كلما وجدت عملا وسوس لي الشيطان أن أتركه فأتركه!!

0 254

السؤال

السلام عليكم.

أكتب لكم سؤالي واستفساري وكلي أمل أن تساعدوني بحل مشكلتي، والتي لا أعلم هل هي نفسية، أم مشكلة تحصل مع أي شخص؟

أنا شاب عمري 24 سنة، أردني الجنسية، كنت مقيما في السعودية مدة 10 سنين، وبعد هذه المدة قمت بالرجوع إلى بلدي الأردن؛ لإكمال دراستي، بحيث أحصل على عمل مناسب، ثم أقوم بالدراسة على حسابي الخاص، فأنا طموح جدا، وأحب الدراسة، وأحب أن أكمل دراستي للدكتوارة.

قمت بالبحث عن عمل فوجدت وظائف عدة، لكنها وظائف غير مناسبة، عمل غير مناسب لشهادتي الدبلوم، وليست هنا المشكلة، بل أنا كلما أبدأ عملي أول يوم وفي أول الساعات؛ يأتيني شعور وإحساس مفاجئ، وهو ترك العمل منذ بدايته، يأتيني شعور من الداخل يقول لي: اترك العمل، فأتضايق وأنا في العمل، وأبكي، وهو شعور داخلي، وكأن شخصا بداخلي يتكلم معي، ويقول لي: العمل غير مناسب لك، اترك العمل، فأترك وأقوم بترك العمل، وأشعر بالضيقة والتعب الشديد، وأبكي.

حصلت المشكلة معي أكثر من عدة مرات، يمكن 10 مرات، وبأكثر من عمل، حيث أكون قبل العمل متحمسا جدا، وأقول لنفسي: سأثبت في العمل إن شاء الله، وبعد الحصول على العمل أتركه فورا، لا أدري هل هذا الشعور هو عدم توفيق، أم هو خيرة من الله، أم هو شعور من نفسي؟

أمي وأبي راضون عني، ويقومون بالدعاء لي كثيرا، وأنا والله محتاج للعمل جدا، فقد يأست كثيرا، وصلت لدرجة أني أقول لنفسي: (سأجلس في البيت، أنا فاشل جدا، ولن أحصل على عمل، ولن أوفق في حياتي، ولن أستطيع إكمال دراستي) أنا أبحث عن عمل كثيرا، وكلما حصلت على عمل تحصل معي هذه المشكلة، والله إني أبكي، وحالتي صعبة جدا.

جزاكم الله كل خير، وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ليث حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك في موقعك إسلام ويب، وإنه ليسرنا تواصلك معنا في أي وقت، ونسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يثبتك على الحق.

وبخصوص ما تفضلت به فنجيبك من خلال ما يلي:

أولا: شعورك بأن العمل لا يناسبك، أو أنك تسحق أكثر من ذلك؛ كان مدخل الشيطان إليك أخي الحبيب، والنفرة التي تأتيك من العمل، والضيقة التي تستشعرها هي من جراء هذا التفكير، وهذا أمر طبيعي، ومتفهم تماما.

ثانيا: طموحك أمر جيد، ونحن نثمنه لك، ولكن نريدك أن تقرنه بأمرين:

1- إمكانية التحقق.

2- بذل الجهد.

ونعني بذلك -أخي الحبيب- أن بعض الشباب يقذف الشيطان في صدره أمنية، هي أكبر من طاقاته، وأكبر من إمكانياته، حتى يشعره بالفشل والإحباط، ولذلك من المهم جدا أن يعرف المرء قدراته، ومن ثم يبني على ما حباه الله من إمكانات.

ونعني ببذل الجهد أن يخطط لما يريد أن يصل إليه، وأن يقسم هذا الأمر على مراحل زمنية محددة، وأن يجتهد في إنهاء كل مرحلة في وقتها المحدد، هذا هو الطريق العملي لبلوغ الأهداف، وتحقيق الطموحات.

ثالثا: أنت لست فاشلا أخي، ولا ينبغي أن تقول عن نفسك ذلك، فأنت -والحمد الله- متعلم ومثقف، ومتدين وبار بوالديك، وسيجعل الله لك بعد عسر يسرا، لكنا نحب أن نوصيك بوصايا فانتبه لها يرعاك الله.

1- إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون، هذا مثل عربي، وهو أمر مهم جدا وعليك اغتنام فهمه، فاليوم أنت شاب وتستطيع أن تجمع بين العمل وبين تحقيق ما تريد من طموحات عملية، المهم أن تدرك أن العمل هو مرحلة قد تكون مؤقتة لكنها هامة جدا، وعليك التأقلم معها، وعليك إرادتها إن لم يكن لذاتها؛ فعلى الأقل هي سبيل لتحقيق ما تريده، وهي خطوة في الطريق الذي تتمناه.

2- قارن بين الفراغ والعمل، أيهما خير لك وأفضل، إن العمل مهما كان رديئا أو غير مناسب هو أفضل مائة مرة من الجلوس فارغ الذهن والوقت.

3- لا تبك على ما فات، فما فات هو قدر الله عز وجل، والمؤمن موقن بأن قدر الله هو الخير، وهو بلاء ابتلاك الله به فحول هذا البلاء إلى نعمة بالصبر عليه مع التوجه إلى الله بالدعاء، والرضا الكامل بقدر الله عز وجل والتسليم له، مع بذل الجهد والتوكل عليه، بهذا يعمر قلبك إيمانا فتعيش السعادة وتحيا الإيمان؛ وعلى العكس من ذلك تماما، نعني إذا تضجرت من قدر الله؛ فإنك ستعيش حياة البؤس والشقاء، فما مضى قدر وقد وقع:

فدع ما مضى واصبر على حكمة القضا * فليس ينال المرء ما فـات بالجهـد

4- نريدك الآن من فورك أن تبحث عن عمل حلال، وحين تجده ابدأ بصلاة ركعتين واستخر فيهما ربك، ثم توكل على الله بجد، وكلما جاءك الشيطان ليصرفك عن العمل تذكر ما قلناه آنفا من الرضا بالقضاء، وحب ما أريد لك، ومقارنة ذلك بالمكوث فارغا من غير عمل في البيت، ولا تترك عملك إلا إلى ما هو أفضل لك.

رابعا: أنت تحتاج إلى تعميق الصلة بالله عز وجل، عن طريق زيادة معدل التدين عندك، مع تعميق العقيدة، وخاصة باب القضاء والقدر.

خامسا: من المهم كذلك أن تعمق ثقتك بنفسك، فأنت إنسان طبيعي، وكونك لم تنجح في التأقلم مع عملك لا يعني فشلك بقدر ما يعني مراجعة دقيقة للأسباب التي أدت إلى ذلك، واعلم أنك متى ما فقدت الثقة بذاتك فقدت نفسك فانتبه لذلك.

سادسا: الثقة إحساس داخلي، بمعنى أنك تستشعره داخل نفسك، ليترجم إلى مواقف ثابتة، وتقبل للخطأ الموجود بكل أريحية، يعتقد في داخله أن عليه العمل مع الإتقان، ولن يحاسب بعد بذل أقصى ما عنده على شيء، فيحدث ما يسمى في علم النفس بالتوافق النفسي، وفي الشريعة الرضا بالقضاء والقدر.

سابعا: حتى تعود الثقة إلى مكانها لا بد أولا من التعرف على الأسباب التي تضعف الثقة عند أي إنسان وهي كالتالي:

- تهويل الأمور، وتضخيم المواقف، بحيث تشعر أن من حولك يركزون على ضعفك، ويراقبون كل حركة غير طبيعية تقوم بها، وهذا وهم، وعلاجه هو الانشغال بالأهداف والتغافل عن سفاسف الأمور.

- اعتبار نقد الناس هو المعيار الحقيقي لصوابك أو خطئك، وهذا خلل خطير، فالمعيار الحقيقي هو الأصول والمبادئ المتعارف عليها شرعا، وليس حديث الناس.

- كثرة التفكير في كل انتقاد، وهذا أيضا خطأ؛ لأنه قد يتطور الأمر إلى أن يصل إلى حد احتقار الذات في الخلوة ببعض الألفاظ، والتي قد تدمر الشخصية مثل: "أنا فاشل" التي كررتها، أو غير ذلك من العبارات الفارغة، والتي قد تشكل خطرا جسيما عليك.

ثامنا: يكمن العلاج بعد ذلك في عدة أمور:

من المهم أن تقنع نفسك بأنك طبيعي، وأن الخلل الموجود الذي تعاني منه هو عارض، وله علاجه، ولا ينبغي القلق منه أو التركيز عليه، ولا اعتبار لكلام الغير، وكرر دوما لنفسك: أنا متفوق ومتدين، والأمور بقدر الله وعلي الجهد، والتوفيق من الله عز وجل.

نرجو منك أن تتعرف على بعض الإخوة الصالحين، وخاصة من الذين جمعتهم المساجد، فالمرء بإخوانه، وإخوانه بدونه.

وفي الختام أنت إنسان طبيعي، وما حدث كذلك أمره يسير، وعليك من الآن فض الغبار عن كاهلك، والإقبال على الله عز وجل، ومواجهة مصاعب الحياة بالتوكل عليه، وتذكر نعم الله عليك، فأنت والحمد الله معافى من الأمراض الخطيرة، وغيرك مبتلى بالأمراض الفتاكة، أنت والحمد لله في بلد آمنة، وغيرك في بلد لا يأمن على نفسه أو أهله، أنت والحمد لله بار بوالديك، وغيرك عاق لهما، هناك أمور كثيرة في حياتك إيجابية لا بد من التفكير فيها حتى يعتدل عندك الميزان، ولا تنسى أن الإنسان له من اسمه نصيب، وأنت (ليث)، والليث أحد أسماء الأسد؛ فانهض يا أخي، وتوكل على الله، واكتب لنا ونحن واثقون من أن الرسالة التالية ستكون بشارة إن شاء الله.

نسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يسعدك في الدارين.

والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات