ما حكم الشرع في طلب الطلاق رغبة في الزواج من رجل آخر؟

0 397

السؤال

السلام عليكم

أنا امرأة محترمة وعلى خلق، ومتزوجة منذ سنتين من شخص محترم جدا، زواج تقليدي، وليس عندي أطفال منه.
 
أحببت شخصا غير زوجي، وهو يحبني حقا، ومتزوج وغير سعيد في حياته الزوجية، حاولنا أكثر من مرة ترك علاقتنا ومحاولة استكمال حياتنا، ولا نستطيع أبدا، هو يطلب مني الزواج كثيرا، وأنا أرغب بالزواج منه.

سؤالي: هل يجوز أن أتطلق من زوجي وأتزوج الشخص الآخر وأعف نفسي معه؟ علما أنه لا يوجد سبب للطلاق من زوجي، كما ينوي الآخر تطليق زوجته، أرجو الرد بأدلة دينية، لأن ردكم سيتوقف عليه قرار مصيري في حياتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هبة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في موقعك، ونشكر لك الاهتمام والسؤال، قبل اتخاذ القرار الذي لن يجلب سوى العار؛ لأن البيوت لا تقوم على شفا جرف هار، فانتبهي لنفسك وعودي إلى الغفار، وأقبلي على زوجك، فإنه بشهادتك من الأخيار، وابتعدي عن الفاجر الذي تواصل معك، ولم يراع حق الله، ولا حرم الرجال، وهو ملعون في شريعة رسولنا المختار، ومثله لا يؤتمن عليك ولا على أهل الدار، فتعوذي بالله من شيطان يريد أن يقودك إلى الدمار، واستري على نفسك، واحفظي حرمة زوجك ولا تنكسي رأس أهلك الأبرار.

أرجو أن هذا الرجل لا يصلح معك ولا مع أهله، فلا تصدقي الذئاب، ولا تجري وراء السراب، وخافي ممن لا يخاف ربا شديد العقاب، وقابلي وفاء زوجك بالوفاء، واحمدي رب الأرض والسماء على ستره لك، رغم عدوانك على حق زوجك، وتذكري أنه يمهل لكنه لا يهمل.

لست أدري كيف وصل إليك وكيف سمحت لك نفسك بالتمادي معه، وأين دينك والحياء، ألا تعلمي أن جريمة المتزوجين أكبر، وإذا كانت المعرفة قديمة، فلماذا لم يسبق ويتقدم، وإن كانت الجريمة حديثة فالأمر أشد وأقبح.

هذه وصيتنا لك بتقوى الله، والأمر لا يحتاج إلى سؤال، فالإثم ما حاك في الصدر وتلجلج، وتذكري أن الله يستر على العصاة فإذا تمادوا خذلهم وفضحهم، والشريعة لا ترضى للخاطب أن يخطب على خطبة أخيه، فكيف يقبل من المتزوجين العبث بالأعراض، وما أكثر من خدعن بالكلام المعسول فخسرن الدنيا والآخرة، والسعيدة من اتعظت بغيرها.

سعدنا بتواصلك، ونسأل الله أن يوفقك، ونفرح بالاستمرار في التواصل مع الموقع، ونسأل الله أن يغنيك بالحلال، ونحذرك من طلب الطلاق من غير بأس، وفقك الله وهداك.
------------------
انتهت إجابة: د. أحمد الفرجابي -مستشار الشؤون الأسرية والتربوية-
وتليها إجابة: الأستاذ فيصل العشاري -مستشار داخلي بالموقع-
------------------

نتفهم تماما ما تعانينه من ميول وحب للرجل الآخر، ولكن لنا عتاب لطيف حول هذا الميول، حيث تعلمين بأن هذا الميول بحد ذاته يعد خيانة زوجية، فضلا عن التواصل ومحادثة هذا الرجل الأجنبي عنك بدافع الحب والتعلق، وأنت على ذمة رجل آخر، والحديث المعتاد من حيث هو لا إشكال فيه بين الرجل والمرأة، لكن عندما يكون هذا الحديث دافعه العلاقة الخاصة، ومن أجل الحب في ظل حياة زوجية قائمة، فهذه لا يمكن تصنيفها إلا في قائمة الخيانة الزوجية، والخيانة الزوجية درجات ومستويات، قد تصل إلى ارتكاب الفاحشة العظمى في بعض الحالات.

قد جاءت آية سورة النور صريحة في بيان هذه العلاقة: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن...)، وكذلك في قوله تعالى في سورة الأحزاب: (ولا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض)، فمجرد ترقيق الصوت مع الرجل الأجنبي يعد نوعا من الخيانة الزوجية، وهذه المقدمة من أجل التذكير بالحدود الزوجية التي قررتها الشريعة الحكيمة منعا للفساد.

نأتي الآن إلى تكييف العلاقة الحاصلة بينك وبين هذا الرجل من الناحية الاجتماعية والشرعية؛ فهناك صورتان يمكن المقارنة بينهما:

الصورة الأولى: امرأة أرغمها أهلها على الزواج من شخص لا تحبه، ثم وقعت عرضا في حب شخص آخر بعد الزواج، فمثل هذه المرأة يحق لها أن تطالب بالخلع -الطلاق من زوجها- للضرر الحاصل عليها بسبب إرغامهم لها على الزواج من شخص لا تحبه، وليس لأنها تحب شخصا آخر.

