كيف أصلح علاقتي بأمي وأتقرب منها؟

0 360

السؤال

السلام عليكم
أتمنى أن أجد لديكم حلا عمليا لمشكلتي.

عمري 21 سنة، أسرتي في خلافات يومية، علاقة أبي وأمي سيئة جدا، وأمي سريعة الغضب، وتصب غضبها علي دائما، ومنذ طفولتي وأنا أتعرض لإساءتها المستمرة التي لا يسعني الحديث عنها الآن، لكني وصلت لمرحلة لا أستطيع تحمل كلامها الجارح، وفكرت دائما بالهروب من البيت، ولكن إلى أين؟

لا أريد أن أسيء لسمعة عائلتي، ولا أريد أن أخسر أمي؛ لذلك يجب أن أبتعد عنها، أخشى أن يأتي اليوم الذي أصل فيه وأصرخ في وجهها، فقد أصبح العيش في البيت مؤلما، إلى أين أذهب؟

أنا في سنتي الأخيرة من الجامعة، لا أريد لمستقبلي أن يدمر، أريد أن أكمل هذه السنة على الأقل، ولكني أتلقى صراخ أمي وتجريحها لي في البيت، وأبكي طوال الليل، وفي الصباح أذهب للجامعة بوجه باسم، لم أعد أستطيع تحمل ذلك، ولا أريد البكاء أمام صديقاتي.

أشيروا علي، هل من مكان أذهب إليه لأواصل حياتي؟ مع العلم أني حاولت الحديث مع أمي أكثر من مرة في أوقات مختلفة، لكنها تغضب جدا، وتقول: بأني أمثل دور الضحية، لم ولن تفهم ما أشعر به، ماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أختنا الفاضلة- في موقعك إسلام ويب، وإنه ليسرنا تواصلكم معنا في أي وقت، ونسأل الله أن يحفظك، وأن يرعاك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.

وبخصوص ما تفضلت بالحديث عنه؛ فإنه يسرنا أن نجيبك من خلال ما يلي:

أولا: قد بدا من حديثك -أختنا- حرصك على عدم معصية الله، وهذا أمر يحمد لك، ونسأل الله أن تكوني كذلك وزيادة.

ثانيا: اعلمي -أختنا الكريمة- أننا ندين كل سلوك تربوي خاطئ، ونقر في ذات الوقت بأن بعض الآباء قد يقع في الخطأ، وقد يسلك سلوكا تربويا عنيفا تجاه ولده، ولكننا في ذات الوقت نفرق بين الخطأ الذي دافعه الكراهية والبغض بقصد خراب البيوت، أو الإضرار المتعمد بالأطفال، وبين الخطأ الذي ربما كانت تصحبه نية صالحة، وتبعه سلوك خطأ، ومما لا شك فيه أن الأول وهو قصد الإضرار محال وجوده بين الوالدين مع ولدهما.

ثالثا: مع تفهمنا لحالتك -أختنا الكريمة-، نحن أن نوجه نظرك إلي أمرين:

- إن الحالة التي اعترتك مؤخرا لها سببها النفسي، وهو النظر إلي أمك من منظور ما تعتقدين أنه خطأ، دون النظر إلى ما تقدمه لك، وما بذلته وتبذله من جهد تجاهك وإخوانك.

وحتى تستقيم تلك النظرة، لابد من الجمع بين الأمرين، مع الاعتذار لها بكثرة الضغوط بينها وبين والدك، خاصة وقد ذكرت أنها مشاكل دائمة بينهما، وهذا أمر شديد القسوة على كاهل الأم.

- أي حديث عن هروب أو غيره هذا من تلبيسات الشيطان، حتى يصرف ذهنك عن أي محاولة للإصلاح أو للتقليل من المشاكل، فاستعيذي بالله من ذلك، فالهروب مضيعة لك قبل أن يكون مضيعة لأهلك، عافاك الله من ذلك.

رابعا: لابد أن نلفت انتباهك كذلك إلى أن الحب الأبوي حب فطري لا تملك الوالدة من الأمر فيه شيئا، الله فطرها على محبتك بلا مقابل، انتبهي -أختي الفاضلة- بلا مقابل، الوالدان فقط هم من يبذلون كل غال ونفيس لأولادهم بلا مقابل، وأي أحد بعدهم مهما قال أو ذكر لن يهتم إلا بمقدار ما يستفيد أو بما لا يضره، إلا والدتك والدك فانتبهي.

خامسا: بالتأكيد لا يخفاك مكانة بر الوالدة في الشريعة الإسلامية، حتى أن الله حث على برها، وشدد على إكرامها، حتى لو كانت كافرة، بل وحتى لو كانت تحرضك على الكفر بالله عز وجل (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا)، والعلة في ذلك ما فطرت عليه من ناحية، وما تحملته لأجلك من ناحية أخرى، فأنت لا زلت -حفظك الله- فتاة لم تعلمي بعد كم تعبت الوالدة في حملك، وكم تعبت في السهر على راحتك وأنت صغيرة، وكم تعبت وهي تمسح عنك الأذى، ونخشى ألا تعرفي قدرها إلا بعد رحيلها عنك، وساعتها ستكون حسرة وندامة لا تطاق، وقد أحسن من قال:

لأمك حق عليك كبيــــر *** كثيرك يا هذا لديه يسير
فكم ليلة باتت بثقلك تشتكي *** لها من جواها أنة وزفير
وفي الوضع لا تدري عليها مشقة *** فمن غصص منها الفؤاد يطير
وكم غسلت عنك الأذى بيمينها *** وما حجرها إلا لديك سرير
وتفديك مما تشتكيه بنفسها *** ومن ثديها شرب لديك نمير
وكم مرة جاعت وأعطتك قوتها *** حنانا وإشفاقا وأنت صغير
فضيعتها لما أسنت جهالة *** وطال عليك الأمر وهو قصير
فآها لذي عقل ويتبع الهوى *** وآها لأعمى القلب وهو بصير
فدونك فارغب في عميم دعائها *** فأنت لما تدعو إليه فقير

أختنا الفاضلة: اعلمي أن رضى الله في رضى الوالدين، وسخط الله في سخطهما، قال -صلى الله عليه وسلم-: (سخط الله في سخط الوالدين، ورضاء الله في رضاء لوالدين)، فعليك أن تتحملي أخطاءها، وأن تتحاوري معها بلطف وود، فأمك مفطورة على محبتك، ولن تجدي في الدنيا كلها من يحبك مثلها، هذا ما فطرها الله عليه.

خامسا: مع ذكرك لنا أنك حاورت الحوار مع الوالدة، إلا أننا نريد منك أن تذهبي إليها بود صاف وعقل متفتح، وأن تحدثيها بحب، ولكن ليس عن أخطائها من وجهة نظرك، بل حدثيها عن تعبها لأجلكم وعن تقصيركم في حقها، أشعريها أنك تشعرين بها، حديثها بحب فأنت بعضها، وغدا حين تتزوجين وتنجبين وتعانين في ابنتك ستذكرين هذا الكلام جيدا.

وأخيرا: نوصيك ونتمنى عليك مصاحبتها، والاستماع إليها فهي راحلة، اليوم معك وغدا تكون ذكري، فاستمتعي بوجودها معك.

نسأل الله أن يبارك لك في عمرها، وأن يحفظك من كل مكروه.

والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات