السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة أبلغ من العمر 25 سنة، ومتزوجة منذ شهر تقريبا، ويبلغ عمر زوجي ثلاثين عاما. ولله الحمد والمنة أنا على قدر من الالتزام بالدين، والجمال والثقافة، والطموح. مشكلتي أنني غير مقتنعة بزوجي منذ بداية الخطبة، فأشعر أننا لا نتوافق فكريا، وهو لم يتخرج من الجامعة بعد، فقد تعثر بالدراسة سابقا، ويعمل بدوام جزئي. ولا أشعر أنه مثقف وأستطيع أن أناقشه في مواضيع كثيرة، فأنا شخصية تحب النقاش والاطلاع، وتبادل الآراء، ولطالما حلمت برجل أستفيد من حديثه ويجذبني بفكره. وإضافة إلى مظهره الأقل من عادي، ويعاني من شلل في الوجه وتأتأة بسيطة، ولا يهتم بمظهره كثيرا كاهتمامي بنفسي، أصبحت لا أهتم بالتجمل له.
حالته المادية جيدة جدا بحكم منصب والده، أخشى أن الله سبحانه اختبرني به، وفتنت بماله والهدايا التي كان يجلبها وغرني ذلك. بدأت أشعر بتفاهة هذه الأمور في عيني بعد أن تعايشت معه. أو أن في زواجي منه اختبارا لصبري عليه، وفيه ثواب لي؟
هو شخص طيب وصبور، وهادئ في المقابل، ومحافظ على صلواته في المسجد، ويهتم بجوانب الدين ومحافظ، ولكنه بيتوتي وممل، ولا أصدقاء كثر له، وأنا اجتماعية، وأحب التعارف والاختلاط بالأقارب والأصدقاء. كما أنني انتقلت للعيش في المدينة التي يقطن بها، وفارقت أهلي، وقلبي يتقطع على فراق والدي؛ فأود برهما والاهتمام بهما.
أشعر أنني تنازلت عن أمور كثيرة من أجل شخص أقل مني، وأستحق أفضل منه، فتحولت إلى شخص يعطي التعليقات السلبية طوال الوقت، مع أنني لا أريد أن أجرحه، ولكن والله لا أستطيع التحكم بنفسي. وهو يتحرج من إظهار شخصيته الحقيقية أمامي؛ خوفا من أن أرفضه، وعلمت مؤخرا أنه يحتفظ بدمى لأبطال مسلسلات يحبها ويحب اقتناء كل ما يخصها، ويرتدي ملابس بصورها، وأنا ضد هذه الأمور، ولكنه مرن ويسمع مني ومستعد للتغيير، ولكن ما الذي يضمن لي أنه لن يعود لطبعه؟ فأمه من قبلي حاولت معه كثيرا، وأسمعها تنتقده أحيانا.
أبكي كثيرا -والله- لأن ضميري يؤنبني، وأشعر أنني لست على طبيعتي، ولا يعجبني شيء، وذهني ليس معي مع العلم أنه يحبني من قبل، ولا أبادله الشعور، ولكنه يتمنى إسعادي بأي طريقة، ولكنني غير منجذبة له، بل أرحمه بشكل كبير، وتذرف عيناي على مشكلته الصحية والنفسية، وأحاول تشجيعه إلا أنني أشعر بأني أجامل نفسي وأجامله وأجامل أهلي، فهو من أقربائي، وأخاف أن أطلب الطلاق بسبب الملل والنفور وعدم الانسجام؛ فيعاقبني الله؛ لأنه ليس سببا قويا، ولكنه يؤثر على نفسيتي كثيرا ونحن لا زلنا في مطلع الطريق، فكيف إذا تعددت المسؤوليات! أو قد لا يخطبني أحد بعد ذلك.
أرجو إرشادي وإفادتي؛ فأنا في حيرة بالغة، وتشتت وهم، وأدعو الله أن يريني إشارة، إما أن يجعلني أميل لزوجي، أو أن أنهي الأمر ولا أضغط على نفسي أكثر من اللازم.
وما خاب من استشار. ولكم الشكر مقدما.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ لمياء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأهلا بك في موقعك "إسلام ويب" وإنا سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وبخصوص ما تفضلت بالسؤال عنه فإننا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:
أولا: شكر الله لك اعتدالك في الشكاية، فقد ذكرت ما للزوج وما عليه، وهذا يدل على إنصافك في عرض المشكلة.
ثانيا: لكل مشكلة في الحياة وجهان: وجه سلبي، وآخر إيجابي، والعاقل هو من ينظر إلى كلا الوجهين معا إذا أراد أن يحكم على أمر ما، وقد ذكرت عنه أنه (شخص طيب وصبور وهادئ في المقابل ومحافظ على صلواته في المسجد، ويهتم بجوانب الدين، ومحافظ) وهذا مما يمدح في الرجل، وفي المقابل هناك أمور سلبية بعضها واقعي، وبعضها ضخمته النظرة السلبية التي تنظرين بها إليه، ونحن نود أن نخبرك بشيء: لن يستقيم حالك والنظرة هذه قائمة، لا بد من تغييرها، وذلك بتضخيم إيجابياته، والغض عن سلبياته.
ثالثا: اعلمي أن هذا الزوج الذي تزوجته هو قدر الله، نعم قد قدره الله لك وقدرك له قبل أن يخلق الله السموات والأرض، فقد روى مسلم في صحيحه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، فكتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء) واعلمي أن أهل السموات وأهل الأرض لو اجتمعوا على أن يغيروا من قدر الله حبة خردل ما استطاعوا، والعاقل من اتعظ بذلك وعلم أن رضا الله عز وجل هو المبتغى، وأن السعيد الحق هو من أوثق بالله صلته، وعمر بالذكر قلبه، وترك كل ما يغضب الله عز وجل طاعة لله وقربة له. ساعتها ستجدين نورا في قلبك، وهدوءا في نفسك خاصة إذا عمقت هذا الأمر، وأيقنت أن قضاء الله هو الخير لك، فالله لا يقضي لعبده إلا الخير.
نكرر لك أختنا: ثقي أن ما قدره الله لك خير مما أردته لنفسك، فاطمئني، وتذكري أن العبد قد يلهث خلف الشر يظنه خيرا ولا يدري أن فيه هلكته، وقد يعترض على الخير يظنه شرا ولا يعلم أن فيه نجاته، وهذا بعض قوله تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم}.
رابعا: إن الشيطان يدرك تماما مدى تدينك، ويعرف ذلك عنك لأنه قرينك، ومن أدواته أن يأتيك من الباب الذي يبغضك في زوجك، يأتي الشيطان بكل أدواته ويعمل بكل طاقته، وسيقبح لك الحلال ويبغض إليك كل سلوك يفعله زوجك من أجل أن يزيد من عمق الشرخ بينكما؛ ليزرع البغضاء بينكما، وقد نبه النبي إلى ذلك بقوله: (إن الشيطان يفرك بين الزوج وزوجته) أي يبغضها عنده ويبغضه عندها، تلك غاية إبليس، بل أخبرنا النبي أن أقرب الشياطين إلى إبليس من يحسن إفساد الرجل على أهله، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا، قال ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال فيدنيه منه ويقول: نعم أنت)
وللشيطان في ذلك وسائل وأساليب متنوعة، منها ما رواه البخاري في الأدب المفرد عن أزهر بن سعيد قال: سمعت أبا أمامة يقول: إن الشيطان يأتي إلى فراش أحدكم بعد ما يفرشه أهله، ويهيئونه؛ فيلقي عليه العود والحجر، أو الشيء؛ ليغضبه على أهله، فإذا وجد ذلك فلا يغضب على أهله، قال: لأنه من عمل الشيطان) وقد حدث أن رجلا جاء إلى عبد الله بن مسعود فقال: إني قد تزوجت جارية بكرا، وإني قد خشيت أن تفركني -تكرهني- فقال عبد الله: إن الإلف من الله، وإن الفرك من الشيطان ليكره إليه ما أحل الله له، فإذا أدخلت عليك فمرها فلتصل خلفك ركعتين، وقل: اللهم بارك لي في أهلي وبارك لهم في، اللهم ارزقني منهم وارزقهم منـي، اللهم اجمع بيننا ما جمعت إلى خير، وفرق بيننا إذا فرقت إلى خير)
وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- طرق الوقاية من تلك الغواية فقال: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر) أي عليه أن ينظر إلى مجموع إيجابياتها وسلبياتها حتى يعتدل مزاج الحكم عليه، ووضع القرآن وسائل التغيير عند خطأ المرأة أو الخوف من النشوز فقال: {واللاتى تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا}.
خامسا: قد أصبحت -أختنا الفاضلة- الآن ثيبا، وأنت اليوم قد فارقت منتصف العقد الثاني من عمرك، وهذا يعني -أختنا- أن العثور على زوج آخر قد يكون صعبا إن لم يكن في بعض الأحيان مستحيلا.
سادسا: الرجل يحبك ويتمنى إسعادك، ومسألة الثقافة من عدمها أمر ميسر، ويمكنك أن تعاونيه -أختنا- وتجعليه مثقفا، خاصة وقد ذكرت أنه معك مرن ويسمع منك، وهذا مؤشر قوي على تأثيرك عليه.
وأخيرا: نود منك -أختنا- أن تنظري بإيجابية إلى زوجك، وأن تضخمي كل إيجابية فيه، وأن تتغافلي عن بعض هذه الأمور السلبية، وأن ترضي بقضاء الله عز وجل، وثقي أن الأمور ستتغير إلى الخير إذا ما أحسنت الاحتماء بالله، والدعاء: أن يصرف الله عنك ما ألمك، فالدعاء سهم صائب.
نسأل الله أن يحفظك، وأن يبارك لك في زوجك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، والله الموفق.