة - ليلا لمدة أسبوع، ثم اجعليها حبة كاملة ليلا لمدة شهرين، ثم نصف حبة ليلا لمدة أسبوعين، ثم نصف حبة يوما بعد يوم لمدة أسبوعين، ثم توقفي عن تناول الدواء.
هذا الدواء راقي جدا وطيب جدا، وممتاز، وسوف يساعدك كثيرا، لكن من وجهة نظري لابد أن تتخلصي من التشوهات الفكرية التي أتتك من خلال الانصياع للشيطان، وأنا لا ألومك هنا، إنما اللوم يقع على مجتمعنا، وما دخل إليه من تشوهات وإضافات أدخلها البعض، خاصة فيما يخص عقيدتنا.
اجعلي لحياتك معنى، بأن تجتهدي في أمر منزلك، وتديريه على أفضل ما يكون، اذهبي إلى مراكز تحفيظ القرآن في المملكة، وهي كثيرة، تواصلي اجتماعيا، وبالنسبة للنوم: تجنبي النوم النهاري، واحرصي على الأذكار، وقطعا الدواء الذي وصفته لك سوف يساعدك كثيرا.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وكل عام وأنتم بخير.
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم ... استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان، وتليه إجابة الشيخ/ أحمد الفودعي ... مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
مرحبا بك أختنا العزيزة في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله لك صلاح الحال ودوم العافية.
لقد أحسن أخونا الدكتور محمد - جزاه الله خيرا- فيما أمدك به من النصائح، وقد جمع لك بين التوجيه التربوي الديني، وبين وصف العلاج الحسي، وقد أحسن في ذلك غاية الإحسان، نسأل الله أن يكتب له عظيم الأجر.
ونحن هنا نؤكد من الناحية الشرعية أيتها البنت العزيزة، والأخت الكريمة على أمرين:
الأمر الأول: أنه لا مانع، بل ينبغي للإنسان أن يتداوى بكتاب الله تعالى، ويطلب الشفاء به، فهو شفاء لما في الصدور من الأدواء الحسية والمعنوية، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالرقية، فهذا من الدواء الذي ينبغي للمؤمن أن يفزع إليه عند الاحتياج إليه، والرقية تنفع - بإذن الله تعالى - مما نزل بالإنسان، ومما لم ينزل.
والرقية تكون بكتاب الله تعالى، وبسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وبغيرهما من الأدعية التي لا تتضمن شركا، وكلما كان القلب أقرب إلى الله تعالى، كان أرجى بأن يقبل الدعاء الذي يخرج من لسان صاحبه، والإنسان المصاب عادة ما يكون أكثر تعلقا بالله تعالى واضطرارا إليه، ولهذا ننصحك بأن ترقي نفسك بنفسك، فاقرئي على نفسك القرآن كسورة الفاتحة، وقل هو الله أحد، والمعوذتين، {قل أعوذ برب الفلق}، و{قل أعوذ برب الناس}، وآية الكرسي {الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم} إلى آخر الآية، والآيتين الأخيرتين من سورة البقرة، والقرآن كله شفاء، وأكثري من قراءة سورة البقرة.
واستعمالك لهذه الرقية نافع لك - بإذن الله تعالى - في دينك ودنياك.
الأمر الثاني: أنه لا حرج في الاستعانة بمن يحسنون الرقية ممن يعرفون بالصلاح والاستقامة على السنة في ظاهر أحوالهم، والواجب الحذر كل الحذر من الدجالين، والمشعوذين الذين يصفون للناس من الأدوية، والرقى ما لم يأذن به الشرع، والأبخرة من هذا النوع، وقد وصف شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -، التداوي بالبخور بأنه من عمل النصارى وغيرهم، ولا يعرف في الرقية الشرعية التداوي بالبخور، ولهذا ينبغي الحذر من هذا النوع من الناس، وهذا النوع من التداوي.
نحن نؤكد ما قاله الأخ الدكتور/ محمد، من أنه لا ينبغي أن يكون المفزع دائما في الآلام أو الأمراض التي تصيبنا إلى تشخيصها بأنها سحر، وأنها عين، وإن كان كل ذلك حق، ولكن ينبغي الأخذ بالأسباب المشروعة بالتداوي، بالأسباب الحسية، والرقية الشرعية، مع حسن التوكل على الله تعالى، وإحسان الظن به.
نسأل الله تعالى لك عاجل العافية.