الصورة الثانية: امرأة تزوجت زواجا تقليديا، وليس بينها وبين زوجها مشاكل، والعلاقة اعتيادية ثم وقعت في حب شخص آخر، فهذه المرأة لا يحق لها شرعا المطالبة بالانفصال عن زوجها للزواج بالشخص الآخر؛ لعدم وجود ضرر معتبر عليها، بل الضرر في هذه الصورة حاصل على زوجها الذي سيتضرر بطلاقها.

ربما تكون الصورة الثانية هي الأقرب لحالتك –حسب وصفك-، وبالتالي فلا يصح المطالبة بالخلع أو الطلاق في حالتك هذه، حتى لو تم الطلاق من زوجك، وتزوجت الشخص الآخر فهناك بعض المذاهب تمنع وقوع الزواج الثاني الذي كان بسبب تخبيب -إفساد- هذا الرجل للعلاقة بينك وبين زوجك.

جاء في " الموسوعة الفقهية " ( 5 / 251 ) :
وقد صرح الفقهاء بالتضييق عليه وزجره، حتى قال المالكية بتأبيد تحريم المرأة المخببة على من أفسدها على زوجها معاملة له بنقيض قصده، ولئلا يتخذ الناس ذلك ذريعة إلى إفساد الزوجات. انتهى.

جمهور العلماء يرون صحة عقد من أفسد على رجل زوجته حتى طلقها ثم تزوجها هو، رغم إثم التخبيب –وهو القول الراجح-، وخالف في ذلك بعض أهل العلم من المالكية والحنابلة فأبطلوا العقد، وبهذا تبين أن هناك ممانعة شرعية لدى بعض الفقهاء من وقوع الزواج الثاني -بسبب التعمد في إفساد العلاقة الزوجية-

المشكلة من زاوية نفسية يمكن النظر إليها كالتالي:
عادة يتم التعلق بين الجنسين -رجل وامرأة- بسبب وجود عوامل جاذبة في كلا الطرفين، فقد تكون هناك جوانب نقص في زوجك الحالي وجدتها متوفرة لدى هذا الشخص الغريب، ووضعه معك كذلك -أي أنه وجد فيك صفات ليست متوفرة في زوجته- فتعلق بك، لكن هذا ليس مبررا للخيانة ولا يحتم مسألة الطلاق والانفصال، حيث يمكن علاج جوانب النقص واستكمال الحياة الزوجية الحالية بنجاح.

لذلك فنصيحتنا لك كالتالي:

1- اعقدي مقارنة بين سلبيات زوجك وإيجابياته، أخرجي ورقة واكتبي فيها كل الإيجابيات، وورقة أخرى اكتبي فيها كل السلبيات، قارني بين هذه الإيجابيات والسلبيات ودوني ملاحظاتك، والتي نجزم بأنها ستكون صادمة، حيث ستكتشفين أن هناك إيجابيات كنت عنها غافلة ولم تكن في حسبانك.

2- اقطعي علاقتك بهذا الرجل تماما، وغيري أرقام هواتفك وحساباتك الإلكترونية حيث لا يستطيع الوصول إليك مجددا، واعقدي العزم على ذلك طاعة لله ورسوله، صلى الله عليه وسلم.

3- اعلمي أنك بهذا تجاهدين نفسك وأن الله سيوفقك ويعينك: قال الله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، وأنت امرأة فاضلة لا يليق بك أن تتلطخي في وحل هذه العلاقة بالاستمرار فيها، كما أنه لا يسوغ لك الانفصال لأمر مجهول لا تدرين عاقبته.

4- أقبلي على الله تعالى بعقلك وقلبك، واستغيثي بالله تعالى أن ينقذك من هذه العلاقة، وأن يخلصك منها، وأن يرضيك بزوجك ويرزقك الحياة المستقرة، فالله تعالى كريم لا يرد داع سأله واستغاث به (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم).

5- أشغلي وقت فراغك بالنافع والمفيد، وانخرطي في الأعمال الاجتماعية والتطوعية، ولا تفكري كثيرا في علاقتك بهذا الرجل، واجعليها كماض مات وانقضى أجله، وأقبلي على مستقبلك وزوجك بحياة جديدة مليئة بالأمل والرضا بالله عز وجل.

6- كوني على ثقة بأن قلبك العصي عن التطويع والاستقامة سيتم تغييره إلى الأفضل إذا ملئ بالإيمان وحب الله عز وجل فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.

7- القناعة كنز لا يفنى، قال عليه الصلاة والسلام: قد أفلح من أسلم ورزق كفافا، وقنعه الله بما آتاه . رواه مسلم.

قناعتك بما آتاك الله من زوج ودنيا كفيل بأن يحيل حياتك إلى رضا وطمأنينة وراحة نفسية، ربما لم تكوني لتجدينها إذا كنت مع الشخص الآخر، ولن تنالي الحياة الطيبة إلا بطاعة الله عز وجل.

نسأل الله تعالى أن يربط على قلبك، وأن يعصمك من السوء والفتن ما ظهر منها وما بطن.

والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات